النهار
الإثنين 21 أكتوبر 2024 04:19 صـ 18 ربيع آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

مقالات

د. محمد حبيب يكتب: جون كيرى في القاهرة

محمد حبيب
محمد حبيب

عجيب أمر الإدارة الأمريكية..هي لا تكل ولا تمل من أجل الوصول الي أهدافها ومراميها..تستخدم كل الأوراق الموجودة لديها أو لدي غيرها في سبيل تحقيق مصالحها ومشروعاتها..وقد تعلمنا منذ صبانا الباكر أن الإدارة الأمريكية تدين في أيديولوجيتها للفلسفة الداروينية الحديثة وهي "البقاء للأقوي"، وهي لذلك تسعي دائماً لحيازة القوة في كل ميادينها ومجالاتها، العسكرية والاقتصادية والاعلامية، بل وكل ما يمكنها من ذلك..وهي علي استعداد ان تتبع كل الوسائل، الظاهرة والخفية، الخشنة والناعمة، المشروعة وغير المشروعة، لكي تكون دائماً الأقوي دون منافس أو منازع..بطبيعة الحال، ليس لها في ميدان العدل أو الاستقامة نصيب، بل العكس هو الصحيح..اذ لا بأس عندها، من اجل مصالحها، من توريط من توهمهم فيظنون انهم اصدقاؤها، حتي اذا وقعت الكارثة وحلت المأساة بهم، نفضت يديها منهم وكأن الأمر لا يعنيها.


لعلنا نذكر جيدا ما فعلته مع صدام حسين أيام مجده..كيف أغرته لكي يغزو الكويت، مستغلة في ذلك انتهازيته وعدوانيته واطماعه..وكيف أغوت العالم العربي ليقف معها، بماله وجنوده، من اجل طرد صدام من الكويت كي تجلس هي علي منابع النفط، تتحكم فيها الي ما شاء الله..وكيف كذبت بعد ذلك علي العالم لكي تغزو العراق، بزعم وجود اسلحة دمار شامل لديه، لتمزيقه وتفتيته وإضعاف قواه..وكي يكون درسا وعظة وعبرة للسادة الزعماء العرب..وما كان لها ان تفعل ذلك الا بالتنسيق مع شيعة العراق في الجنوب (وباذن من طهران)، ومع الأكراد في الشمال..هذه هي الإدارة الأمريكية..تستخدم كل الأوراق.


وقد جاء جون كيري الي القاهرة ليجتمع مع كل الأطراف، حكومة ومعارضة ومؤسسات مجتمع مدني..الهدف المعلن حسب ما جاء في بيان البيت الابيض: " ضرورة ان يعمل المصريون جميعا من اجل بناء الديمقراطية، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي والازدهار"..وهو بلاشك هدف -في ظاهره - جميل ونبيل..لكن، وأقول لكن..منذ متي والإدارة الأمريكية حريصة علي بناء الديمقراطية في مصر، وهي التي ظلت ولا زالت تدعم أنظمة الحكم الاستبدادية، ليس في عالمنا العربي فحسب، وإنما في كل دول العالم الثالث طالما كانت هذه النظم محققة لأهدافها ومصالحها؟! ما علينا..لقد اجتمع كيري برموز من المعارضة، وكان هدفه محاولة إقناعهم بضرورة المشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة، علي اعتبار ان المشاركة سوف تؤدي الي تهدئة الأوضاع وإزالة أسباب التوتر والاحتقان في مصر، وبالتالي التخفيف من حدة الازمة الاقتصادية الخانقة..ونسي الرجل - أو تناسي - ان المعارضة لم يعد لها ذلك التأثير علي "الشارع"، وان الأخير اصبح يتحرك بمنأي عن أي سيطرة، وان حركته هي نتيجة فقدان الأمل وضياع الحلم واجهاض الثورة، علاوة علي نزيف الدم المستمر علي يد داخلية الدكتور مرسي، فضلا عن انتهاكات حقوق الإنسان من تعذيب واغتصاب ممنهج في معسكرات الامن..ان كانت ثمة نصيحة توجه، فيجب ان تكون للدكتور مرسي، فالكرة في ملعبه الآن..لن أكون مبالغا إذا قلت ان إجراء الانتخابات وتشكيل مجلس نيابي جديد في ظل هذه الأجواء، لن ياتي بالاستقرار المنشود..سوف تظل حالة الاستقطاب قائمة، ولا يغيب عن بالنا حقيقة مهمة وهي ان الثقة مفقودة بين كل الأطراف، وهو ما يزيد الأمر سوءا وتعقيدا.