حكايات بين الأسلاك والخرسانة.. يوميات العمال في المهن الخطرة
قوة العزيمة.. العامل المصري في مواجهة التحديات اليومية
من قلب الخطر.. حكايات الأبطال المجهولين في مهن البناء والكهرباء
في عالم يمضي قدمًا نحو التقدم والتطور، هناك جنود مجهولون يعملون خلف الكواليس، في مهن تتطلب شجاعة وقوة بدنية فائقة، هؤلاء هم العمال الذين يعملون في المهن الخطرة، يضعون حياتهم على المحك يوميًا لإنجاز أعمال لا غنى عنها، من تسلق المرتفعات لبناء المباني الشاهقة، إلى التعامل مع المواد الكيميائية الخطرة في المصانع، إلى العمل في المناجم العميقة حيث الظلام والخطر يحيطان بهم من كل جانب.
هؤلاء العمال هم النبض الحقيقي للاقتصاد، يحملون أعباء جسيمة ويواجهون تحديات مستمرة بقلوب مليئة بالإيمان والعزيمة، ورغم المخاطر الجسيمة التي تهدد سلامتهم، إلا أن شغفهم وإخلاصهم يدفعهم للمضي قدمًا، مما يجعلهم رمزًا للتضحية والإصرار.
بين السماء والأرض في أعالي الأبراج، معلقًا في الهواء، يقضي سعيد قرابة 10 ساعات بين السماء والأرض، مستمدًا العزيمة من ترتيل آيات القرآن الكريم، الشاب الثلاثيني امتهن مهنته عن والده المتوفى منذ عشر سنوات، ويعمل بجد لدعم أسرته دون معاش أو حماية اجتماعية.
يرتبط سعيد بحبل مشدود على خصره، ويواجه المخاطر يوميًا، يتذكر حادثة كاد يفقد فيها حياته عندما انقطع الحبل أثناء تنظيف برج من 15 طابقًا، لكن تدخل موظفي إحدى الشركات أنقذه.
يومية ماسح الزجاج لا تتعدى 150 جنيهًا، ومع ارتفاع الأسعار، باتت الحياة عبئًا كبيرًا عليه، يبكي سعيد عند تذكر صديقه الذي توفي بعد سقوطه من الطابق التاسع، تاركًا خلفه أطفالًا يتامى وزوجة تكافح لتأمين احتياجاتهم.
ويسعى سعيد ومعه العديد من العمال في مهن خطرة للحصول على معاش اجتماعي ودعم حكومي، ليتمكنوا من العيش بكرامة، بعيدًا عن المخاطر التي تهدد حياتهم يوميًا.
يوميات عامل كهرباء في مواجهة الخطر
بين أسلاك كهرباء أعمدة الضغط العالي، يقف ناصر صامدًا، لا يهاب الموت، ويتعامل مع كابلات الشحنات العالية باتزان شديد، غير مبالٍ بما حدث لزملائه الذين فقدوا حياتهم أو تعرضوا لإصابات خطيرة بسبب الصعقات الكهربائية.
وفي نفس السياق تحدث ناصر محمود، الرجل الأربعيني، قضى قرابة 20 عامًا بين أعمدة الإنارة، يقول: "الكهرباء مالهاش كبير والموت قد يأتي في أي لحظة".
ويواجه ناصر مشكلة المصاريف اليومية المتفاقمة، مما اضطره للعمل نهارًا وليلًا لتلبية احتياجات أسرته المكونة من أربعة أبناء وزوجته، يقول: "بدل ما أخفف ساعات العمل علشان أقلل نسبة الخطورة أصبحت أعمل لفترة أطول وبالتالى زادت الخطورة ولكن ما باليد حيلة".
يستكمل ناصر حديثه قائلاً: "لقمة العيش بقت على جثتي". يحاول حماية نفسه أثناء التعامل مع الكهرباء بارتداء القفازات الخاصة لعزل الكهرباء عن جسده، لكنه يدرك أن القدر قد يقول كلمته في أي وقت.
ناصر يظهر كمثال حي على الشجاعة والإصرار، ويضيف: "مش مهم أعيش قد ما مهم أوفر لقمة كريمة لعيالي ولو مت أبقى ميت بطل ومكفي بيتي"، ومفك الاختبار لا يفارقه قط، يختبر عمود الضغط قبل صعوده، والأسلاك قبل لمسها، والقفازات الخاصة التي تحميه من تآكل أصابعه بسبب التيار سواء الضعيف أو العالي.
السعي وراء لقمة العيش على ارتفاعات شاهقة
عبدالعال، الرجل الخمسيني، يرتدي قبعة من القماش و"بوت" من البلاستيك، ويعمل بجد لسد احتياجات أسرته المكونة من أربعة أبناء في مراحل التعليم المختلفة، ويقضي عبدالعال قرابة 10 ساعات يوميًا في وضع قوالب الطوب على ارتفاعات شاهقة، متجاهلًا الخطر الذي يحيط به، ويقول: "شغلانتي عايزة مخ وعضلات وتركيز".
ورغم أن يوميته لا تتعدى 200 جنيه، يحرص عبدالعال على توفير المال بالاعتماد على الطعام الذي يوفره صاحب العمل. يسعى جاهدًا لتوفير حياة أفضل لأبنائه ولا يرغب في أن يتبعوا خطاه في المهنة، يقول: "عايز عيالي يبقوا أحسن مني بكتير".
عبدالعال يواجه تحديًا جديدًا في مهنة البناء مع ظهور المعدات الحديثة التي تقلل من فرص العمل في كسب المال، فالعديد من المقاولين يفضلون استخدام الآلات لرفع الأسمنت وتحضير الخرسانة، مما قلل من الحاجة إلى العمالة اليدوية، لكنه يؤمن بأن الرزق بيد الله.