بعد سنوات من الانتظار.. النهار تنشر ملامح أول مشروع قانون للمسؤولية الطبية في تاريخ مصر
بعد سنوات طويلة من الانتظار والمناقشات المكثفة بين الجهات التشريعية والقطاع الطبي، يقترب مشروع قانون المسؤولية الطبية من الطرح للنقاش داخل أروقة مجلس النواب، ليكون بمثابة الإطار التشريعي الذي طالما طالب به الأطباء والمرضى على حد سواء، حيث يهدف القانون إلى وضع قواعد واضحة وعادلة تحدد المسؤوليات الطبية وتُفرق بين الأخطاء المهنية الطبيعية والحالات التي تستوجب التعويض أو المحاسبة، بعيدًا عن القوانين الجنائية التي لطالما أثارت مخاوف العاملين في القطاع الصحي.
القانون المنتظر يعد بمثابة خطوة نوعية نحو تحقيق العدالة، إذ يعالج أزمة نقص التشريعات التي تحمي حقوق الأطباء وتضمن حقوق المرضى، من خلال إنشاء لجان فنية متخصصة لفحص الشكاوى الطبية، وتقديم تقييم علمي محايد لكل حالة، بالإضافة إلى أنه يسعى إلى تقليل النزاعات التي تؤدي إلى لجوء المرضى للقضاء، ويدعم خلق بيئة آمنة لممارسة المهنة الطبية دون ضغوط قانونية غير مبررة.
هذه الخطوة تأتي في إطار حرص الحكومة على تحسين بيئة العمل في المجال الطبي، والحد من هجرة الكفاءات المصرية للخارج، فضلاً عن تعزيز ثقة المجتمع في النظام الصحي ككل، ما يجعل مشروع القانون ليس مجرد تشريع جديد، بل بداية لفصل جديد في علاقة الطبيب بالمريض والنظام الصحي بالدولة.
وتنشر جريدة النهار مشروع قانون المسؤولية الطبية، والذي سيتم تقديمه إلى مجلس النواب، من أجل مناقشته، والذي من المنتظر أن يمر خلال الفترة المقبلة بمراحل مختلفة من الموافقة الرسمية إلى الحوار المجتمعي إلى مجلس النواب الذي سيركز بلجانه المختلفة على مناقشات القوانين وقد يدخل تعديلات عليه وصولًا إلى المرحلة الأخيرة باستصداره من رئيس الجمهورية.
تعديلات مبدئية على مشروع قانون المسؤولية الطبية
بداية، ألزم مشروع القانون جميع ممارسي المهن الطبية والمنشآت المحددة بالقانون المرافق بالاشتراك في الصندوق المنشأ وفقًا لأحكام هذا القانون، وذلك خلال مدة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ إصدار القرار الخاص بالنظام الأساسي للصندوق، حيث يجوز لمجلس الوزراء، بناءً على عرض الوزير المختص بشؤون الصحة، مدّ هذه المهلة لمدة أو مدد إضافية لا تتجاوز إجمالاً سنتين.
يُلزم القانون كل من يزاول إحدى المهن الطبية داخل الدولة بالقيام بواجباته المهنية بأمانة ودقة، مع الالتزام ببذل العناية التي تقتضيها الحالة الصحية للمرضى، ويشمل ذلك الحفاظ على سلامتهم وحمايتهم، وفقًا للأصول والمعايير الوطنية والدولية للممارسات الطبية الآمنة.
تُرتب المسؤولية الطبية على كل خطأ طبي ينتج عن تقديم الخدمة الطبية ويسبب ضررًا للمرضى،ولا يجوز إعفاء مقدم الخدمة أو تخفيف مسؤوليته مسبقًا قبل وقوع الضرر، ويُعد باطلًا كل اتفاق ينص على ذلك، ويكون مقدم الخدمة والمنشأة الطبية مسؤولين بالتضامن عن الأضرار الناجمة عن الأخطاء الطبية.
حالات تنفي المسؤولية الطبية
وأفاد مشروع القانون أنه هناك بعض الحالات تنتفي المسؤولية الطبية، خاصة إذا كان الضرر الذي وقع على المريض أحد الآثار أو المضاعفات الطبية المعروفة والمتفق عليها علميًا في الممارسة الطبية، إذا اتبع مقدم الخدمة أسلوبًا طبيًا مختلفًا ضمن نفس التخصص، بشرط أن يكون الأسلوب متفقًا مع الأصول العلمية، إذا تسبب المريض نفسه بالضرر، سواء برفض العلاج أو بعدم الالتزام بالتعليمات الطبية الموجهة له.
كما يُلزم القانون مقدمي الخدمة والمنشآت الطبية باتباع عدة قواعد، من بينها الالتزام بالأصول العلمية الثابتة وتطبيق القواعد المهنية أثناء تقديم الخدمات الطبية، تسجيل الحالة الطبية للمريض بالتفصيل، بما في ذلك السيرة المرضية الشخصية والعائلية قبل التشخيص أو العلاج، استخدام الأدوات والأجهزة الطبية المناسبة والصالحة للاستخدام بما يتماشى مع حالة المريض.
ضوابط إجراء العمليات الجراحية والخروج من المنشآت الطبية
وتطرق مشروع القانون إلى ضوابط إجراء العمليات الجراحية والخروج من المنشآت الطبية، مشيرًا إلى أنه يشترط ا لضمان سلامة المرضى اتخاذ مجموعة من الإجراءات قبل إجراء العمليات الجراحية، مع استثناء الحالات الطارئة التي تستلزم تدخلًا جراحيًا فوريًا لإنقاذ حياة المريض أو تجنب مضاعفات خطيرة.
وجاء من أبرز الضوابط، من بينها تأهيل الطبيب، حيث يجب أن يكون الطبيب المؤهل لإجراء العملية متخصصًا ومعتمدًا من المجلس الصحي المصري، بالإضافة إلى إجراء الفحوصات اللازمة، حيث يُلزم التحقق من ضرورة التدخل الجراحي والتأكد من ملاءمة الحالة الصحية للمريض للعملية، والحصول على الموافقة المستنيرة، حيث يُشترط الحصول على موافقة خطية من المريض، وفي حال تعذر ذلك يتم الاكتفاء بتقرير طبي معتمد من فريق طبي مختص، مع تجهيز المنشآت، حيث يجب أن تُجرى العمليات الجراحية في منشآت مجهزة وفقًا للضوابط المحددة، على أن يحق للمريض مغادرة المنشأة إذا كانت حالته الصحية تسمح بذلك بناءً على تقرير مكتوب من الطبيب المعالج. وفي حال رفض المريض توصيات الطبيب واستكمال العلاج، يُشترط توقيع المريض على إقرار يوضح مسؤوليته عن قراره بالمغادرة.
إنشاء اللجنة العليا للمسؤولية الطبية
وأشار مشروع القانون إلى إنشاء اللجنة العليا للمسؤولية الطبية لضمان تحقيق العدالة وحماية حقوق المرضى والأطباء، وتتبع رئاسة مجلس الوزراء، على أن تختص اللجنة العليا للمسؤولية الطبية بالنظر في الشكاوى المقدمة ضد مقدمي الخدمة الطبية فيما يتعلق بالأخطاء الطبية.
كما تقوم اللجنة باعتماد التقارير الصادرة عن اللجان الفرعية المختصة بفحص هذه الشكاوى، بالإضافة إلى الموافقة على التسويات الودية التي قد تنتهي إليها تلك اللجان، وفي حالة وجود شبهة جنائية أو مخالفة تأديبية، تقوم اللجنة بإحالة التقارير المعتمدة إلى الجهات المختصة أو النقابات المعنية.
كما تُعنى اللجنة العليا بمراجعة التظلمات المقدمة ضد التقارير الصادرة عن اللجان الفرعية، فضلاً عن إنشاء قاعدة بيانات تضم الأخطاء الطبية، بالتعاون مع النقابات والجهات المعنية، وتعمل اللجنة أيضًا على التنسيق مع هذه الجهات لإصدار أدلة إرشادية بشأن حقوق متلقي الخدمة الطبية ومتابعة تطبيقها على أرض الواقع.
أما بالنسبة للأمانة الفنية للجنة، فتتكون من أمين عام متفرغ من ذوي الخبرة والكفاءة في المجال الطبي، بالإضافة إلى عدد من الأعضاء من التخصصات الطبية والقانونية والإدارية لضمان سير العمل بكفاءة وفعالية.
يتم بموجب مشروع قانون المسؤولية الطبية إنشاء صندوق تأمين حكومي لتغطية الأضرار الناتجة عن الأخطاء الطبية، يتم تمويله من خلال مساهمات مقدمي الخدمة الطبية أو عبر شركات التأمين، ويشرف عليه الهيئة العامة للرقابة المالية لضمان الشفافية في التوزيع.
معايير لتعويض حالات الوفاة والإصابات الناتجة عن الأخطاء الطبية
يتضمن القانون وضع معايير لتعويض حالات الوفاة والإصابات الناتجة عن الأخطاء الطبية، ويحدد المسؤولية القانونية للأطباء والمنشآت الطبية في حال وقوع أخطاء،كما يضمن إشراف الهيئة على تنفيذ الأحكام لضمان التزام الجميع بالقوانين والشروط الخاصة بالتأمين الطبي.
ينص المشروع على أنه لا يجوز لأي شخص تجاوز سن الستين أن يمارس المهن الطبية أو تقديم الخدمات الصحية في حال كان متورطًا في قضية جنائية أو لم يلتزم بالإجراءات الصحية اللازمة لأداء عمله بشكل سليم.
كما يشترط أن تكون حالة الشخص الصحية، سواء كانت جسدية أو نفسية، ملائمة للعمل في المهن الطبية، فلا يجوز لأي شخص أن يزاول المهنة إذا كانت حالته الصحية تؤثر على قدرته على تقديم الخدمة بكفاءة، ويتم التحقق من ذلك من خلال فحوصات طبية مسبقة.
ويشدد المشروع على أنه لا يجوز لأي شخص ممارسة المهنة إذا كان يعاني من مشاكل صحية تؤثر بشكل واضح على أدائه في العمل الطبي، أو إذا لم يلتزم بالإجراءات الصحية التي تضمن تقديم الخدمة بشكل صحيح وآمن.