”طاقة القدر اتفتحت لينا ولا هتتقلب علينا”.. كيف أثرت المقاطعة على الشارع المصري ومدى تأثيراتها الاقتصادية سلبًا وإيجابًا؟
"المنتج ده مصري يا عمو؟" عبارة جديدة على مسامعنا جميعا، لكنها أصبحت واقع مفاجئ في مجتمعنا المصري اليوم، بعد الأحداث الأخيرة التي طالت غزة، والصراع الإسرائيلي على فلسطين، اليوم نواجه حالة مختلفة تماما عما كنا نعيشه من قبل، فبعد أن كان المنتج الأجنبي أساس الجودة وسيد السوق المصري، خسف به المواطنين الأرض في غمضة عين، تضامنا ودعما مع شعبنا الفلسطيني الشقيق، وبعد أن كان السؤال المطروح في الأسواق دائما: المنتج ده براند إيه؟.. أصبح السؤال الشائع حاليا: ده منتج مصري ولا لا؟.
وفي ظل حملات المقاطعة الشائعة في عالمنا العربي اليوم، قررنا الغوص في الشارع المصري لمعرفة صدى هذه المقاطعة على أصحاب المحال التجارية، وتحدثنا مع خبراء في علم الاقتصاد كشفوا لنا مفاجآت لأول مرة خلال هذا التقرير التالي.
أصحاب محلات ومراكز تجارية يصفون حال الشارع المصري بعد المقاطعة
من جانبه كشف عبدالله السيد، عامل بأحد المحلات التجارية لبيع المنتجات الغذائية في منطقة بولاق، أن جميع الزبائن لديهم وعي بنسبة كبيرة بالمقاطعة، حتى أنهم يسألوه عند شراء أي شيء: "ده معانا ولا لا؟"، مؤكدا أن العديد من الأطفال لديهم علم بمنتجات المقاطعة وامتنعوا عن شرائها.
وفي ذات السياق قال إبراهيم عباس، عامل بمركز تجاري في منطقة عين شمس، يعمل في هذه المهنة منذ سنوات كثيرة، إن المواطن المصري دائما ما كان يطلب المنتج الأجنبي أولا، ولا يقترب من المنتجات المصرية، ولكن بعد الأحداث الأخيرة في فلسطين، وانتشار المقاطعة أصبح المنتج المصري هو سيد الموقف.
ومن جانبه كشف عمر طارق، صاحب أحد المحلات التجارية في منطقة المهندسين، أن المقاطعة لديها صدى كبير في عملية البيع والشراء، ويتساءل العديد من المواطنين عن المنتجات المصرية بكثرة، ولا يقتربون من المنتج الأجنبي، بل أن المنتجات التابعة للمقاطعة أصبحت مفترشة على رفوف دكانه ولا يشتريها أحد، حتى الأطفال أصبح لديهم علم بمنتجات المقاطعة والمنتجات المصرية، مؤكدا أن الأطفال عندما يدخلوا المحل أول سؤال يلقونه عليه: المنتج ده مصري يا عمو؟.
وتابع عمر طارق، أنه يواجه أزمة بشأن توافر المنتج المصري، لأنه لا يتواجد بكثرة مثل المنتجات الآخرى، كما أنه يعاني من تراكم المنتجات الأجنبية لديه بعد عدم شرائها، مؤكدا أن ذلك أحدث خسائر مادية كثيرة له.
ومن جهته قال إسلام علي، صاحب محل تجاري في منطقة رمسيس، إن المقاطعة أصبحت في أذهان الناس بشكل كبير، ودائما ما يسألون عن هوية المنتج المعروض قبل شرائه، مشيرا إلى عدم وفرة المنتج المصري، لكميته القليلة وكثرة السحب عليه بعد انتشار عملية المقاطعة.
وفي هذا الصدد قال رفاعي خلف، مشرف مبيعات في إحدى شركات التجارة والتوزيع في مصر، إن عملية المقاطعة لم تكن فقط مجرد تريند، بل أنها أصبحت أمر واقع لا غنى عنه، مشيرا إلى أن معظم العملاء الآن أصبحت تلجأ إلى المنتج المصري بكثرة، مؤكدا أن جميع الزبائن يطالبون بزيادة المنتجات المصرية، لأنها الحل البديل لهم.
خبراء اقتصاد يوضحون التأثيرات السلبية والإيجابية للمقاطعة
قال أحمد أبو علي، الخبير الاقتصادي، إن الشعب المصري لأول مرة يلتزم بمقاطعة لدرجة أن تحدث هذا الأثر القوي بين المواطنين، مشيرا إلى أن السوق المصري سوق كبير وله وضعه وقيمته، لذلك فأن حملات المقاطعة الحالية ستكون بمثابة سلاح ذو حدين على الاقتصاد المصري.
المقاطعة طاقة القدر للمنتجات المصرية
كشف أحمد أبو علي أن النتائج الإيجابية للمقاطعة ستشمل دعم الصناعة الوطنية، وإظهارها مرة أخرى إلى النور، بعد إندثارها لسنوات عديدة، وسط احتكار وسيطرة المنتج الأجنبي على السوق المصري لعقود كثيرة، مشيرا إلى أهمية استغلال هذه الفرصة بشكل جيد، واصفا ما حدث بـ "طاقة القدر للمنتجات المصرية".
وتابع الخبير الاقتصادي إنه من الضروري على أصحاب الشركات والمنتجات المصرية تثبيت قدمهم في السوق، لضمان استمرار المنتج المصري ومنافسته للمنتج الأجنبي، مؤكدا على ضرورة تحسين جودة المنتج وتغليفه، بالإضافة إلى إطلاق حملات إعلانية مبتكرة وموسعة للمنتج المصري، حتى تصل إلى جميع المنازل.
"الشركات المنتجة لسلع المقاطعة ستضرب العاملين المصريين في مقتل"
أوضح أحمد أبو علي، أن استمرار المقاطعة على هذا المنوال من الممكن أن يؤثر على العمالة المصرية، وذلك بسبب الخسائر المادية الفادحة التي ستتكبدها الشركات، وحينها ستضطر لتسريح عدد كبير من للعمالة المصرية، وهو ما يؤدي إلى زيادة نسبة البطالة في مصر.
وفي هذا السياق قال أسامة السعيد الخبير الاقتصادي، إن المقاطعة هي عبارة عن إجراء استهلاكي يقوم به المستهلك ضد سلعة أو منتج معين، اعتراضا على الجهة صاحبة المنتج، وفي هذه الحالة يسمى ذلك اعتراض اقتصادي، مشيرا إلى أن نتائج هذه المقاطعة ستكون في صالح المنتج المحلي، لأنه البديل الوحيد أمام المنتج الأجنبي، ومن ثم سوف تزداد مبيعات المنتج المحلي وبالتالي ستزداد الأرباح.
وتابع الخبير الاقتصادي، أن هناك ما يسمى بالفرينشايز وهو عبارة عن تعاقد تجاري بين طرفين، أي الجهة المانحة للفرينشايز، والجهة التي اشترت الفرينشايز، وفي هذه الحالة الخسائر المادية تعود على الطرفين، مؤكدا على ضرورة دعم المنتج المحلي والإقليمي بالتغيير الفوري لمنتج مصري وتعزيز ودعم الصناعة الوطنية، بدلا من شراء فرينشايز أجنبي.
وأشار أسامة السعيد، إلى أن الشركات المصرية لديها مهمة قوية في تنظيم فكرها التجاري، لخلق منتج ينافس المنتج الأجنبي على المدى البعيد، بدلا من أن يكون هدفها هو الربح المؤقت، الذي سيجعلها تطمع وترفع الأسعار في حين أنها مازالت في خطواتها الأولى لإظهار نفسها، مؤكدا على أن الشركات المحلية لابد أن تعمل على ضبط وتنظيم التسعير، بالإضافة إلى تحسين جودة منتجاتها.
هل العمالة المصرية هتتأثر بالمقاطعة؟
كشف أسامة السعيد الخبير الاقتصادي، أن العمالة المصرية لن تتأثر بشكل كبير، لأنها في الأغلب تكون عمالة غير منتظمة، كما أن معظم العاملين غير مؤمن عليهم، لذلك فإن عملهم بالفعل مؤقت، ويستطيعون العمل في شركات أخرى تحمل هوية المنتج المحلي.
ومن جانبه قال حازم المنوفي، عضو الشعبة العامة للمواد الغذائية بالاتحاد العام للغرف التجارية، إن الدعوة لمقاطعة بعض أصناف المواد الغذائية شهدت إقبالا كبيرًا، مؤكدًا أنه ليس مع أو ضد حملات المقاطعة.
متابعا: هذه الدعوات فرصة لزيادة الإقبال على المنتج المحلي، وتخلق حالة من التنافس، ورواجًا للمنتج المصري
وشدد المنوفي على ضرورة التزام منتجي السلع الغذائية، التي تشهد إقبالًا كبيرًا بعد حملات المقاطعة، بكتابة بيانات السلعة على غلاف العبوة مثل (سعر البيع للمستهلك، وزن العبوة، تاريخي الإنتاج والإصلاحية)، وأن يلتزم البائع بالسعر المعلن على العبوة، منعا للتلاعب بالأسعار.
وأوضح المنوفي أنه يجب على المنتجين المصريين استغلال هذه الفرصة الذهبية، للسيطرة على حصة كبيرة من السوق، في ظل نشاط حالة المقاطعة لبعض الماركات العالمية.