النهار
الأربعاء 6 نوفمبر 2024 01:19 صـ 4 جمادى أول 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

عربي ودولي

أمام الوزاري العربي.. أبو الغيط: الاحتلال يستخدم التجويع ومنع المساعدات كاستراتيجية لتركيع المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة

شدد الأمين العام لجامعة الدول العربية احمد ابو الغيط على ضرورة وقف الحرب المحرمة التي يرتكبها الاحتلال الاسرائيلي في قطاع غزة ، مطالبا بوضع حد لآلة القتل الإسرائيلية، وحفظ ما تبقى من هيبة القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، إن كان لهذه المفاهيم معنى أو قيمة بعد هذه المجازر المتواصلة .

وطالب ابو الغيط في الوقت نفسه الدول التي علقت مساهماتها المالية للأونروا مراجعة هذا القرار من زاوية إنسانية وأخلاقية منبها إلى ان مسؤولية غوث اللاجئين الفلسطينيين تبقى مسئولية دولية في الأساس.. وليس معقولاً أن يصدر الحكم قبل التحقيق.. ولا يُعقل أن يُعاقب أكثر من 2 مليون فلسطيني بشكل جماعي على أساس من اتهامات مرسلة، دوافعها معروفة وغاياتها مكشوفة.

جاء ذلك في كلمة ابو الغيط امام الدورة ال161 لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية العرب الذي انطلقت أعماله اليوم بمقر الامانة العامة برئاسة موريتانيا .

وقال ابو الغيط انه يجب أن يُمحى يوم الخميس الماضي من ذاكرتنا، ومن ذاكرة العالم.. سيظل هذا اليوم، الذي استشهد فيه ما يقرب من 120 فلسطيني وجُرح ما يقرب من 700 برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي.. وهم يبحثون عن غذاء يسد جوعهم ويبقيهم على قيد الحياة.

ففي شمال غزة.. لم يكتفِ الاحتلال بالقتل والتدمير إلى حد محو المدن وإلغاء مقومات الحياة لسنوات قادمة.. وإنما صوب نيرانه نحو البطون الخاوية.. لتبقى هذه المذبحة شاهداً على حالة عجزٍ عالمي غير مسبوقة أمام حالة بلطجة ووحشية غير مسبوقة أيضاً.

واضاف انه لا يُمكن وصف ما يجري سوى بأنه عارٌ .. عارٌ على البشرية جميعاً أن تقف مكتوفة الأيدي بينما الفلسطينيون يُقتلون جوعاً أو قصفاً أو قنصاً.

لقد حاول الاحتلال إقناع العالم بأنه يدير حرباً على حماس.. وفق خطة لاجتثاثها.. ولكن الحقيقة تكشفت بما لا يحتاج إلى بيان.. فهذه حرب إبادة كاملة ضد شعب بأسره.. أدواتها الرصاص والقنابل والتجويع.. نعم.. ما يجري في غزة منذ أسابيع وشهور هو تجويع متعمد لسكانها... وفق خطة لإشاعة الفوضى الكاملة في القطاع وضرب كافة مظاهر النظام المدني فيه، وقتل أكبر عدد من الناس، والسعي إلى تهجير من يُمكن تهجيرهم إلى خارج القطاع.

وتساءل ابو الغيط ..ماذا ينتظر العالم بعد أن وضحت معالم الخطة على هذا النحو الفاضح والمخزي؟ أوجه هذا السؤال بالتحديد لتلك الدول التي ترى ذاتها من زاوية التفوق الأخلاقي .. وتتحدث باسم القانون الدولي والنظام العالمي القائم على القواعد.

هل يكفي أن تُلقى المساعدات على غزة من الجو حتى تشعر القوة الكبرى في عالم اليوم براحة الضمير؟ كيف يستقيم هذا بينما هذه القوة ذاتها تُسلح الاحتلال حتى الأسنان، وتعوضه بالذخيرة والعتاد؟... كيف يستقيم هذا بينما هذه القوة ذاتها هي من في يدها إيقاف الحرب بممارسة ضغط حقيقي على الاحتلال وقادته؟

ونبه إلى أن الحقيقة الساطعة أن الاحتلال يستخدم التجويع، ومنع المساعدات وتعطيلها والمماطلة في إدخالها.. كاستراتيجية لتركيع المجتمع الفلسطيني في غزة... (وبالأمس فقط مُنعت قافلة برنامج الغذاء العالمي، المكونة من 14 شاحنة، من الدخول إلى شمال غزة)... بل ويسعى الاحتلال لإحكام الخناق من خلال استهداف الوكالة الأساسية التي تعمل في غزة وأربع مناطق أخرى يتواجد بها اللاجئون الفلسطينيون... أقصد الأونروا التي نشأت بقرار أممي في 1949 ويسعى الاحتلال الإسرائيلي اليوم لتفكيكها بادعاء أن 12 موظفاً، من أصل 30 ألف موظف يعملون بها، ضالعون في هجمات السابع من أكتوبر... أي منطق هذا؟ إن الأمر يُشبه إغلاق مستشفى كاملة لأن أحد أطبائها تورط في مخالفة للقانون.

وللأسف رأينا 16 دولة، من بينها دول تعد من المتبرعين الأساسيين للأونروا، تتماشى مع هذا المنطق المعوج.. وتقبل بهذه الحجج العرجاء التي لا غاية لها سوى تصفية قضية اللاجئين.. واليوم، فإن العمل الإنساني كله مهددٌ في القطاع بسبب تقويض دور الأونروا التي تُمثل المفصل الأهم في عمليات الاستجابة الإنسانية في غزة.

و إننا نطلب من تلك الدول التي علقت مساهماتها المالية للأونروا مراجعة هذا القرار من زاوية إنسانية وأخلاقية فمسئولية غوث اللاجئين الفلسطينيين تبقى مسئولية دولية في الأساس.. وليس معقولاً أن يصدر الحكم قبل التحقيق.. ولا يُعقل أن يُعاقب أكثر من 2 مليون فلسطيني بشكل جماعي على أساس من اتهامات مرسلة، دوافعها معروفة وغاياتها مكشوفة.

واوضح ابو الغيط ​إن الحقائق معروفة لنا جميعاً.. وهي حقائق مخجلة لكل ضمير إنساني.. أكثر 25 ألف طفل وامرأة ارتقوا شهداءً بعد 150 يوماً من القتل بدم بارد... احتاج البعض لخمسة شهور كاملة، وأكثر من 30 ألف شهيد، لكي ينطق كلمة "الوقف الفوري لإطلاق النار".. بل لا زال هناك من ينطق الكلمة من طرف اللسان، بينما المواقف الفعلية لا تنطوي على ضغوط حقيقية على الطرف المعتدي.

​أقول بعبارةٍ واضحة.. لكل الراغبين في تخفيض التصعيد في المنطقة.. ولمن يعون خطورة الانزلاق إلى مواجهة إقليمية كبرى لن تكون في مصلحة أي طرف.. أقول لهم إن ثمة وسيلة وحيدة لإطفاء النيران المشتعلة هنا وهناك.. أوقفوا هذه الحرب المحرمة.. ضعوا حداً لآلة القتل الإسرائيلية.. احفظوا ما تبقى من هيبة القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، إن كان لهذه المفاهيم معنى أو قيمة بعد هذه المجازر المتواصلة.

​وأقول لدولة الاحتلال وقادتها ... إن كل يوم تمارسون فيه الإجرام في غزة.. يبعدكم سنواتٍ عن التعايش والسلام في هذه المنطقة.

​أقول لهم.. ستسكت المدافع في يومٍ قريب.. ولكن الغضب الذي زرعتموه في الصدور لن يزول.. وبذور الكراهية التي نشرتموها في الأرض لن تُنبت سوى الرفض والكراهية في المستقبل.

​أقول لهم.. أوهامكم لن تتحقق مهما أمعنتم في القتل.. فالفلسطينيون باقون على أرضهم... والتهجير القسري مرفوض مرفوض.. مرفوض فلسطينياً، وعربياً، وعالمياً.

و ​إننا على أعتاب شهر رمضان الكريم... وهو شهر رحمة وسلام... أحيي كل الجهود التي تبذلها دول هذا المجلس، وغيرها، من أجل تحدي حملة التجويع والتصدي لسلاح المجاعة الذي تشهره إسرائيل في وجه الفلسطينيين... وأدعو لاستمرار هذه الجهود من كافة الدول في العالم لإدخال المساعدات الأساسية، المنقذة للحياة، إلى قطاع غزة.. بأي طريق كان... مع تأكيدنا على مسئولية دولة الاحتلال، التي تتحكم في معابر القطاع، عن إيصال هذه المساعدات إلى الناس.

​وقال ابو الغيط إن إدخال المساعدات، وفق آلية مستدامة وسريعة وناجزة، سيسهم في إنقاذ الأرواح ولكنه لن يُنهي المأساة التاريخية التي يشهدها قطاع غزة.. إن الحل الوحيد اليوم، وقبل الحديث عما سيكون عليه مستقبل القطاع، هو تحقيق وقف فوري مستدام لإطلاق النار.. تلك هي نقطة البداية التي يُمكن البناء عليها والانطلاق منها لمعالجة الوضع الكارثي في غزة.. ومن ثم استعادة القدرة على العمل السياسي لتنفيذ رؤية حل الدولتين..