أسماء إبراهيم تكتب في ذكرى ميلاده: نجيب محفوظ.. الكاتب العابر للنوع*
"عدد بعينه من الكتاب يجتذب إليه السينما على نحو دال، يرجع إلى كثافة اللغة البصرية للأديب، أو إلى جاذبية عوالمه، أو تشويق موضوعاته أو ثراء معالجته." (1)
هكذا يحدد الناقد ‘‘سمير فريد’’ عوامل الجاذبية الفنية لتحويل نص أدبي إلى سينمائي، لكن أن تجتمع الحيثيات الأربع في كاتب واحد سيكون لزاما علينا الاقتراب من عالمه الروائي.
كتب محفوظ السيناريو والقصة السينمائية بخلاف الرواية والقصة القصيرة، ما يجعله نموذج متفرد في بيان فضل السينما على الأدب والعكس، ويبين تراسل الوسائط الذي نحن بصدد الحديث عنه، وكذلك يبين تراسل الأنواع الإبداعية: ماذا أضافت حرفية السيناريست للأديب والقاص؟؟
وماذا أضافت حرفة الأديب والقاص لكاتب السيناريو؟؟
إن البعد البصري ينضح في روايات محفوظ ما يجعلها مشتهاة بالنسبة لكتاب السيناريو والمعدين السينمائيين؛ لذا فهو من أكثر الكتاب الذين انتقلت أعمالهم الروائية والقصصية لفضاء السينما والتليفزيون، بل الإذاعة أيضا.
يبحث د. وليد سيف في أسباب لجوء محفوظ للسيناريو "بعد عام 1952 دفع الصمت الروائي الذي وجد محفوظ نفسه فيه عقب قيام ثورة يوليو إلى منح السينما كل طاقته التي لم يجدها تطيعه روائيا، فقد كان يشعر أن عالمه الروائي قد انقضى بقيام ثورة يوليو" (2)
في حين يعترف محفوظ نفسه أن كتابة السيناريو "نوعا من التأليف البديل.. ولا أخفي أن العائد المادي من السينما شجعني على ذلك." (3)
أيا ما كان الدافع فقد أحدث احتراف كتابة السيناريو تطويرا نوعيا في كتابة محفوظ يلمسه المتتبع لمسيرته الأدبية، كما أن رواية (اللص والكلاب) متخمة بالوصف البصري وتعج بارشادات ضمنية للمخرج، لما تحمله من وصف تفصيلي للمكان وكذلك إرشادات حركة للممثلين، لكن اللافت في الأمر أنه مع ذلك الحس السينمائي في كتابة محفوظ الإبداعية إلا أنها لم تُـخِـلَّ بالاحساس الروائي والولاء لمقتضيات الرواية كفن.
نعم .. ثمة ملمح بصري طاغٍ بالرواية، لكنك تقرأ بالأخير رواية مكتملة وناضجة.
الأجدر بالاشارة أيضا هو أن رواية (اللص والكلاب) مستوحاة من قصة حقيقية، وهي تعد معالجة أدبية لسيرة السفاح محمود أمين سليمان، المجرم الذي تصدرت أخبار جرائمه الجرائد في الفترة ما بين يوم 3 إلى يوم 16 إبريل 1960، وقد استقى محفوظ مادته الروائية من واقعة حقيقية سجلتها الصحف والجرائد المصرية، ما يفتح الباب للتساؤل حول آليات الاقتباس والمعالجة الدرامية للحدث الواقعي وهو ما قام به محفوظ عند تحويل هذه الواقعة إلى رواية. قبل أن تتحول هي الآخرى إلى خلق جديد على شاشة السينما (1962)، ثم إلى مسلسلين تليفزيونيين. (1975 و1998) متتبعين أطوار خلق القصة من خبر صحفي إلى رواية أدبية إلى فيلم سينمائي إلى مسلسل تليفزيوني. إنها تجليات عدة لنفس المادة الخام التي حلت في أكثر من فضاء إبداعي، وتراسلت وتناسلت عبر الوسائط المختلفة.
1- سمير فريد: أدباء العالم والسينما، الهيئة العامة للكتاب (2008) ص 1.
2- وليد سيف: سينما نجيب محفوظ.. الفن الجماعي والابداع المتفرد، الهيئة العامة للكتاب، سلسلة مكتبة نجيب محفوظ، العدد (15)، (2015) ص 51.
3- نفس المرجع السابق.
* مقتطف من دراستي: تأثير الوسيط المرئي على المعالجة الفنية للأعمال الروائية الأدبية.. دراسة مقارنة بين السينما والتليفزيون.
(رواية اللص والكلاب)