”دماء تروي الحقيقة” 320 صحفي فى سجون العالم.. من يحمي الصحفين حول العالم؟
يشتعل العالم بالصراعات والنزاعات المسلحة التى لا تهدأ، وفى وسط تلك الصرعات المشتعلة يبحث الصحفيين والإعلاميين عن الحقيقة، لنقلها إلى الناس بكل صدق وحيادية، وفى سبيل ذلك يتعرضون لمخاطر كبيرة، بل واستهداف مباشر كما حدث فى حرب إسرائيل على قطاع غزة، والذى قتل فيها أكثر من 100 صحفيًا.. تفتح جريدة "النهار" هذا الملف وتسأل عن حقيقة وجود حماية للصحافين فى مناطق النزاعات، فى ظل المخاطر الكبيرة التى يتعرضون لها.
أرقام صادمة
الأرقام لا تكذب فوفقًا لإحصائية حديثة صادرة عن لجنة حماية الصحفيين؛ وهي منظمة غير حكومية، فقد تم سجن 320 صحفيًا حول العالم فيما يتعلق بعملهم فى 1 ديسمبر 2023، وادرجت إسرائيل كواحدة من أكبر الدول المتهمة بمطاردة الصحفيين وسجنهم فى العالم، حيث تم تسجيل 17 شخص خلف القضبان فى إسرائيل اعتبارًا من 1 ديسبمر 2023، فى الوقت الذى قتلت فيه إسرائيل أكثر من 119 صحفيًا منذ بدء حربها على قطاع غزة فى السابع من أكتوبر.
استهداف متعمد
نقيب الصحفيين الفلسطينيين ناصر أبو بكر أعلن عن استشهد عشرات الصحفيين ومثلهم من المصابين والمفقودين فى قطاع غزة فى أماكن مختلفة، وأكد أن بعضهم قتل فى مكان عمله عن طريق الاستهداف المباشر من قبل قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يعني أن هناك توجه عام لدي إسرائيل لاغتيال الصحفيين، ويؤكد ذلك استهدافها منازل الصحفيين وتدميرها بشكل كامل أو جزئي، وهو ما جعل قطاع غزة بيئة غير أمنة للعمل الصحفي، بل وتشكل تهديد مباشر وخطير على حياة الصحفيين الذين يعملون فى ظروف صعبة.
فقد 120 صحفي
يقول أيمن الرقب، الباحث والسياسي الفلسطيني، فقدنا أكثر من 120 صحفي وإعلامي في قطاع غزة وهذه أكثر مرة نفقد فيها عدد من الصحفيين والإعلاميين، قرر الاحتلال استهداف الصحفيين هذه المرة لطمس الحقائق وإن الصحفيين كانوا مرآة مهمة جدًا ولعبت دور كبير جدًا في فتح جراب الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني وتأكيد الرواية الفلسطينية من خلال تصوير مشاهد الاجرام.
وأضاف "الرقب"، في تصريحات خاصة لـ "النهار"، أنه لا يوجد حماية حقيقية للصحفيين في قطاع غزة رغم أن هناك زي محدد وشعارات محددة، ولكن ذلك لا يمنع الاحتلال من استهدافهم بعدة طرق، وهذه ليست السابقة الأولي التى يتم استهداف الصحفيين فيها، فقبل أشهر استشهدت شيرين ابو عاقلة وسلط الضوء على قضيتها لانها تحمل الجنسية الامريكية.
حماية النفس
فيما يقول أحمد العميد، مدرب الصحافة الحربية وإدارة المخاطر، أن من أهم الشروط الواجب توافرها في المراسل الحربي لممارسة عمله في منطقة نزاع، هو التدريب بشكل مكثف على وسائل الحماية والسلامة في مناطق النزاع المختلفة إلى جانب فحص حوادث استشهاد وإصابة الصحفيين السابقين، وهذا النوع من العمل تزداد صعوبته بشكل سريع وبسرعة الصاروخ، نظراً لتطور تكتيكات الحرب خلال السنوات الأخيرة، وتطور التكنولوجيا وعمليات الرصد والاستهداف.
وتابع "العميد" فى تصريحات خاصة لـ"النهار"، الغريب أن مؤسسات التدريب لا تزال تعتمد على النمط التقليدي للحروب السابقة وبعض المناهج وطرق السلامة الصحفية القديمة، وأرى أنها لا تكون مناسبة للصحفي الذي يريد الذهاب إلى مناطق الصدام العسكري، إذ أن طرق الاستهداف وتكتيكات المعارك أصبح معقداً بشكل كبير، وهذا ما أقوله دائماً أن الصحفي أصبح مجبراً على فهم وتعلم التكتيكات العسكرية وطرق الاستهداف والمناورة.
ويضيف، يضاف إلى ذلك دراسة الجبهة نفسها وأهداف العدو ومدى احترامه للقانون الدولي من عدمه، وقوته العسكرية بما في ذلك السيطرة الجوية وعدد القوات والمعدات ومديات ذخيرته والقوة التدميرية لقذائفه وأنواعها ومداياتها، كل هذه هى محددات العمل في مناطق الحرب، ليقرر الصحفي إلى أى مدى يمكن أن يقترب.
مقاضاة دولية
تقارير فلسطينية أشارت إلى اتخاذ خطوات نحو مقاضاة إسرائيل دوليًا بسبب الجرائم التى ارتكبتها ضد الصحفيين، فقد تمت مخاطبة الاتحاد الدولى للصحفيين والذى أرسل بشكوى لمنظمة اليونسكو المسئولة عن الصحفيين فى العالم للتحقيق في جرائم الاحتلال ضد الصحفيين في غزة، والمجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة، بجانب مخاطبة أنطونيو جوتيريش الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، والمحكمة الجنائية الدولية وطالبناها ببدء التحقيق فى انتهاكات إسرائيل وجرائم الحرب التى تشنها فى غزة والإعلان عن تلك التحقيقات.
فى هذا الآطار يقول الباحث السياسي "أيمن الرقب" نسعي لتوفير الدعم الكامل للصحفيين من خلال حمايتهم بشكل أو بأخر، ونتحرك من خلال مؤسسات المجتمع الدولي حتي يكون هناك حماية للصحفيين وخاصة في مناطق الحروب والنزاعات، نوحن ننتظر صدور قرار من محكمة العدل الدولية بإدانة الإحتلال وبعذ ذلك سيكون هذا مستند هام جدا في محاكمة الإحتلال علي جرائمة المختلفة بحق كل مكونات المجتمع ومنها الصحفيين، وتقديم مذكرات لمحاكمة الأحتلال لاستهدافة الصحفيين مثلما تقدم أتحاد الصحفيين الفلسطينيين بشكوة للجنائية الدولية للتحقيق في ملف الشهيدة الصحفية شيرين أبو عاقلة.
فيما طالب أحمد العميد والذى ترأس رئيس لجنة تقصى الحقائق في جرائم الحرب ضد الصحفيين بسوريا، المجتمع الدولي بضرورة فرض إجراءات صارمة ضد جرائم الحرب التى تستهدف الصحفيين العاملين وأن يصدر مذكرات توقيف ضد مركتبي هذه الجرائم ومحاكمتهم، إلى جانب دعم المنظمات وبعثات تقصى الحقائق العاملة على كشف هذا النوع من الجرائم، خاصة وأن الحماية القانونية للصحفين مصانة في القانون الدولي بامتياز وهناك أسانيد لهذه الحماية، أهمها اتفاقيتي لاهاى لعامي لعامي ( 1899 و 1907 ) والبروتوكول الإضافي لهما لعام 1977 م، وأيضاً اتفاقيات جنيف الأربعة لعام ( 1949 ) وخاصة المادة 3 المشتركة بينها ثم البروتوكولين الإضافيين لهذه الإتفاقيات، وغيرها من المواد الخاصة بحماية الصحفيين والإعلاميين وحماية حرية الرأي والكلمة.
وأضاف"العميد"، أيضاً على المؤسسات الصحفية والتدريبية أن تقدم التدريب الاحترافي اللازم للصحفيين ليتمكنوا من تغطية مناطق النزاع المسلح، فالصحفيين في الحرب هى مصدر الحقيقة الوحيد الذي يمكن أن يصل إلينا لكشف الجرائم والانتهاكات وبشاعة الحرب وفظاعاتها وأخبارها، لأن المراكز الإعلامية العسكرية التابعة للجيوش غالباً لا تحظى بمصداقية وسمعة طيبة، إذ أن من وظيفتها الأساسية هى الكذب والتضليل وخداع العدو وإحباط الروح المعنوية لدى جنود العدو، مع الحفاظ على الروح المعنوية وتماسك الجبهة الداخلية لدى جيشه.
وأختتم حديثه قائلًا، أرى من المهم جداً أن تقدم المؤسسات التدريبية دعماً كبيراً للصحفيين لرفع مستواهم من ناحية الأمن والسلامة وتوفير مجموعات الحماية ومعداتها، وتثقيف عموم الصحفيين بإجراءات السلامة، وعلى المديرين المباشريين للمراسلين الحربيين أن يكونوا هم قدر المسؤولية تجاه متابعة وإرشاد الصحفي على الجبهة وإصدار عليه التعليمات ومتابعته وهذا أمراً من الصعب توافره في مؤسساتنا الإعلامية العربية.