الخصخصة والتدهور.. كيف أثر بيع المصانع على قطاع الغزل والنسيج؟
إغراق الأسواق بالأقمشة المستوردة.. تحدي كبير لصناعة الغزل والنسيج
ظروف قاسية وأجور زهيدة.. عمال الغزل والنسيج يواجهون تحديات يومية
ارتفاع أسعار المواد الخام يهدد بقاء مصانع الغزل والنسيج
في قلب مصر، هناك قلعتان شامختان شاهدهما الزمن، الأولى في المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، والثانية في شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية، ففي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ازدهرت هاتان القلعتان بعبق الإنتاج الغزير وحيوية العمل الدؤوب، ومضت الأيام، واستمرتا في عطاء لا ينضب حتى منتصف التسعينيات.
حينما لفهما غبار الإهمال وحجب عنهما شمس التطوير، تاركاً إياهما رهينة للتآكل والاندثار حتى اليوم، لا تزال هاتان القلعتان تنتظران لمسة إعادة الحياة، ليعود لهما بريق الزمن الجميل الذي طواه النسيان.
وأبرز ما يعاني منه العمال في مصانع الغزل والنسيج هو ظروف العمل القاسية، في بعض المصانع، يعمل العمال لساعات طويلة تمتد إلى 12 ساعة يوميًا، مقابل أجور زهيدة لا تكفي لتغطية احتياجاتهم الأساسية، كما أن بيئة العمل تكون في الغالب غير آمنة، مع غياب المعدات الوقائية الضرورية، مما يعرض العمال لخطر الإصابات والحوادث، كما أن الكثير من المصانع القديمة تعاني من تدهور البنية التحتية، وهو ما يزيد من خطورة العمل في هذه المصانع.
علاوة على ذلك، فإن العمال يواجهون مشكلة الاستغناء الجماعي عنهم، ومع تزايد الأزمات الاقتصادية، تلجأ العديد من المصانع إلى تخفيض عدد العمال بهدف تقليل النفقات، وهذا الواقع المرير أدى إلى زيادة البطالة بين عمال الغزل والنسيج، مما دفع الكثيرين منهم للبحث عن وظائف أخرى بعيدة عن مجال خبرتهم، وهو ما يزيد من معاناتهم النفسية والمادية.
ولم يقتصر الأمر على معاناة العمال فقط، بل شمل أيضًا بيع العديد من المصانع في محاولة لإنقاذ الاقتصاد، لجأت الحكومة المصرية إلى خصخصة بعض المصانع وبيعها للقطاع الخاص.
ومع بيع المصانع، ظهرت مشكلة أخرى وهي عدم التزام بعض المستثمرين الجدد بتطوير المصانع أو الحفاظ على تشغيل العمالة، والكثير من هؤلاء المستثمرين يهتمون فقط بتحقيق أرباح سريعة، دون النظر إلى الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية لهذه العمليات، وهذا ما أدى لتدهور حالة المصانع وعدم قدرتها على المنافسة في السوق، سواء محليًا أو دوليًا.
صناعة الغزل والنسيج مهددة بالإندثار
قال أسامة الحوفي، مدير جمعية مصانع الغزل والنسيج في شبرا الخيمة، أن صناعة الغزل والنسيج تواجه تحديات كبيرة تهدد استمرارها في شبرا الخيمة وعدة مناطق أخرى كانت تعتبر معاقل لهذه الصناعة الوطنية.
وأشار الحوفي إلى أن أبرز هذه التحديات هو الارتفاع الكبير وغير المعقول في أسعار المواد الخام، حيث ارتفع سعر كيلو الغزل الشعبي من 25 جنيهًا إلى 120 جنيهًا، مما يجعل تكلفة الطن تصل إلى 120 ألف جنيه، وهو ما يشكل عبئًا ماليًا كبيرًا على المصانع.
كما أن المصانع تعاني من نقص المواد الخام نتيجة إغلاق وتوقف شركات قطاع الأعمال العام التي كانت توفر هذه المواد.
وأوضح الحوفي أن هناك مواد خام أخرى تستخدم في الصناعة قد ارتفعت أسعارها أيضًا بشكل ملحوظ، حيث كانت تباع بـ 10 جنيهات وأصبحت الآن بـ 50 و100 جنيه. بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الكهرباء والغاز والمياه، مما يزيد من التكاليف التشغيلية للمصانع.
ونوه الحوفي إلى أن العديد من عمال الغزل والنسيج قد تركوا المهنة واتجهوا للعمل كسائقين حيث يحصلون على دخل أعلى يصل إلى 500 جنيه يوميًا، مقارنة بـ 300 جنيه في المصانع، كما أشار إلى مشكلات ركود السوق وضعف حركة البيع والشراء، بالإضافة إلى التحديات التي تواجهها المصانع مع الجهات الحكومية مثل الضرائب والتأمينات ومكاتب العمل، وتهريب البضائع من الجمارك وإدخالها إلى الأسواق المحلية.
وكشف الحوفي أن 70% من المصانع في منطقة شبرا الخيمة قد أغلقت، وانخفض عدد المصانع من 1000 مصنع إلى 300 مصنع فقط. وأوضح أن أصحاب المصانع يقومون بتكسير الآلات وبيعها خردة ثم بيع الأراضي لأي مشتري.
وأوضح أن المصانع المتبقية تقتصر على تحويل الغزل إلى قماش فقط، بعدما كانت تقوم بتصنيع الملابس الجاهزة، وأضاف أن المصانع تتعاقد مع شركات أخرى لتحويل الغزل إلى قماش، ثم تقوم هذه الشركات بتصنيع المنتجات وتسويقها.
وحذر الحوفي من أن المصانع المتبقية مهددة بالإغلاق إذا لم تتوافر المواد الخام بأسعار مناسبة ويتم حل المشاكل التي تواجهها.
وأكد على ضرورة تقديم معاملة خاصة للمصانع في أسعار الكهرباء والغاز، ومنع تهريب البضائع بمصادرتها من الأسواق، حتى يعود السوق المحلي للعمل مرة أخرى.
الأقمشة المستوردة السبب في أزمة الغزل والنسيج
وفي سياق متصل قال محمود خليل، صاحب مصنع لتجارة الغزل والنسيج بشبرا الخيمة، إن صناعة الغزل والنسيج تواجه تحديات عديدة في الفترة الحالية.
وأوضح "خليل" أن من أبرز هذه التحديات ارتفاع أسعار الطاقة، وخاصة الكهرباء التي تعتمد عليها المصانع بشكل أساسي، وهناك نقص في العمالة المدربة والمؤهلة، حيث اتجه العديد من العمال للعمل كسائقين أو في مهن أخرى خلال السنوات الأخيرة.
وأشار إلى أن إغراق الأسواق بالأقمشة المستوردة يشكل واحدة من أكبر المشكلات التي يعاني منها القطاع، حيث أن الأقمشة المستوردة تكون أقل تكلفة وقد تكون ذات جودة أعلى مقارنةً بالإنتاج المحلي.
نهيك عن المعدات الموجودة في مصانع الدول المستوردة مثل الصين أحدث بكثير من المعدات الموجودة في المصانع المصرية التي لازالت تعمل بمعدات من عقود ماضية، كما أن تكلفة الطاقة هناك أقل مما يجعل المنتجات المستوردة أكثر جذبًا للتجار.
وأضاف علي أن كل مرة يحدث فيها تعويم للجنيه أو رفع لأسعار الطاقة تزيد الأسعار بشكل كبير، حيث أن طن الغزل كان يُباع في 2019 قبل جائحة كورونا بـ 18 ألف جنيه، ووصل الآن إلى 76 ألف جنيه، مما يفرض أعباءً إضافية على المصانع بسبب التكاليف المتزايدة وعدم توافر العمالة المدربة.
وطالب الحكومة بضرورة دعم قطاع الغزل والنسيج قبل أن يصبح الوضع غير قابل للإصلاح، خاصة في ما يتعلق بأسعار الطاقة، ومراقبة الأسواق لمنع إغراقها بالبضائع المستوردة.
كما شدد على أهمية وضع ضوابط على استيراد الأقمشة من الخارج، وحماية المصانع المحلية من الإغلاق، بالإضافة للعمل على النهوض بصناعة الغزل والنسيج من خلال الحفاظ على المصانع القائمة ودعم تكاليف الطاقة.
مطالب بفتح المصانع المغلقة
طالب النائب سيد حجازي، عضو مجلس الشيوخ وعضو لجنة حقوق الإنسان، بإعادة فتح المصانع المغلقة وغير المستغلة في شبرا الخيمة.
وأشار حجازي إلى أن هناك مصانع كبيرة للغزل والنسيج تواجه معوقات في العمل وتوقفت عن الإنتاج، موضحًا أنه لو تم تشغيل هذه المصانع بنصف طاقتها الإنتاجية، ستتمكن من توفير العديد من فرص العمل للشباب.
وأكد عضو مجلس الشيوخ أن هذا الحل يعتبر واحدًا من الحلول الأساسية للنهوض بالصناعة القومية، وطالب بضرورة حصر جميع المصانع المتوقفة على مستوى الجمهورية، وتقسيمها إلى مراحل وعرض خطة لتطويرها.
مشيرًا إلى أن نجاح هذه الصناعة يمثل دفعة قوية للدولة في مواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة.