تحقيق.. مقابر وهمية ومساخيط جبس.. النهار” تفتح ملف تجارة النصب علي المواطنين وتسلط الضوء علي أحدث أساليب النصب في تجارة الأثار
مقبرة تشبه المقابر الفرعونية العتيقة، ولكنها صنعت قبل أيامٍ قليلة، بيد صانع ماهر، كان هدفه من وراء صناعتها هو تحقيق حلم الثراء السريع، جهز مقبرته وزينها بنقوش فرعونية، ودعمها بقطع من التماثيل التى قلدت لتكون أشبه بتلك التى صنعها الفراعنة منذ فجر التاريخ، واحتال بها على تجار الأثار وراغبى امتلاكها.
"تجارة الآثار" ملف شائك.. تفتح النهار أبوابه وتسلط الضوء على أحد جوانبه المظلمة، والمتعلقة بصناعة مقابر فرعونية وهمية وتماثيل مقلدة بهدف النصب والاحتيال بها.
مقبرة ونقوش فرعونية
واحدة من أغرب حالات النصب وقعت أحداثها فى محافظة بنى سويف، حيث أعد متهمين "مقبرة وهمية" ورسموا بداخلها نقوش فرعونية، بهدف الاحتيال على الراغبين في شراء القطع الأثرية، والاستيلاء على أموالهم.
المقبرة وجدت بأعلى تلة في منطقة صحراوية بقرية "الحيبة" في مركز الفشن، وأنه تم كشفها عند قيام أفراد أمن بتفقد الحالة الأمنية بالمنطقة، إذ لاذ القائمون عليها بالفرار بسيارتهم، مما أثار شكوكًا حولهم.
حفرة المقبرة يبلغ عمقها نحو مترين ومغطاة بباب حديدي بالأقفال، تؤدي إلى سرداب يضم 3 غرف تحتوي على تماثيل يشتبه في فرعونيتها، وثبت أن جميع الرسوم المنقوشة على جدران الغرف والتماثيل مقلدة (حديثة الصنع) وغير أثرية"، وتبدو وكأنها مقبرة حقيقية.
ضمت المقبرة "توابيت مصنوعة من الفايبر وتماثيل من البلاستيك، مع جدران ملونة من خشب الأبلكاش"، وكانت "كنوز المقبرة"، على وشك البيع بملايين الدولارات بغرض الثراء السريع.
نصب بأسم الآثار
دورية مرور شرطية كانت تمر لمتابعة الحالة الأمنية بمدينة نصر اشتبهت في سيارة أثناء توقفها بجانب الطريق، وبفحص مستقليها تم ضبط 3 أشخاص، وبمناقشة الأخير أقر بسابقة تعرفه على أحدهم من خلال موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" وأوهمه بعثوره على مقبرة أثرية، وطلب منه معاونته في استخراج الآثار بدفع مبلغ مالي كمقدم لأحد المتخصصين في استخراج الآثار، إلا أنه استولى منه على المبلغ المالي بمساعدة أخرين انتحلوا صفه رجال شرطة.
اختمر في ذهن الأخير فكرة التواصل مع الأول مرة أخرى من هاتف آخر في محاولة منه لاسترداد المبلغ المالي واتفقا معه على التقابل، وبمواجهة المتهمين اعترفوا بارتكاب الواقعة، وأقروا بتكوينهم تشكيلاً عصابياً تخصص نشاطه الإجرامي في النصب على المواطنين، عقب إيهامهم بعثورهم على مقبرة أثرية على خلاف الحقيقة والاستيلاء منهم على مبالغ مالية بذات الأسلوب.
خطف واحتيال وتجارة غير مشروعة
تشكيل عصابي ضم 4 أشخاص تخصص نشاطهم فى النصب على المواطنين فى تجارة الآثار، نجحوا فى النصب على مزارع بالإسكندرية، وعندما اكتشف الأخير ذلك قام بالاتفاق مع 5 أشخاص، واختطفوا شاب (صديق لأحد أفراد العصابة) اعتقاداً منه باشتراكه معهم فى النصب عليه.
نجحت أجهزة الأمن فى ضبط 9 متهمين من أفراد التشكيل العصابي ومرتكبي واقعة الخطف، وبمواجهتهم اعترفوا بقيامهم بالتواصل مع المزارع واستدراجه والتقابل معه بالأرض المستأجرة للمبلغ والاستيلاء منه على مبلغ مالي بزعم شراء "مقبرة أثرية".
وأضاف المزارع أنه عقب علمه بذلك اتفق مع باقي المتهمين على اختطاف الشاب، وإنه عقب تضييق الخناق عليه قاموا بإطلاق سراحه، وبمناقشته أيد مضمون ما جاء باعتراف المتهمين.
السجن 7 سنوات
يقول ممدوح عبد الجواد المحامى والخبير القانونى، أنه فى شهر يونيو عام 2018، نشرت الصحيفة الرسمية القانون رقم 91 لسنة 2018 الخاص بتعديل بعض أحكام قانون حماية الآثار، والذى جاء ليضع عقوبات واضحة لردع المتهمين فى قضايا تزييف الأثار.
وتابع "عبد الجواد"، وبحسب المادة 43 من القانون، فإن "كل من زيف أثرا بقصد الاحتيال يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد عن 7 سنوات، وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنية.
العصابات تحت أعين الأمن
قال اللواء عبدالرحيم سيد، الخبير الأمني، هناك إدارة عامة بوزارة الداخلية تعرف بشرطة السياحة والاثار، بها ضباط متخصيين، لديهم الخبرة الكافية لترقب وتتبع الخارجين عن القانون، الذين يحاولون تهريب والاتجار بالاثار، والتى تعد تجارة قديمة ورائجة نظرًا لما تذخر به مصر من كنوز ترجع للعديد من العصور التاريخية القديمة.
وأشار" سيد"، في تجارة الاثار هناك قسمين، قسم خاص بالاثار المقلدة، والتي يتم تقليدها للنصب علي الأشخاص بادعاء أنها أثار حقيقية، وهناك القسم الثاني، وهو الاثار الحقيقة، التى يم التنقيب عنها بواسطة العصابات فى المناطق الأثرية.
وأشارالخبير الأمني، إلي أن وزارة الداخلية تقوم بعدة حملات لضبط المتهمين والتحفظ علي القطع الاثرية المضبوطة بحوزتهم، وتقوم شرطة السياحة والاثار بإجراء التحريات وجمع المعلومات من خلال مصادرها السرية التي ترصد تحركات المتهمين في تلك القضايا وعمليات التنقيب الذين يقومون بها في مختلف المحافظات.
وعن العصابات التي تقوم بتصنيع مقابر وهمية، أوضح "سيد"، أن المتهمين يتفننوا في بناء تلك المقابر الوهمية؛ لاقناع المجني عليهم بانها حقيقية؛ لبيعها خارج البلاد بأسعار فلكية كمقبرة كاملة تحتوي علي العديد من قطع الاثار، وبالفعل تم ضبط العديد من تلك الوقائع وتم إتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
القانون لا يحمي المغفلين
فى ذات السياق يقول اللواء رفعت عبد الحميد، الخبير الأمني، أن النصابين لو استغلوا ذكاءهم وأموالهم في شيء يصلح للاستثمار كان أفضل لهم كثيرا، موجها رسالة إلى المتعاملين معهم من تجار الآثار قائلا: "القانون لا يحمي المغفلين".
وأوضح أن توعية المواطنين إعلامياً مهمة للغاية لمكافحة جرائم النصب بأثار بلدنا العظيمة، ولابد من تركيز المباحث المختصة علي الاثار حتي لا نقع في فخ تجارة الاثار الحقيقة أو المقلدة فكليهما يسببان خطرا علي بلدنا وأثارها.
وفي نهاية حديثه، وجه رسالة تحذير للمواطنين من انتشار مكالمات تليفونية ورسائل قصيرة يزعم المتصل فيها بالعثور على آثار من خلال القول «باننى وجدت قطعا أثرية وأريدك ان تساعدنى ببيعها» مشيرا الى شرطة الآثار تمكنت من ضبط 6 عصابات قامت بالنصب على المواطنين بنفس الأسلوب.
الملمس ومادة الصنع
محمد السيد مفتش أثار بقرية بهنسة بمحافظة المنيا يقول، عن تحديد مدى أثرية القطع من عدمه، أن ذلك يتم عن طريق علامات موجودة به، من الملمس ومادة الصنع، والقطع الأثرية تكون شديدة الدقة فى صناعتها، فإذا قسمت القطعة لنصفين يكونوا متطابقين، وهناك أجهزة حديثة ولكنها غير متاحة لدينا.
وأوضح خبير الاثار، إن هناك أنواع من الاثار، منها المعادن أو الأحجار أو النسيج وكل منها أساليب لمعرفة أن كانت مقلدة أم حقيقية، فمثلا فالقطع الحديدية أو الأحجار كل ما الوزن أصبح خفيف فتكون قديمة وحقيقية، وطرق نحت التمثال وطريقه كتابة الخراطيش الملكية علي التماثيل والتناسق الفني البعيد عن العيوب ودقة الحروف وطريقة رسمها وحفرها، اما بخصوص القطع المعدنية فهي تختلف علي حسب نوع المعدن.
وأشار "السيد"، الطرق التي يمكن أن نفرق بها بين القطع الأثرية الحقيقية والمغشوشة، الأولى عن طريق الوقت والممارسة التي يكتسبونها بحكم عملهم أو عن طريق دورات تدريبية يحصلون عليها، مؤكدًا أن الجامعات لا توفر مادة علمية يستطيعون الرجوع لها أو التعلم من خلالها.
والطريقة الأخرى تتم عن طريق استخدامهم للأجهزة الحديثة التي تعتمد على مادة الكربون، أو مواد أخرى تكشف المعادن والقطع الأصلية من المغشوشة، وهي الأكثر دقة، لأنها توضح جميع التركيبات التي تعتمد عليها القطع الأثرية.
تدهور الحالة الأقتصادية
قالت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الأجتماع بجامعة عين شمس، أن تدهور الحالة الاقتصادية هو ما يدفع الناس للبحث عن الآثار وبيعها، ومع وجود السوق الخارجية التي تستمر في وضع مبالغ مرتفعة مقابل قطع الآثار، سنجد حالات النصب والاحتيال متكررة.
وأوضحت "خضر" أن هذه المحاولات ليست الأولى من نوعها، ولكنها الأكثر ذكاءً، أن ما يمر به المجتمع المصري من الاكتئاب وعدم القدرة على ضبط الثبات الانفعالي، وكذلك غياب العقاب المناسب من أهم أسباب انتشار جرائم النصب علي الأشخاص وأن كان باستخدام الذكاء والبدهيه في تنفيذ خططه للنص علي المواطنين.