الدورة الثامنة للشعر.. عقدت تحت عنوان «الجليل والجميل والقبيح فى قصيدة النثر المصرية»
اختتمت فعاليات الدورة الثامنة لمؤتمر قصيدة النثر المصرية، برئاسة الشاعر عادل جلال، الخميس، والتى استضافتها مؤسسة «الدستور» للصحافة والنشر فى مقرها، على مدار ٣ أيام متواصلة، هى ١٧ و١٨ و١٩ سبتمبر الجارى.
وشهدت الدورة التى عقدت تحت عنوان «الجليل والجميل والقبيح فى قصيدة النثر المصرية» زخمًا وتفاعلًا كبيرًا، سواء على مستوى الشعراء المشاركين، أو على مستوى الفعاليات، إلى جانب إصدار الجزء السادس من «أنطولوجيا قصيدة النثر المصرية»، الذى ضم قصائد لأكثر من ٣٠ شاعرًا مصريًا من أجيال مختلفة.
الوسط الشعرى يحتفى باستضافة المؤسسة: «أدت دورًا ثقافيًا رائدًا»
حققت استضافة «الدستور» المؤتمر حالة ترحيب كبيرة فى الأوساط الثقافية خاصة بعد محاولة مُنظميه عقده فى بيت السنارى الأثرى التابع لمكتبة الإسكندرية، لكنهم فوجئوا بعد الاتفاق مع إدارة المكان بحالة من التسويف انتهت بالاعتذار عن عدم استضافة الحدث، الذى سبق وعقدت عدة دورات سابقة له فى بيت السنارى.
وفى بادرة طيبة وفى إطار الدور الثقافى الذى تضطلع به «الدستور»، رحب الكاتب الصحفى الدكتور محمد الباز، رئيس مجلسى إدارة وتحرير المؤسسة، باستضافة المؤتمر، الأمر الذى قوبل باستحسان كبير من الوسط الثقافى.
وثمن الشاعر الكبير جمال القصاص موقف الدكتور الباز و«الدستور»، وقال فى منشور له على «فيسبوك»: «أحيى صحيفة (الدستور) ورئيس تحريرها الأستاذ محمد الباز، على موقفها النبيل واستضافة المؤتمر بمحبة ورحابة، ووعى بدور الإبداع فى تكوين الهوية الوطنية».
من جهته، ثمّن الشاعر إبراهيم جمال الدين موقف المؤسسة، قائلًا: «استطاعت جريدة الدستور أن تؤدى دورًا ثقافيًا فاعلًا وحيويًا فى الحركة الثقافية المصرية، تنصلت من القيام به المؤسسات الثقافية الكبرى والمنوط بها استضافة ورعاية مثل هذه الفعاليات، خاصة أن المؤتمر قائم بالكامل بالجهود الذاتية، ولم نكن سنكلف أيًا من هذه المؤسسات سوى توفير المكان الذى ستعقد فيه الفعاليات».
ندوة «قليل من المحبة»: محمد فريد أبوسعدة حلقة متصلة بالروح
تضمن اليوم الأول من فعاليات المؤتمر احتفالية تحت عنوان «قليل من المحبة»، شهدت احتفاءً خاصًا بالشاعر الكبير محمد فريد أبوسعدة، الذى منعته ظروفه الصحية من المشاركة بالحضور الجسدى، وإن كان حاضرًا بروحه وشعره.
هذه الحالة عبر عنها الشاعر جمال القصاص، خلال الاحتفاء بـ«أبوسعدة»، قائلًا: «كنت أتمنى وجود صديقى الشاعر محمد فريد بيننا، يملأ هذه الحجرة ببسمته الطفلة الرنانة، لكنه مع ذلك حاضر بشعره المتميز الذى يؤكد أن ما يخصه ليس فقط الشعر، إنما فيما يخص الحياة، وأقول له أنت فى القلب وستظل معنا».
وقال «القصاص»: «فريد أبوسعدة حلقة متصلة بالروح ويجب أن أشعر بالرضا وأنا أكتب هذه الكلمات عنه، لكننى مع ذلك أشعر بنوع من الرهبة كأننى مقبل على جلسة أعترف فيها بمحبة الشعر».
وأكمل: «أن تقول نعم لفريد أبوسعدة، معنى ذلك أن ترتضى الحياة فى دورتها الاعتيادية الأليفة، وأن تقول لا لتكسر القواعد، وترش قليلًا من الملح فوق الرموز والدلالات وربما تقفز فى الماضى، هنا الشعر، هنا حريتى، معنى أن أكون أو لا أكون، هنا السفر إلى منابع الأنهار وأشياء أخرى، حين تعلق الحياة صلواتها فى شكل أمنية أو قصيدة أو دمعة لم تبلغ سن الرشد، وهو ما أسميه الوقوف بين التخوم».
وبيّن أن فريد أبوسعدة فى بدايته كان مشدودًا إلى شعرية الستينيات بما لها وما عليها، والتى يغلب عليها أساسًا الشعرية المنسوبة إلى الموضوع، أيًا كان سياقه اجتماعيًا أو سياسيًا أو إنسانيًا، ومهمة هذه الشعرية فى أغلبها كانت تنصب على التعبير عن الموضوع بمنطق الواقع، وليس بمنطق الشعر، بينما غادر فريد أبوسعدة هذه المرحلة وانطلق إلى الشعرية الجديدة.
احتفاء بتجربة جمال القصاص: متعدد الأساليب الشعرية وصانع للجمال
شهد اليوم الثانى من المؤتمر احتفالية خاصة بالشاعر جمال القصاص، وحاضر خلالها الشاعران خالد حسان وأسامة حداد.
وقال أسامة الحداد خلال كلمته إن جمال القصاص شاعر متعدد، يحقق ما ذهب إليه الدكتور صلاح فضل فى كتابة «الأساليب الشعرية المعاصرة»، أنه متعدد الأساليب وهو يحققها بسهولة وسلاسة تامة.
وأضاف: «كنت قد عدت للشعر بعد انقطاع، وبدأت النشر وفاجأنى جمال القصاص فى ديوانى الثانى (أن تكون شبحًا)، بنشر دراسة جادة وجمالية ومهمة عن هذا الديوان، وفى ذلك الوقت لم تكن العلاقة بينى وبينه وطيدة فقد تعارفنا لكن العلاقة ظلت بسيطة».
وأكمل: «هو الشاعر الأكثر جدية فى جيله منذ أكثر من ٥٠ سنة، وهو مخلص للشعر والساعى إلى التكريس ليس لقصيدته وحدها لكن للنصوص التى تروق له من الأجيال التالية التى أثر فيها بقوة ولا يمكن أن ننكر دوره فى ذلك».
وواصل: «كان حلمى سالم رغم أهميته جسرًا بين مرحلتين، لكن عفيفى مطر طوفان هائل، كان أدونيس بذهنيته وسؤال الآخر فى الشعر لا ينسجم مع الذات الساعية للجمال، لكن جمال القصاص كان القادر على اكتشاف الجمال وتقديمه بتلقائية وسلاسة».
واختتم بقوله: «الحقيقة أننا يجب أن نحتفى به أكثر من ذلك، الكثير من الشعراء يضعون وديع سعادة اللبنانى أو رياض الصلح كآباء شعريين، لكن (القصاص) هو أب شعرى لكل شاعر مصرى فى الأجيال التالية».
بدوره، قال الشاعر خالد حسان إن النقد بكل مدارسه النقدية ومحاولاته، يقف عاجزًا أمام الحالة الإبداعية التى صنعها ولا يزال شاعرنا جمال القصاص، فدائمًا الإبداع يسبق ويعلو على النقد.
وأضاف: «كتابات جمال القصاص تبقى ساحرة ومدهشة، ما الذى تقوله اللغوية الروسية من التأكيدات اللغوية والتعقيدات اللغوية وما وراء اللغوية والنقد الثقافى، فكيف يفسر النقد دهشتى كقارئ للشعر من قصيدة مثل (قبلتك فى شارع النبى دنيال)، ما هذه البداية والنهاية، قصيدة مدهشة والخيال والوعى واللا وعى رائع، وهذا التكنيك أصيل فى شعر جمال القصاص، وهذا يدفع القارئ لإعادة القراءة مرة أخرى، أيضًا كما حدث لى عندما سافرت للإسكندرية بعدها وذهبت لشارع النبى دنيال، وحينها ظللت أربط بين النص والشارع وكانت هذه هى البداية».
فى السياق ذاته، ألقى الناقد مجدى نصار محاضرة عن تجليات الذات الشاعرة فى قصيدة النثر، قائلًا: «يصبح الشعر علاقة بين الذات والعالم من خلال تجربة شعورية تمثلها الصور الشعرية».
وأوضح: «تمَثَّل حضور الذات الشاعرة فى القصيدة عبر تاريخ الشعر الطويل فى صور ثلاث: الأولى شخصية تتمركز فيها الذات الشاعرة داخل دائرة محيطها العالم، والثانية شخصانية تحل فيها الذات بديلًا عن العالم، والثالثة لا شخصية تتلاشى فيها الذات فى العالم».
وأكمل: «يتضح من توصيفات الصور الثلاث أن الحضور الشخصى للذات قد يتسق مع الشعرية الحديثة أكثر من الحضورين الآخرين: الشخصانى واللا شخصى، لأن الشاعر فى التجربة الشخصانية يتعامل وكأنه الإله القديم أو الكاهن القديم، وفى اللا شخصية ينفى ذاته بحس صوفى فلا يسمح غالبًا لذات المتلقى أن تُعايش التجربة الشعرية بصدق تام أو تتماهى معها. بينما الحضور الشخصى للذات كما نرى سيجعل التجربة واسعة لتشمل أكبر عدد من المتلقين، وتنتج عددًا لا نهائيًا من الدلالات وتسمح للمتلقى بأن يسحب التجربة الشعرية على تجربته الحياتية».
صفاء النجار: دور الناقد تقريب نصوص التجريب والابتكار إلى المتلقى
تضمن اليوم الثالث والأخير للمؤتمر ندوة نقدية أدارتها الأديبة والإعلامية الدكتورة صفاء النجار، ثمنت خلالها جهود القائمين على المؤتمر وعبّرت عن سعادتها بانعقاده.
وقالت: «سعيدة بوجودى بين جيل جديد من الشعراء والأصوات الشعرية الجديدة، والاستماع إلى جيل جديد من النقاد»، مضيفة: «الإبداع يقوم على شقين المبدع بإبداعه والناقد الذى يقرب إبداعه إلى المتلقى، ومن دون وجود ناقد حقيقى لا يوجد أدب، ولكان الأدب قاصرًا على من يكتبونه، فالناقد الأدبى دوره تقريب النصوص للمتلقى، خاصة النصوص التى تتسم بالتجريب والابتكار، وتطرح رؤى جديدة للعالم».
كما قدم الناقد الدكتور إبراهيم أردش، دراسة نقدية بعنوان «البحث عن راحة الذات المتعبة من الأفكار فى قصيدة النثر»، تناول خلالها ديوان الشاعر أحمد الشهاوى، «ما أنا فيه»، لافتًا إلى أن «الشهاوى» يكنى أكثر مما يصرح، ويلغز أكثر مما يبوح، والمجاز عنده يطغى على الحقيقة.
وفى كلمتها، قالت الباحثة هبة شرف الدين، إن ثمة ظاهرة فنية مرتبطة بالبُعد السردى تتجلى فى سياق قصيدة النثر المعاصرة، مفادها أن يأتى مطلع القصيدة كأنه إجابة عن سؤال محذوف؛ تقديره ما هو أو ما هى؟ ثم يتشكل موضوع القصيدة بوصفها إجابة عن هذا السؤال الماهوى.
وأضافت: «كل سؤال عن ما هو الشىء تكون الإجابة عنه بماهية الشىء، عبر توصيف طبيعته، وتبيان خصوصيته وما يؤهله للفرادة؛ لأن ماهية الشىء هى ما لا تصدق إلا على شىء واحد، وتميزه عن سواه، وتعد أصله ومركزه ودونها لا يقوم الشىء، وانطلاقًا من هذه النقطة بدا اتجاه الكتابة نحو التعريف بماهية الأشياء عبر سردها شعرًا».
وبينت أن سرديات الماهية تُعدُّ منطلقًا بحثيًا مهمًا؛ من أجل معرفة مدى صلة قصيدة النثر بالهرمانيوطيقا، خاصة أن الشعر ذو صلة أكبر بالأنظمة التأملية، التى هى مبتدأ التأويل، وهذا يسهم فى تبيان مدى قدرة القصيدة على تشكيل المفاهيم والتحاور مع أبعادها؛ وكذلك يسهم فى الوقوف على القيم المعرفية، وفى هذا تكمن أهمية هذا المسار النقدى.
مروة نبيل: النثر لغة اليوم الذكية
لم تقتصر المشاركة فى فعاليات المؤتمر على الشعراء فقط، بل شارك بالحضور العديد من وجوه الثقافة المصرية، مثل الروائى محمد على إبراهيم، والقاص أحمد حلمى، والناقد مجدى نصار، والكاتبة والقاصة رشا عبادة، والإعلامى هشام محمود، والقاص الناقد هانى منسى، والناقد سامح وهيب.
كما شهدت الأمسيات الشعرية التى أقيمت ضمن فعاليات المؤتمر بجانب الجلسات البحثية، مشاركات عديدة لأبرز وجوه الشعر فى مصر، على رأسهم الشاعر جمال القصاص، وأحمد الجعفرى، ووليد ثابت، وأحمد المريخى، وأسامة بدر، وإبراهيم عبدالفتاح، وأحمد سلامة الرشيدى، وأحمد عبدالعظيم، وأدهم مطير، وأشرف عويس، ورنا سمير، وسيد العديسى، ونهال النجار، وزينب السيد، وغيرهم.
ورغم عدم تمكنها من المشاركة فى فعاليات المؤتمر، رأت الشاعرة الدكتورة مروة نبيل، أن المؤتمر منذ عدة سنوات يهتم بالشعراء والنقاد والمهتمين بقصيدة النثر، وهو عبارة عن تظاهرة شعرية، وأعرب عن انحيازه لقصيدة النثر تاركًا الجدل الدائر حولها، الذى يصل إلى حد التشكيك فى أهميتها وقيمتها وأصالتها، ومصدقًا بأنها تُمثل لغة اليوم الذكية، متعددة الأبعاد، التى تُهندِس صخب العالم وتراعى تشوشه واضطرابه، ما سمح بإصدار نسخ متصاعدة الجودة من المؤتمر، ونجح المؤتمر، ولم يزل، فى تحقيق أهدافه المفترضة».
وليد ثابت: أتمنى ألف حراك ومؤتمر ومنتدى شبيه
قال الشاعر وليد ثابت إن المؤتمر جعل لكائن الشعر العنيد معرفة وماهية، مضيفًا: «ونحن طوال الطريق تواجهنا مسارات التجربة، ومسارات القيام والسقوط العنيفة، التى غالبًا ما تُؤتى أكلها طرحًا فى مشروعنا الشعرى، وتعديل زوايا رؤانا لهذا العالم المدهش».
وأضاف «ثابت»: «أثمرت تجربتى الشخصية فى هذا العالم أنه لا رهانات رابحة أبدًا على المؤسسة العامة، التى لا همّ لها إلا تدشين وتدجين الحضور الوظيفى القمىء نظير مزايا ممنوحة حينًا أو مُستلبة حينًا آخر».
وواصل: «كان الرهان دومًا على المشروع الشخصى الخاص أو ما يوازيه جماعيًا، هذه التجمعات الراغبة فى توليد فعلٍ حقيقى للعملية الإبداعية والمبدعين الحقيقيين خارج أطر المؤسسة المتحجرة رغم الادعاءات التى خلقت صفًا أو مستوى رديئًا لا يليق تاريخيًا ولا واقعيًا بمشهد الحراك الثقافى أو الإبداعى الحقيقى الذى يعبر عن هذا الوطن ومبدعيه بصدق خاصة الشعراء».
وأكمل: «من هذه التحركات وربما أسبقها كان حراك مؤتمر قصيدة النثر الذى يقيمه ويؤسسه جمع طيب من الأصدقاء الذين لا نختلف حول نواياهم الصادقة المخلصة فى صنع وتخليق هذا التاريخ».
وتابع: «قد تختلف أو تتفق ربما مع بعض الأداءات أو ربما بعض السيناريوهات أو حتى بعض الرؤى والأطروحات من باب الغيرة والسعى للأكثر كمالًا واكتمالًا، وهذا أمر صحى ولو تعلمون عظيم، ولكن تبقى دومًا قدرتنا العادلة على رؤية وإدراك ما يقدمه هؤلاء من جهد كبير صادق وشغف متجدد لضخ الدماء الجديدة فى جسد الشعر النبيل».
وشدد: «كم تمنيت أن يكون هناك ألف حراك وألف مؤتمر وألف منتدى يحتضن الشعر اليتيم الغريب خارج الأطر المؤسسية المتكلسة فى وريقات تصفرُّ من الجهل والبيروقراطية، أو موظف لا يجيد سوى وشم الأختام الزرقاء، وينطلق به لسموات أرحب وفضاءات أكثر اتساعًا».
وحيا وشكر كل من قدم ولو شيئًا بسيطًا فى سبيل الإصرار على استمرار إقامة هذا المحفل الشعرى المهم الذى يعنى بالشعر والشعر وحده، قائلًا: «تحية لا تعنى الترجّل عن منصة الاختلاف الصحى فى حينه إن وجب.. وشكر يؤسس لقاعدة صادقة كبيرة تجمعنا فى معية الشعر ومحبته، فسنرحل جميعًا ويبقى الشعر».