ما هو الدور الذي تقوم به فلول الاخوان وبقايا النظام السابق في إشعال الفتنة في السودان؟
في ظل حالة الاحتقان والانسداد السياسي وبعد أشهر من التوتر السياسي والعسكري الحاد في السودان، استيقظ سكان الخرطوم، يوم السبت، على مشاهد من المواجهات الدامية بين الجيش وقوات الدعم السريع والتي كُتبت فصولها في كافة أنحاء العاصمة، وتمددت سريعاً إلى الولايات لتروي مرحلة جديدة في تطورات هذا الصراع، وسط مخاوف محلية وإقليمية ودولية من انزلاق البلاد إلى مربع الفوضى.
لم تكن هذه المواجهة بالأمر المفاجئ، فهي بالنسبة إلى محللين سياسيين "فتنة" نُسجت خيوطها علانية في فضاءات المشهد السوداني بواسطة بقايا نظام الإخوان والتي تتهمها دوائر واسعة بالتورط في تأجيج الخلاف بين الأجهزة العسكرية وجرها إلى خيار الحرب.
ثمة هناك شواهد يستند عليها خبراء في اتهامهم لاتباع الرئيس المعزول عمر البشير بالتسبب في الحرب الدائرة الآن بين الجيش والدعم السريع أبرزها تهديدات صريحة أطلقها الأمين العام المكلف للحركة الإسلامية علي كرتي في أول ظهور له الشهر الماضي، بأن تنظيمه لن ينتظر طويلا بعد الآن، في إشارة ضمنية إلى اتجاهه نحو العنف، وتبع ذلك تهديدات مماثلة من عناصر الإخوان خلال إفطارات رمضانية في الخرطوم.
يقول المحلل السياسي محمد المختار محمد إن "الإخوان هم من يجرون الأوضاع في البلاد إلى حرب، لإجهاض الاتفاق الاطاري والعملية السياسية التي تؤدي في نهاية الأمر إلى حكومة مدنية، وخروج العسكريين من السلطة وممارسة السياسة".
يضيف مختار "لا أحد في السودان لديه مصلحة في الحرب غير بقايا النظام البائد لقطع الطريق أمام التحول الديمقراطي وتفكيك بنية تنظيمهم داخل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية".
تفاقمت التوترات وسط العسكريين بعد توقيع الاتفاق الاطاري مع قوى سياسية مدنية، وذلك بسبب خلاف حول إصلاح المؤسسة العسكرية والوصول إلى جيش مهني موحد، ومسألة دمج الدعم السريع في القوات المسلحة، إذ رهن قائد الجيش الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان الاستمرار في العملية السياسية بحسم عملية الدمج.
على وقع الخلاف العسكري، كثف عناصر نظام الإخوان المعزول نشاطهم في الساحة السودانية رافعين رايات الحرب وفتح جبهات من العداء السافر على الاتفاق الاطاري، وسط حملة تحريض للقوات المسلحة ودعوتها الى الانسحاب من العملية السياسية تحت ذريعة قصورها على مجموعة سياسية محددة.
يرى الضابط المتقاعد في الجيش السوداني خليل محمد سليمان، أن الحركة الإسلامية سعت وعملت بجهد خلال الفترة الماضية لأجل جر البلاد الى الحرب بغرض الحيلولة دون الوصول إلى اتفاق سياسي نهائي يعيد مسار الانتقال الديمقراطي وتشكيل سلطة مدنية جديدة.
يقول سليمان إن "الحركة الإسلامية معنية بشكل أساسي بما يدور في المشهد الحالي، فهي وصلت ما تصبوا اليه، وبعد أن فقدت رفاهية الخيارات كان لزاماً دخول معركة كسر العظم".
بحسب الخبير العسكري، فإن الهدف المحوري لتنظيم الإخوان ليس استعادة السلطة بالمعنى، بل خلق أوضاع فوضوية في السودان ليتسنى لهم التمتع بالامتيازات التي حصلوا عليها وضمان عدم محاسبة منسوبيه على الجرائم التي ارتكبوها خلال فترة حكمهم، ولكن في تقديره لن تمضي الأمور كما يشتهي أنصار البشير، فرغم الحرب ستنتصر إرادة الشعب السوداني.
وسعت السلطة الانتقالية التي أقالها قائد الجيش الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان بموجب قرارات 25 أكتوبر الشهيرة، الى تفكيك بنية نظام الحركة الإسلامية المعزول عبر لجنة حكومية، وتمكنت من استعادة أصول وأموال للخزينة العامة وابعاد عناصر هذه التنظيم في مؤسسات الدولة، لكن ما يزال متغلغلا في مواقع حيوية في البلاد ولديهم جيوب في المؤسسة العسكرية يحركونها في إشعال الفتنة، وفق خليل سليمان.
في ذات المنحى يذهب الباحث السوداني في شؤون الجماعات الإرهابية عبد الواحد إبراهيم والذي يقول إن "الحركة الإسلامية سعيدة ومبتهجة بالحرب الدائرة اليوم، فهي تنظر إلى قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي كخصم لدود ساهم بشكل أساسي في ابعادها عن الحكم وتراهن على كتائبها للقضاء عليه".
لم يكتفي فلول الإخوان، وفق ابراهيم، بحملة التحريض التي أوصلت البلاد الى مربع الحرب، بل تحولوا الى قيادة خطاب تعبوي ضد الدعم السريع وهم يلبسون في ذلك ثوب الوطنية الزائف ويحاولون استغلال ضعف قيادة القوات المسلحة لتجيير الأوضاع لصالحهم.
وتابع "لن تستمر فرحة الحركة الإسلامية بنجاح مخططها في اشعال نار الفتنة، فإرادة السودانيين ستكون غالبة فلا أحد يستطيع هزيمة هذه الإرادة الشعبية، فجميع المكونات المتقاتلة والمحرضة كانت سلطة حكم موحدة في وقت سابق وتمكن الشعب السوداني من الانتصار عليهم بثورته السلمية الملهمة".
من جهته، يقول المحلل السياسي أحمد حمدان إن عناصر الإخوان هم أول من بشر بقرب اندلاع حرب ضارية، فقد كتب القيادي في التنظيم عمار السجاد قبل أسبوع ناصحاً كل من يستطيع مغادرة العاصمة الخرطوم فليفعل، وهو ما يؤكد صلتهم بما يدور اليوم.
ويضيف "خلال شهر رمضان خرج فلول النظام السابق بكثافة وأقاموا إفطارات جماعية وتخللت خطاباتهم رسائل صريحة بأنهم عائدون الى المشهد السياسي في السودان، وإن كان ذلك بالعنف، وهذا الأمر يشير إلى تسبب الاخوان في إشعال نار الحرب الدائرة الآن".
وتابع "رمت الحركة الإسلامية بكل ثقلها من أجل خلق أوضاع فوضوية في السودان وهذا يمثل اخر خياراتها بعد أن فشلت كافة مخططاتها السابقة في اجهاض عملية الانتقال الديمقراطي وتقويض إرادة الشعب".