النهار
الثلاثاء 5 نوفمبر 2024 08:44 صـ 4 جمادى أول 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

تقارير ومتابعات

الدكتور شوقي علام يعلن ان بعض الشعائر فى الحج لا تكون مطلوبة لذاتها إنما لما لها من المعانى

فضيلة المفتي دكتور علام
فضيلة المفتي دكتور علام

اعلن الدكتور شوقي علَّام مفتي الجمهورية رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إنَّ النفوس تشتاق للحج لأنه عبادة العمرِ وأمنية كلِّ مسلم فأداؤها يمثل كمال الإسلام وتمام الدِّين وهي دَيْنٌ على المستطيع واجب الأداء لله الوهَّاب؛ كما قال تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97] مضيفًا فضيلته أن بعض الشعائر في الحج لا تكون مطلوبة لذاتها، إنما لما وراءها من المعاني وبهذا التوجيه يحصل لدى الحاج مزج حكيم بين الشكل الظاهري والبدني من الإحرام والطواف.. وسائر المناسك، وبين القيم والأخلاق والمشاعر التي يحياها أثناء ممارسة هذه الشعائر من الالتزام بأوامر الشرع الشريف، واجتناب نواهيه ومقابلة الإساءة بالحسنى والتحلي بمكارم الأخلاق عند التعامل مع الغير حتى وإن تعدى عليه من أجل صحة هذه العبادة وقَبولها ويستوي التعامل بالحسنى هنا مع الإنسان أو الحيوان أو النبات أو الجماد.

وأكد المفتي أن للحج حِكمًا كثيرة منها تهذيبُ النَّفس وسكونُها وتأديبُها مع ربِّها وتعليمها الانقيادَ والتسليمَ طواعيةً لسائر التَّكاليف الشَّرعيَّة والقوانين المرعيَّة بما تستقيمُ به البشريَّة. والإنسان يعجزُ عن فهم: لماذا شُرِعَ هذا التكليفُ على تلك الهيْئة التي أُمِرْنا بأدائه عليها؟ وقد يأتي سؤال آخر في بعض هذه التكاليف عن: لماذا جاء بهذا العدد دون غيرِه؟! ولا نجد جوابًا لذلك إلا بأن نتعبَّد اللهَ سبحانه وتعالى بما أَمَر، وعلى الهيئَةِ التي جاء بها، وبالعدد المأمور به؛ تسليمًا وخضوعًا لربِّ العالمين، ما دام النَّصُّ قد وردَ في ذلك صحيحًا صريحًا، وهذا ما يسمى عند العلماء بـ "الأحكامِ التعبُّديَّةِ"؛ أي: التي نتعبَّد اللهَ عز وجلَّ بها، وبكيفيَّتِها التي وردتْ في النَّصِّ الشَّريف، حتى وإن لم ندرك كُنْهَ هذه الكيفيَّات، مع جزمنا بأن هذه الأحكام ما جاءت إلا لجلب مصلحةِ الإنسان في الدنيا والآخرة.

وأشار إلى أن شعيرة الحج ترشد المسلم أيضًا إلى خير وسيلة يُتقرَّب بها إلى حضرة ذي الجلال في كلِّ أحوال حياته وشئونها؛ حيث تجعله متجرِّدًا بصورةٍ كاملةٍ أثناء مدَّتِها الزَّمنيَّة من كلِّ شواغلِه؛ مُقبلًا على ربِّه لا همَّ له إلا الذكر والعبادة والتلبية والدعاء، وهي تمثِّل في ذات الوقت والموقف تجربة تربوية حقيقية من شأنِها تقويم حياة المسلم ووجدانه وضبط سلوكه وتهذيب نفسه دون فرض سلطةٍ عليه من غيره؛ فقد نهى الله تعالى الحاجَّ بأسلوبٍ فيه تأكيدٌ ومبالغةٌ، عن الوقوع في سَيِّئِ الأخلاق ومذموم ِالسلوك في هذا الزمان الفاضل والميقات المبارك؛ فقال تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة: 197]، وكذا تلزم المسلم بمبدأ المساواة مخبرًا ومظهرًا، وتعميق معاني الأخوة الإسلامية والإنسانية وعدم تقسيم الناس إلى طبقات يعلو بعضها فوق بعض وتغليب المنفعة الخاصة على العامة.

وأضاف المفتي أن شعيرة الحج تعتبر بمناسكها مجالًا واسعًا وفرصة مباركة لبناء شخصية المسلم بطريقة متوازنة؛ حيث خاطب الإسلام المسلم روحًا وجسدًا وعقلًا في تناسق مبدع جامع لغذاء الروح ومتطلبات الجسد، فأفسح لكل منها مجاله، وأعطاه حقَّه بالقسط دون إفراط أو تفريط ولا طغيان أو إنقاص، وذلك لأنه دين يقترب من الفطرة الإنسانية السليمة، ويوازن في أحكامه ومقاصده بين عناصر الشخصية البشرية بطريقة متكاملة لا يستغني عنها الإنسان.

وأوضح أن المتأمل في مناسك الحج وشعائره يجد أنها تحمل في مضامينها كذلك ترسيخ قضية التسليم والامتثال لأوامر الشرع الحنيف لأنها أصل التعبد وعليها بناؤه وهي من صور خُلُق الصبر وتجلياته؛ فرحلة الحج ما هي إلا استجابة لدعوة الله وامتثال لأمره، وإقامة لركن من أركان شريعته، وفيها يهذب الحاج نفسه؛ تقربًا إلى الله تعالى واتِّباعًا لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.