النهار
السبت 21 سبتمبر 2024 05:43 مـ 18 ربيع أول 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

تقارير ومتابعات

ثقب الأوزون يواصل اتساعه ويبلغ أعلى مستوى له هذا الربيع

بلغ الثقب فى طبقة الأوزون فوق الدائرة القطبية الشمالية أعلى مستوى له هذاالربيع، لا سيما بسبب استمرار وجود مواد ضارة فى الجو، هذا التحذير الجديد أطلقتهالأمم المتحدة مؤخرا حيث أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأممالمتحدة أن كمية الأوزون التى تحمى الأرض من الأشعة فوق البنفسجية تراجعت إلىمعدلات قياسية فوق القطب الشمالى بسبب استمرار تواجد المواد المضرة بالأوزون فىالجو وحذرت من شتاء قارس البرودة فى الطبقة العليا من الغلاف الجوى.وقالت المنظمة - فى بيان لها صدر منذ أيام - إن المشاهدات التى سجلت من الأرضوبواسطة منطاد فوق المنطقة المحيطة بالقطب الشمالى، وكذلك بواسطة الأقمارالصناعية، أظهرت أن طبقة الأوزون فقدت نحو 40 % فى هذه المنطقة بين بداية فصلالشتاء وآخر شهر مارس الماضى، وأوضحت أن الرقم القياسى السابق وصل إلى 30% خلالفصل الشتاء، حيث تقوم طبقة الأوزون بحماية الأرض من الأشعة فوق البنفسجية ذاتالآثار الضارة على الصحة.والأوزون ذلك الغاز الأزرق الباهت شديد السمية، والذى يعنى اسمه (أوزون) فىاللغة اللاتينية رائحة، وهو مركب كيميائى يتكون من اتحاد 3 ذرات أكسجين، وهو ذورائحة مميزة رائحة البحر التى تعزى لتصاعد كميات قليلة من الأوزون، الذى تفوقسميته مركبات أول أكسيد الكربون والسيانيد.ويتصف الأوزون بأنه يتفكك بالتسخين، وذلك عندما تتجاوز درجة الحرارة مائة درجةمئوية، كما يتصف بقابليته للذوبان فى الزيوت العطرية وبحساسيته الشديدة للصدماتوالاهتزازات، كما أنه قابل للانفجار إذا وجدت معه وهو سائل بضع ذرات من الغازاتالعضوية.ويمثل وجود طبقة الأوزون ضرورة لاستمرار الحياة على كوكب الأرض، حيث تمثلحزاما واقيا ودرعا حاميا من الأشعة فوق البنفسجية، كما أنها تمتص جزءا كبيرا منالإشعاعات الكهرومغناطيسية وخاصة الإشعاعات التى تتصف بطاقتها العالية التىيتراوح طول موجاتها بين 240 و320 نانومترا.والأوزون يتم تدميره بواسطة التأثر بجزيئات مواد الكلورين، والبرومين،والهيدروجين، وأوكسيد النيتروجين، بالإضافة إلى أن بعض المواد الكيماوية الأخرىخاصة مجموعة مركبات الكلوروفلوروكاربون.ويؤدى تناقص الأوزون إلى زيادة الأشعة فوق البنفسجية التى تؤدى بدورها إلىانتشار سرطان الجلد، ونقص المحاصيل الزراعية، وتدمير الثروة السمكية، وإصابةالثروة الحيوانية بالأمراض.ويرجع السبب الرئيسى لإحداث ثقب الأوزون إلى تلوث البيئة بالكيماويات، وتصلهذه الكيماويات إلى منطقة الستراتوسفير عن طريق البخاخات أو الأيروسولات والطيرانالنفاث وإطلاق الصواريخ إلى الفضاء والتفجيرات النووية.والأوزون الموجود فى الغلاف الجوى للأرض فى حالة توازن ديناميكى، حيث يتعرضلعمليتى البناء والهدم بصورة مستمرة ومتوازنة ومتساوية فى المقدار، وذلك فىالظروف الطبيعية، ويمثل هذا التوازن ناموسا كونيا حتى تستقر الحياة.وقد بدأ الاهتمام الدولى بمشكلة ثقب الأوزون (أولى مراحله عام 1972) مع بدءالحوار حول طائرات الكونكورد الأسرع من الصوت، حيث يمكنها العبور فوق الأطلنطى فىثلاث ساعات فقط، والتى تصنع احتكاكات فى الجو ينتج عنها ارتفاع درجة الحرارةومخلفات تؤثر على طبقة الأوزون.وبالرغم من سمية الأوزون، فإن له استخدامات عديدة فى الكثير من العملياتالصناعية التى تطبق فيها عمليات الأكسدة، كما أنه مادة مبيضة تستخدم لتبييض مختلفالمركبات العضوية وخاصة الشموع والزيوت، بل ويستخدم فى إزالة الروائح الكريهة منبعض المواد الغذائية، ويستعمل فى صناعة بعض الأدوية مثل الكورتيزون.كما يستخدم الأوزون فى تعقيم وتكرير المياه ومعالجة مياه الشرب، حيث وجد أنهأسرع من الكلور 3200 مرة فى قتل البكتريا والفيروسات، فضلا عن الفطرياتوالطفيليات، وبدون أى آثار جانبية، والأوزون يعد عاملا منظفا للبيئة، لكن زيادةنسبته عن الحد المسموح به تحوله إلى عنصر ضار ومتلف ومدمر لها.وقد حصل العالم الألمانى أوتو فاريورج على جائزة نوبل لعامى 1931 و1944 عنأبحاثه فى الاستخدام العلاجى للأوزون خاصة فى مجال علاج السرطان، ويستخدم الأوزونكعلاج للأعصاب وحالات ضعف الذاكرة وفتور الدورة الدموية، ويؤكد الأطباء الفرنسيونالذين يستعملون الأوزون فى الطب وعلاج الأمراض أن جرعات قليلة من الأوزون تفيد فىتنقية الجسم من السموم وإزالة التوتر النفسى.وقد اعترف الأطباء بالأوزون كوسيلة علاجية فى العديد من الدول الأوربية مثلإيطاليا والنمسا وفرنسا وسويسرا وإنجلترا وغيرها من الدول مثل اليابان والولاياتالمتحدة الأمريكية حتى وصل إلى مصر، ويعتمد الاستخدام الطبى للأوزون على تنشيطهلخلايا الجسم الطبيعية بشكل آمن عن طريق زيادة نسبة الأكسجين المتاحة للخلايا إلىالحد الأمثل الذى يسمح بإطلاق المطلوب من الطاقة لأداء وظائفها الكاملة، ورفعدرجة مناعتها لمقاومة الأمراض.كما أنه يثبط الفيروسات والبكتريا والفطريات والخلايا السرطانية عن طريقاختراقها وأكسدتها، ونظرا لتعدد فوائده وانتشار استخدامه فى المجالات الطبيةوالصحية العامة، أنشىء عام 1973 الاتحاد العالمى للأوزون.ويعتبر العالم ماتينوس فان ماركوس أول من اكتشف وحضر الأوزون عام 1758، ثمحضره كريستيان سشونيين فى عام 1860م وأطلق عليه الأوزون، ويتم تحضير الأوزونفى المختبر بالاعتماد على تحليل جزيئات الأكسجين باستخدام الطاقة، ويتحقق ذلك عنطريق تحرير غاز الأكسجين الجاف والمبرد حتى درجة الصفر المئوى فى جهاز خاص يسمىمولد الأوزون، ثم يتم إحداث تفريغ كهربائى هادىء داخل الجهاز، فيتولد بذلك غازالأوزون.ويتكون الأوزون بشكل طبيعى نتيجة التفريغ الكهربى الناتج عن البرق، كما يتكونمن جراء النشاطات البشرية فى طبقة الستراتوسفير بواسطة التفاعلات الكيموضوئية،وطبقة الستراتوسفير إحدى أهم طبقات الغلاف الجوى، وتعرف أيضا بطبقة الأوزونوسفيرلأنها غنية بغاز الأوزون، ويبلغ سمكها 40 كم.وفى العشرة كيلومترات الأولى من هذه الطبقة، تظل درجات الحرارة ثابتة (حوالى55 درجة مئوية تحت الصفر)، ثم ترتفع درجات الحرارة تدريجيا لتصل فى نهاية الطبقةإلى حوالى مائة درجة مئوية، وذلك لوجود غاز الأوزون الذى يمتص الأشعة الحراريةويعكس معظم الأشعة فوق البنفسجية.وأدى انحسار طبقة الأوزون إلى تنبيه العالم بالخطر وتحذير المجتمع الدولىبضرورة اتخاذ خطوات فعالة وإجراءات عملية تحد من استخدام المواد الكيماوية التىتساعد على انحسار طبقة الأوزون، وكانت هناك استجابة لذلك من قبل فى الدولالمتطورة، ولكن ذلك لم ينطبق على الدول النامية.أما عملية استبدال تلك المواد الكيماوية، فتحتاج إلى إجراءات معقدة، كما أنلها نتائج سلبية من حيث تأثير المواد البديلة على البيئة وبالتالى لا بد من دراسةومعرفة مدى ملاءمتها وتأثيراتها الجانبية على البيئة، كذلك تقدير تكلفتهاوتأثيرها على الطاقة بكل أشكالها.أما بداية الأزمة، انحسار الأوزون، فقد بدأت عام 1972 عندما تم إنشاء برنامجالبيئة التابع لهيئة الأمم المتحدة وذلك أثر انعقاد مؤتمر ستوكهولم حول البيئة،وعلى أثر ذلك تم نشر الوثائق الأولى التى تحذر من موضوع انحسار طبقة الأوزون، وفىعام 1985 عقد مؤتمر فيينا بغرض المتابعة والتأكيد على ضرورة حماية طبقة الأوزون.وفى أغسطس 1987، تم الإعلان عن توقيع الدول الصناعية المهمة آنذاك على أولوثيقة لحماية الأوزون فى مونتريال - كندا وسميت الوثيقة بروتوكول مونتريال، وقدقامت 47 دولة بالتوقيع على الوثيقة، لكن لم يبدأ بتنفيذ محتوياتها قبل فبراير عام1989، ونصت الوثيقة على ضرورة تخفيض استعمال المركبات المستنفذة لطبقة الأوزون،ولكن تم لاحقا توقيع 120 دولة على بروتوكول مونتريال، كما تم الإسراع فى تنفيذالتوصيات الواردة فى البروتوكول إلى الضعف، أى تم الاتفاق على أن يكون عام 1995هو نهاية إنتاج تلك المواد واستبدالها بمواد أخرى بديلة لا تسبب انحسار طبقةالأوزون، كما أنه تم شمول مواد مثل هيدروكلوروفلوروكاربون ومواد أخرى تحتوى علىالكلورين والبرومين إلى مجموعة الكيماويات التى نصت الوثيقة على منع استعمالها.ودعم بروتوكول مونتريال الدول النامية فى جهودها للحصول على مواد بديلةوتطبيق تقنية مناسبة للحفاظ على البيئة، أما الدول التى لم تخضع لمتطلباتبروتوكول مونتريال فقد واجهت ضغوطا دولية بشأن تقليل تزويدها بالمواد الخام،والإمكانات المطلوبة فى التصنيع.وفى عام 1995 عقد اجتماعا فى فيينا حيث تقرر الطلب من الدول الإسراع فى التخلصمن المركبات التى تزيد انحسار الأوزون، وعقد عقب ذلك فى عام 1996 المؤتمر الثامنحول الأوزون فى كوستاريكا، وكانت الغاية من المؤتمر إيجاد الدعم والتمويل المالىللدول النامية لمساعدتها فى تنفيذ مقررات مؤتمر مونتريال.إن التفكير بما سوف تكون عليه حالة الكرة الأرضية بعد 20 -30 عاما من الآن إذاوصلت نسبة انحسار طبقة الأوزون إلى 40-50\% هو كارثة، وعلى العلماء أن يقوموابواجبهم بعمل المزيد من البحوث وتقصى الحقائق والتوقعات.كما أن علي القادة إلزام حكوماتهم بتطبيق بروتوكول مونتريال، وعلى الدولالغنية مساعدة الدول الفقيرة بالدعم المالى والتقنى لاستبدال المواد التى تساعدعلى انحسار طبقة الأوزون بمواد بديلة، وعلى الدول أيضا أن تلتزم بالحفاظ على صحةالإنسان وكل الكائنات الحية على الأرض كجزء أساسى من سياسة الحفاظ على البيئةبشكل عام.إن موضوع الأوزون هو موضوع صراع الإنسان ضد الطبيعة وصراع الطبيعة ضد الإنسان،لكن التحذير المهم للدول لتزيد من جهودها لحل المشاكل الكثيرة للبيئة التى سوفتواجهها أجيال المستقبل هى جزء من الحفاظ على الأمن والصحة العامة، وهو ما لايتأتى إلا بتعاون دولى وتنمية مستمرة خاصة للدول النامية.