الكنائس في غزة: شهادات على معاناة وطن تحت الحصار والنار
آلة الحرب الإسرائيلية لم تفرق فى قسوتها بين شيئ وشيئ، فقد اعتدى المحتل على أهل فلسطين بنسيجيها الوطني المؤلف من مسلمين ومسيحيين، وسقط الشهداء واحدًا تلو الأخر، حتى روت دمائهم الأرض، وكانت خير مثال على قدسية تلك الأرض الطاهرة.
فلسطين تلك البقعة الساحرة من أرض الله، مهد المسيح عليه السلام، والتى بها كنيسة القيامة، وهي أهم كنيسة في العالم المسيحي، شهدت أحداثًا مؤسفة دفع فيها المسيحيين من دمائهم، وقدموا شهداءً فداء للوطن، على مدار أكثر من عام.
تسلط جريدة "النهار المصرية" الضوء على معاناة الكنيسة الفلسطينية فى خضم الحرب الدائرة على القطاع قبل أكثر من عام.
اغتيال أم وابنتها ..
فى مطلع نوفمبر العام الماضي نفذت الطائرات الإسرائيلية غارة على محيط كنيسة العائلة المقدسة للاتين، أثناء إقامة صلاة للمدنيين داخل الكنيسة، مما أدى إلى حالة من الذعر بين المصلين، تلك الكنيسة التى تعد الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة في مدينة غزة، حيث تخدم حوالي 130 شخصاً وتدير مدرستين ابتدائيتين، وفي 16 ديسمبر 2023 استشهدت أم وابنتها برصاص قناص إسرائيلي، حيث قُتلت الأبنة أثناء محاولتها انقاذ والدتها المسنة التي أصيبت برصاص القناص الإسرائيلي.
استهداف أقدم كنيسة ..
لم يتوقف الأمر على ما سبق، ولكن تعرضت الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية التاريخية (كنيسة القديس برفيريوس) للقصف، وهي تُعتبر الأقدم في غزة وتقع على بعد نحو 400 متر من كنيسة اللاتين. الهجوم وقع في 19 أكتوبر العام الماضي، وأسفر عن استشهاد 18 شخصاً، من بينهم عشرة أفراد من عائلة واحدة، كما أسفر القصف عن انهيار الملحق الخاص بالكنيسة الذي يحتوي على مكاتب ومساحات للاجتماعات.
مجزرة "المعمداني" ...
تعرضت الكنيسة المعمدانية المجاورة للمستشفى المعمداني، المعروف أيضاً باسم المستشفى الأهلي العربي، لأضرار جسيمة نتيجة القصف الإسرائيلي الذي استهدف المستشفى ليلة 17 أكتوبر 2022، وأسفر هذا الهجوم عن سقوط مئات الضحايا من الشهداء والجرحى، ويُعتبر من أفظع المجازر التي ارتكبت بحق المدنيين خلال الحرب الأخيرة على غزة.
تأسست تلك الكنيسة، المكونة من ستة طوابق، في خمسينيات القرن الماضي، وفي عام 2006 افتتحت أول مكتبة تقدم كتباً للمسيحيين وغيرهم في غزة، تعرضت الكنيسة لأضرار عدة خلال الحروب السابقة التي شنتها إسرائيل على القطاع.
1000 مسيحي ...
الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أدت إلى أنخفاض عدد المسيحيين في قطاع غزة بشكل كبير، حيث كان عددهم 3000 شخص مسجلين في عام 2007، ليصل الآن إلى نحو ألف فلسطيني مسيحي فقط، يتبع حوالي 70% من هؤلاء المسيحيين طائفة الروم الأرثوذكس، بينما ينتمي الباقون لطائفة اللاتين الكاثوليك، يعمل معظمهم في مجالات التعليم والطب والقانون، ويعيشون بشكل رئيسي في غرب ووسط مدينة غزة.
كنيسة بورفيريوس ...
كنيسة القديس بورفيريوس للروم الأرثوذكس في غزة، تعرضت هى الأخرى للقصف، وهى كنيسة تعود ملكيتها إلى البطريركية الأرثوذكسية في القدس، التي أكدت في بيان لها تصميمها على مواصلة واجبها الديني والأخلاقي في تقديم المساعدة والدعم والمأوى للأشخاص المحتاجين، رغم الضغوط الإسرائيلية المستمرة لإخلاء هذه المؤسسات من المدنيين.
أشارت البطريركية إلى أن استهداف الكنائس والمؤسسات التابعة لها، بالإضافة إلى الملاجئ التي تقدمها لحماية المدنيين، خصوصاً الأطفال والنساء الذين فقدوا منازلهم جراء القصف الإسرائيلي، يُعتبر جريمة حرب لا يمكن تجاهلها.
دماء على أرض الوطن ..
"منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023، يواجه المسيحيون في غزة ظروفًا مأساوية نتيجة الغارات الجوية المستمرة والأزمة الإنسانية المتفاقمة"، هذا ما قاله مصدر مسؤل في اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس في فلسطين، وتابع كان عدد المسيحيين قبل الحرب حوالي 1000 شخص، ولكنه انخفض إلى نحو 650 شخصًا بسبب الهجرة المستمرة، حيث يسعى الكثيرون للبحث عن الأمان خارج القطاع.
وأضاف المصدر الذي فضل عدم ذكر أسمه في تصريحات لـ"النهار"، أن التقديرات تشير إلى أن عدد الشهداء المسيحيين منذ بداية الحرب بلغ 22 شهيدًا، من بين هؤلاء، قُتل 17 شخصًا جراء الغارة على كنيسة القديس برفيريوس، بينما توفيت امرأة وابنتها في قصف الكنيسة اللاتينية، كما يُقدَّر عدد الجرحى المسيحيين بنحو 30 جريحًا نتيجة الغارات الجوية ونقص الرعاية الطبية.
وأكد المصدر، أن الكنائس في غزة تعمل كمراكز لإيواء النازحين وتقديم الدعم الإنساني، حيث تقدم المساعدات الغذائية والطبية لمئات العائلات التي تعاني من نقص حاد في الاحتياجات الأساسية، ومع استمرار الحرب، تزداد المخاوف من مغادرة المزيد من المسيحيين القطاع، مما يهدد بتقليص الوجود المسيحي في غزة بشكل كبير.
ضغوط ما قبل الحرب ...
يقول الباحث حنا عميرة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير سابقا، أن الضغط على دور العبادة الإسلامية والمسيحية هي سياسة اسرائيلية رسمية يحد منها بصورة بسيطة علاقات إسرائيل الدولية، لا سيما مع الدول الغربية، ومع اعتبار تطبيع علاقاتها مع بعض الدول الإسلامية المهمة.
وتابع "حنا" والذي شغل سابقًا منصب رئيس اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس في فلسطين، أن من أهم مظاهر الضغوط على أماكن العبادة المسيحية هى فرض الحصار على مدينة القدس، ومن بينها التعنت فى السماح للمواطنين بالوصول إلى كنيسة القيامة في يوم الاحتفال بعيد القيامة وسبت النور، ويضاف إلى ذلك كل أشكال الاعتداءات الممنهجة التى ينفذها المتدينين اليهود على رجال الدين المسيحيين، وقدمت العديد من الشكاوى إلى الشرطة الاسرائيلية لكن دون فائدة.
ومن بين اجراءات التمييز والتعنت أيضًا فرض ملايين الدولارات من الضرائب على الأديرة والكنائس مما أدى برؤساء الكنائس إلى قرار اغلاق كنيسة القيامة في القدس وهي أهم كنيسة مسيحية احتجاجاً على فرض الضرائب، بالإضافة إلى رفض إسرائيل الوصول إلى أى تفاهم أو اتفاق مع الفاتيكان حول تنظيم العلاقات بينهما؛ لأسباب عدة من بينها موضوع فرض الضرائب على الكنائس، وكذلك الإصرار على انتزاع اعتراف من الفاتيكان بالقدس عاصمة لاسرائيل، وهو الأمر الذي يرفضه الفاتيكان.