”أيتام على الرصيف”.. بعد إزالة دار ”الرواد” بأكتوبر النزلاء يبحثون عن مأووي ويكشفون الكواليس لعدسة ”النهار”
النهار تجري معايشة مع نزلاء الدار.. كرم: "بقينا من غير أكل وشرب وبننام فى الشارع".. وأسامة بيقلب رزقه من علب الكانز والكراتين.. وعمرو: "كله بيقول يلا نفسي وبشحت من الناس".
دور الأيتام أحد الملفات المهمة على طاولة الحكومات المتعاقبة فى مصر، وملف شائك يؤرق وزارة التضامن الاجتماعي، فهى فى حاجة لحلول جذرية لمشاكل مستعصية منذ عشرات السنين، وتتفاقم مع مرور الوقت.
أحد المشكلات الكبيرة المتعلقة بدور الأيتام ظهرت مؤخرًا فى دار "الرواد" لرعاية الأيتام بمدينة 6 أكتوبر، والتى شهدت خلافات كبيرة على مدار عشرات السنوات بين النزلاء الذين سيطروا على المبنى واتخذوه مأوي لهم، بعدما تفككت الدار، وغادرها المسئولين، ومؤخرًا شهدت تطورات كبيرة بعد صدور قرار بإزالتها ليجد النزلاء أنفسهم فى الشارع.
انتقلت جريدة "النهار المصرية" إلى مقر الدار بمدينة 6 أكتوبر، لتجري معايشة على الأرض، وترصد الأوضاع المتردية التى آلت إليها، وألتقت بعدد من النزلاء الذين رووا كواليس ما جري، وسردوا بحزن كواليس معاناتهم الآليمة.
أيتام فى الشارع
"فوجئنا بقوات الأمن وجهاز المدينة ينفذون قرار إزالة الدار، وطلبوا منا مغادرتها، بعدها تم هدم كل شيء ولم يعد لدينا مكان أدمى نبيت فيه"، يقول "كرم" 33 عام أحد نزلاء الدار، المكان أصبح "خرابة"، وأحنا ما بقناش لاقين ناكل ولا نشرب، كل إللى بنطالب بيه هو مكان آدمى يأوينا وطعام يسد جوعنا، بقينا على الأرض لا مياه ولا كهرباء.
ويتابع "كرم" قائلًا: "محتاجين حد فى ضهرنا بيحصل أي حاجة بنجري أحنا ورا أخواتنا، وفى زميل لينا من سنة تعب فجاءة، وأصيب بجلطة وتوفي، وماحدش فينا عرف يعمله حاجة، مافيش مندوب ولا مسؤول من الوزارة حاول أنه يساعدنا، مافيش رحمة وعايزين حقوقنا، عايزين نعيش زي الناس.
حقي فين
يلتقط "إبراهيم" 27 عام طرف خيط الحديث من "كرم" ويقول: "حياتي كلها فى الدار ما أعرفش بيت غيرها، لحد ما جالها أمر إزالة، ولما سألنا فى حد هيسلمنا شقق بديلة، قالوا ماحدش هيستلم شقق، والدار مبنية على أرض حق انتفاع مش ملكية خاصة، ولكنها ملكية عامة، وبقينا فى الشارع.
ويضيف "إبراهيم"، حسيت بالوحدة واليتم الكلمة اللى ما كنتش فاهم معناها قبل كده، حتي مالقتش حد يحتويني لا مشرف ولا مشرفة حد بأخد وأدي معاه، أنا بقالى يومين ما أكلتش، وداخل فى شهر أو أثنين مش عارف اشتغل، علشان واخدين سمعة عننا أن الدارات كلها وحشة، ومش بيشغلونا، واللى بيشتغل مننا دلوقتي بيلم كنزات ولا شوية كراتين.
ويتابع "إبراهيم" أنا بطالب أعرف حقي عند مين ونحاول نسعي، الوزارة والدار بيقولى ما لناش دعوة، ومافيش حاجة بتتحل، اتعملت مذكرة فى الوزارة، واتشالت فى المكتب وماحدش سأل فينا، ودلوقتي فى حوالى 80 يتيم، كلنا مرمين فى الشوارع، وإلى بيتواصلوا مع بعض حوالى 10 بالكتير.
مافيش كلمة حلوة
فيما يروي صلاح الدين قصته ويقول: "اتربيت فى دار أيتام فى العجوزة تبع وزارة الشؤون الاجتماعية، بعدها بفترة رحت دار فى الهرم قعدت 3 أو 4 سنين واتحولت لدار الأيتام فى أكتوبر، خلال الفترة دي شفت كل حاجة وحشة معاناة فى كل شيء، ولا معاملة حلوة ولا كلمة طيبة، وعلشان تاخد حقك يطلعوا عينك تحليل مخدرات وشهادة جيش، بيصعبوا الدنيا علينا.
ويتابع "صلاح الدين" كنت فى الجيش، ولما طلعت فى شهر 10 لقيت الدار اتهدت، روحت الوزارة قالولى شفلك شغلانة، أنا حسيت بالضياع والخنقة، بس مش بايدي أعمل حاجة، كنت شغال فى مستشفى وسبتها، ودلوقتي بشتغل فى الموقف، أقلب مصاريفي، وأخر اليوم أجي أنام هنا، أحنا عايزين حقوقنا مش اكتر.
أتولدت فى أبو زعبل
فيما يقول "أسامة"، أنا اتولدت لقيت نفسي فى دار أيتام فى أبو زعبل، والدار كانت كويسة ومهتمين بينا وبنتعلم كويس وبنروح مجاميع وماحدش كان بيسقط، بعد كدا جابونا دار "أم القري" ولكن الأوضاع فيها ما كانت حلوة والدنيا اتشقلبت 100 درجة، لقينا ناس أكبر مننا بكتير، وشتايم وقلة أدبز
ويتابع أسامة، هنا كنا بناخد مصروف وقت المدارس بس بعد شوية قالولنا كل واحد يصرف على نفسه بقي أنتوا كبرتوا، وبدأنا نشتغل، وعرفنا أننا لما نتم 21 سنة هناخد شقق، ولما دورنا ورا الموضوع ما وصلناش لحاجة.
ويضيف، وقت إزالة الدار كنت موجود، وقلتلهم هنروح فين يا جماعة، ماحدش رد علينا، ومن وقتها مالقناش حاجة نعملها، واشتغلت فى جمع كانزات وكراتين، وأنا لو فى إيدي حاجة أطلبها أنا عايز حتة هدمة ألبسها.
كله بيقول يلا نفسي
يقول "عمرو" أحد نزلاء الدار والذي يعاني من إعاقة حركية،: "أنا مش بعرف أشتغل، وحاولت بس سبت الشغل علشان جالى حالة نفسية سيئة، وما بقاش حد يساعد زي زمان، زمان الناس كانت بتساعدني، دلوقتي كله بيقول يلا نفسي، ولما اتهدت الدار ما كنتش عارف جيت لقيتها كدا، زعلت خاصة أني بعدت عن أخواتي كلهم، طب مين هياكلني ويشربني، بقيت بشحت أى حد معدي بيديني أكل أو فلوس، كان نفسي أبقي حاجة كويسة".
قانوني يحلل الأزمة
يقول المحامى محمد ماهر حمادي، إن أزمة دور الأيتام الحقيقة فى مصر تكمن فى غياب وجود تشريعات وقوانين واضحة تنظم علاقة الأيتام بالدولة، وتحفظ حقوقهم صغارًا وكبارًا، وتساهم فى إندامجهم فى المجتمع، ولابد من وجود تعديلات حقيقة فى قانون الضمان الاجتماعى يحل كل الأشكاليات التى تواجه الأيتام.
وتابع "حمادي"، الخبير القانونى والمختص فى قضايا الضمان الاجتماعي، إن الرعاية اللاحقة لا تقل أهمية عن تأسيس وتنشئة الأيتام، فهي التى تحافظ عليهم وتساعد على إندماجهم السريع فى المجتمع، وأزمة دار "الرواد" الحقيقية إن خريجي الدار مفتقدين لتلك الرعاية، ومفتقدين للاندماج فى المجتمع، كما إن المجتمع نفسه يرفضهم، فلذلك يواجهون مشاكل كبيرة فى إيجاد فرص عمل وحتى فرص للزواج.