النهار
الأربعاء 15 يناير 2025 01:50 صـ 15 رجب 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

ثقافة

سرقة التراث الحضاري.. من الأكلات الرسمية حتى التدليس الأثري

يهود يحتفلون بالخروج من مصر
يهود يحتفلون بالخروج من مصر

تحاول بعض الجماعات نسب بعض التراث المادي والمعنوي إليها لترسيخ وتأسيس تاريخ لجماعتهم، ذلك التأسيس ليس الا محاولة لتأسيس منهج أستقطابي وإستعلائي لهم، فعلى الرغم من كون تلك الجماعات لا تهتم بتكبير جماعتها، ولكنها مع ذلك تحاول وبشدة إستقطاب تابعيين لأفكارهم ومؤيدين لسياساتهم اي ان كانت في اي اتجاه.

البيتزا ليست البداية!

بيتزا

على الرغم من تفاهه الموضوع لدى البعض من خلال نسب اليهود لبعض الأطباق لهم الا ان للأمر ابعاد أخرى، لا تكمن في مجرد سرقة تراث مادي لبعض الحضارات، بل يتجاوز ذلك بكثير، عن طريق هدم تلك الحضارات وجعل "الحضارة اليهودية" بحد تعبيرهم هي الحضارة المركزية في الفكر الأنساني، وبالتالي فأن الحضارات الأخرى ليس الا مجرد حضارات تابعة سارت على خطاهم.

"الطعمية" او "الفلافل" تلك الاكلة المصرية العريقة لم تسلم من سارقي التراث ايضاً، فعلى الرغم من مدى أصالتها ووجودها في التاريخ المصري القديم والحديث الا اننا وجدنا تسجيل لتلك الوجبة المصرية على قائمة اليونسكوا للتراث الحضاري! وأصبحت أكلة رسمية في المجتمع اليهودي من فترة ليست ببعيدة.

تراث يهودي!

"الكشري" المصري ايضاً وجد من يسرقه! الأكلة الرسمية المعتمدة في مصر والتي لا تخلوا منطقة فيها من مطعم أو اكثر لتقديم تلك الوجبة المتنوعة والتي تمتاز بكونها نباتية وغير مكلفة على الاطلاق، وجدت من يحاول سرقتها وتأصيلها في التراث الحضاري اليهودي أيضاً! المحشي لم يسلم من هذه المهزلة، رغم وجوده في بعض دول الخليج بوصفات مختلفة وبأسم مستعار "ملفوف" الا انه يُحسب من وجهه نظرهم على التراث الحضاري اليهودي! والكباب والحمص الفلسطيني والتبولة اللبنانية وغيرهم الكثير.

الموضوع تجاوز حدود الوطن العربي والاسلامي أيضاُ، وتحول إلى قارات اخرى على الرغم من عدم ذكر لوجود اليهود في السجلات التاريخية الموثوقة، او ذكرهم كجماعات "جيتوهات" صغيره جداً في بعض دول اوروبا، فعلى الرغم من تمسك اليهود في ايطالياً على سبيل المثال بالتجارة الا انهم يحاولون ابراز اهمية اليهود في صناعة الثقافة الإيطالية من خلال نسب التراث الإيطالي المحض لهم كالبيتزا، وبعيداً عن الدراسات والأبحاث التي تبحث في تاريخ البيتزا الا ان انتشارها وصناعتها ايطالية من الدرجة الاولى، فنجد إصرار ومتابعه الكتابه عن البيتزا اليهودية حتى يتم خلق كذبة عن طريق ترسيخها تاريخياً من خلال كتابات مدلسه وابحاث فاسدة ومؤدلجة. فالبيتزا التي تقدم اليوم حول العالم هي تراث ايطالي ولا شك في هذا، ومع ذلك نجد دعوات تؤسس تاريخياً لسرقتها عياناً!

محشي

لماذا سرقة التراث الحضاري المادي منه والمعنوي؟

يوجد عدة اهداف لسرقة التراث، اولها هو محاولة طمس الهوية والتشكيك في نسبها بقدر الإمكان لتأسيس تاريخ للجماعة اليهودية مما يعطها مصداقية وجذور في التاريخ الإنساني، ثانيهما؛ حرب صامته الهدف منها تحقيق اكبر نصر معنوي في الداخل قبل الخارج، لمنع إرتداد الأتباع وتحقيق نصر يمكن إستخدامه في توجيه الجمهور سياسياً وإجتماعياً بتلك الحجة.

ولا تقتصر السرقة على منحى واحد، فهناك محاولات لسرقة اعمال فنية عن طريقة ترجمتها وتقديمها للمجتمع اليهودي، مثل اعمال عبدالحليم حافظ وام كلثوم والمسلسلات والأفلام المصرية القديمةّ! بل ونسب شخصيات فنية مثل عمر الشريف وداليدا للثقافة اليهودية، ولا يكون ذلك بسبب محاولة للتقارب او بمعنى أخر "للتطبيع" الشعبي، ولكنه محاولة لدمج انفسهم بداخل المجتمعات الموجودة بالشرق الأوسط على الرغم من ان ايدولوجيتهم تنظر لتلك المجتمعات باستعلاء في نفس ذات الوقت، لذا فان تلك المحاولات لن تُجدي بالنسبة لهم ما لم يتم أنتهاج منهج جديد في التعاطي مع المنطقة والابتعاد عن منطق السلب والنهب المتأصل في عقيدتهم قبل أيدولوجيتهم.

السؤال هنا؛ هل هناك ثقافة يهودية بالفعل؟

سعديا جائوون

للأسف لا، فلا يمكننا تتبع الفكر الثقافي اليهودي – حتى وان كان موجود – كنتيجة لعبث اليهود أنفسهم في ثقافتهم، والتي لا تتعدى في مجملها كتاب من القطع الصغير، لذا فكان ولابد من محاولة إثراء الثقافة لبيان وجود شعب قائم بذاته وذلك لدزاعي سياسية ظهرت مؤخراً في أخر قرنين.

موسى بن ميمون

ففي الدراسات الاسلامية نجد الشخصيات اليهودية المؤثرة عبارة عن نتاج لثقافة ناشئة من داخل الثقافة العربية والأسلامية نفسها، بل واخذت منهج الحضارة الأسلامية في التأصيل والتأسيس للثقافة والفكر اليهودي، فسعديا جاؤن هو نتاج للحضارة الأسلامية في مصر، وتأسيسه للاهوت اليهودي من داخل الثقافة الاسلامية نفسها، لذا فلا نجد اختلاف كبير في المنهجية والعرض والتأثير المعرفي بين سعدايا وعلم اللاهوت الأسلامي بشكل كبير، حتى اللغة العبرية التي كانت ان تنتهي لم يكن لها بزوغ من جديد الا من خلال محاولات موسى بن ميمون لاحياء اللغة بالأستعانة بالنحو العربي لتأسيس اللغة من جديد، وهكذا؛ فأن الثقافة اليهودية التي كتب لها الاندثار لم يُعاد احيائها من جديد الا من خلال وبمساعدة الثقافة العربية والأسلامية، ولكن الامر أخذ منحى اخر بمجرد دخول ايدولوجيات جديدة على الفكر اليهودي ادت لتعكيره وتغير أتجاهه بل وإفساده أيضاً.

موضوعات متعلقة