”الحرية والتجاوزات”.. قضايا الأديان في المشهد الدولي
في ظل تزايد حوادث الإساءة للأديان وحرية الاعتقاد، مثل تلك التي شهدناها في واقعة العشاء الأخير في الأولمبياد ومثيلاتها في فرنسا، تبرز الحاجة الملحة لتشريع دولي يضمن حماية حقوق الأفراد في ممارسة معتقداتهم بسلام واحترام، الأفعال الشاذة والمتطرفة، التي قد تصدر حتى عن دول كبرى، تكشف عن نقص في الآليات القانونية الفعّالة التي تمنع الإساءات الدينية وتضمن حماية التنوع الثقافي والديني.
لمواجهة هذه التحديات بفعالية، يتطلب الأمر تعزيز التعاون الدولي لتطوير تشريعات واضحة وصارمة تحمي حرية الاعتقاد وتواجه التعديات على الأديان، من الضروري أيضًا تعزيز التوعية الثقافية وتعليم الاحترام المتبادل بين الأديان، بجانب توفير آليات قانونية تضمن تقديم المسؤولين عن الأفعال المسيئة للمساءلة، لضمان عالم أكثر تسامحًا وتفهمًا.
سلطت جريدة النهار المصرية، الضوء علي هذا الملف الشائك ووجهنا اسئلتنا حول هل نحن فى حاجة لتشريع دولى يحمي حرية الاعتقاد ويحترم الاديان؟، و ما هى سبل مواجهة هذه الأفعال الشاذة والمتطرفة خاصة إذا خرجت من دول كبرى؟.
"إساءات دينية"
في دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في باريس، أثار عشاء تنظيمي جدلاً واسعاً بعد ظهور تصرفات اعتبرت مسيئة لبعض الأديان، مما تسبب في موجة من الانتقادات والاحتجاجات من قبل جماعات دينية وجمهور عالمي. على الرغم من تقديم اللجنة المنظمة لتوضيحات واعتذارات، واستحداث إجراءات جديدة لتعزيز الاحترام للأديان، فقد تكررت مثل هذه الحوادث في مناسبات أخرى، مما يبرز الحاجة الماسة لتشريعات دولية أكثر صرامة لضمان حماية حرية الاعتقاد وتعزيز الاحترام المتبادل بين الثقافات والأديان في الأحداث الدولية.
وايضا في عام 2005، نشرت صحيفة دانماركية تُدعى "يولاندس بوستن" سلسلة من الرسوم الكاريكاتيرية التي تناولت النبي محمد بطريقة اعتبرها العديد من المسلمين مسيئة. أثار هذا النشر موجة من الاحتجاجات والغضب على مستوى العالم الإسلامي، حيث اعتبرته الإساءة إلى معتقداتهم الدينية. تسببت الواقعة في توترات دبلوماسية بين الدول الغربية والدول الإسلامية، واندلعت مظاهرات عنيفة في بعض البلدان، مما أدى إلى دعوات لمقاطعة المنتجات الدنماركية واتخاذ إجراءات قانونية ضد الصحيفة.
"حرية الاعتقاد"
أكد الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، في تصريحات لـ«جريدة النهار المصرية» أن واقعة العشاء الأخير في الأولمبياد وتكرار مثل هذه الحوادث في فرنسا، التي تمس المشاعر الدينية تسلط الضوء على فجوة في القانون الدولي فيما يتعلق بحماية حرية الاعتقاد واحترام الأديان، وذلك رغم وجود نصوص تحمي حرية الدين والمعتقد بحسب تصريحاته، إلا أنه أشار انها تبدو غير كافية لمواجهة التحديات المعاصرة.
وفي ذات السياق اوضح الدكتور محمد مهران ان المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تكفلان حرية الدين والمعتقد، لكنه اكد اننا بحاجه لتشريع دولي أكثر تحديداً يوازن بين حرية التعبير واحترام المعتقدات الدينية.
واقترح مهران ضرورة تعزيز التشريعات الدولية، مبينا انه يجب على الأمم المتحدة النظر في صياغة اتفاقية دولية خاصة بحماية الأديان ومنع الإساءة إليها، بالاضافة الي التوعية والحوار الثقافي من خلال تعزيز برامج التبادل الثقافي والتعليمي لزيادة الفهم المتبادل بين الثقافات والأديان.
كما أشار أستاذ القانون الدولي إلى قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة رق 16-18 الصادر في عام 2011م، والذي يدعو إلى مكافحة التعصب والقولبة النمطية السلبية والتمييز والتحريض على العنف ضد الأشخاص على أساس الدين أو المعتقد، مؤكدا ان هذا القرار يوفر إطاراً جيداً، لكنه يحتاج إلى آليات تنفيذ أقوى.
ودعا عضو الجمعيتين الأمريكية والاوروبية للقانون الدولي الي عقد مؤتمر دولي لمناقشة هذه القضية، موضحا انا الامر يحتاج إلى حوار عالمي جاد حول كيفية الموازنة بين حرية التعبير واحترام المعتقدات الدينية، مشددا علي ان هذا الحوار يجب أن يشمل ممثلين عن مختلف الأديان والثقافات، وأن يهدف إلى صياغة معاهدة دولية ملزمة لحماية الحرية الدينية ومنع الإساءة للأديان.
"احترام متبادل"
قال الأب بطرس دانيال، رئيس المركز الكاثوليكى للسينما، الدين المسيحي يركز على أهمية احترام الآخرين والتعايش السلمي، وهناك العديد من تعاليم المسيحية تدعو إلى المحبة والتسامح والاحترام المتبادل بين الناس، بغض النظر عن اختلافاتهم، ي إنجيل متى (22: 39)، يقول يسوع: "تحب قريبك كنفسك". هذا يشمل احترام معتقدات الآخرين ومعاملتهم بكرامة.
وأضاف"دانيال"، في تصريحات "لجريدة النهار المصرية"، في إنجيل متى (7: 17-18)، يقول يسوع: "كل شجرة جيدة تثمر ثمراً جيداً، ولكن الشجرة الرديئة تثمر ثمراً رديئاً. لا يمكن لشجرة جيدة أن تثمر ثمراً رديئاً، ولا شجرة رديئة أن تثمر ثمراً جيداً".
واستكمل رئيس المركز الكاثوليكي للسينما قائلا: "كُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ، شَفُوقِينَ، عَافِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ، كَمَا غَفَرَ لَكُمُ اللَّهُ لِسِيحَى"، تُشجع هذه الآية المؤمنين على التصرف بلطف ورحمة تجاه بعضهم البعض، مما يعكس روح المحبة والتسامح التي يعلم بها الدين المسيحي باللطف والرحمة، يُظهر المسيحيون كيف يمكن أن يكونوا مثالاً للإحسان والعطاء، مما يعزز التعايش السلمي والعلاقات الصحية بين الناس.
"احترام المعتقدات"
قال الشيخ خالد الجمل، الداعية الإسلامي، الدين الإسلامي يولي أهمية كبيرة لاحترام الآخرين والتعايش بسلام يُعتبر هذا من المبادئ الأساسية في تعاليم الإسلام، وينعكس في الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي توضح أن الدين الإسلامي يحترم ويتعايش مع الأخر طلما لم يتعرض الأخر لنا الأخر بإي إهانة.
وأشار "الجمل"، في تصريحات لـ "جريدة النهار المصرية"، وقال الله في كتابه العزيز، "وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ"، ففي هذه الآية ينهي الإسلام عن سب أو الإهانة بالعبادات التي يقوم بها الأشخاص الذين يعبدون غير الله، وهذا يعكس حرص الإسلام على احترام معتقدات الآخرين وعدم إلحاق الأذى أو الإهانة بهم، لأن ذلك قد يؤدي إلى ردود فعل سلبية وازدراء لله تعالى.
وأستكمل الداعية الإسلامي حديثه قائلا: العديد من الآيات والأحاديث تدعو إلى التعامل بلطف واحترام. في القرآن، يُقال: "وَقَدْ نَزَلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْخَرُ مِنْهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ"، لآية توجيه من الله للمؤمنين بعدم الجلوس مع الأشخاص الذين يسخرون من آيات الله أو يكفرون بها. الهدف هو تجنب المشاركة في المحافل التي تسخر من الدين أو تهين قيمه، وذلك لحماية الإيمان وصيانة الكرامة الدينية.