النهار
الجمعة 22 نوفمبر 2024 01:03 مـ 21 جمادى أول 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

حوادث

الانتحار يعتبر مُعديا.. خبيرة توضح التغيرات التي طرأت حول حالات الانتحار في مصر مؤخرا

تتزايد أخبار الانتحار يوما بعد يوم، حتى شهد الأسبوع الماضي فقط أكثر من 5 حالات انتحار، منها لشاب يدعى "أحمد ع." 21 عاما، قفز من أعلى برج التطبيقيين بالعباسية؛ لمعاناته من اضطراب نفسي حاد، وفرد أمن يدعى "محمد أ."، الذي ألقى بنفسه من الطابق الخامس بأحد مستشفيات التجمع الخامس؛ لمروره بخلافات أسرية.

كما انتحر "عبدالباسط م."، نجار مسلح في العقد السادس من عمره، شنقا بالباب الخارجي لمنزله؛ لمروره بأزمة نفسية حادة بسبب انفصاله عن زوجته، والشاب "مصطفى ت." بعدما قاد سيارته إلى النيل مباشرة فوق كوبري بالمنصورة، فمات غرقا، ومهندس بالشرقية، 26 عاما، انتحر عن طريق تناول مبيد حشري؛ بسبب رفض عائلة البنت التي أحبها الزواج منها.

• أعداد المنتحرين في عام 2018

أوضحت الدكتورة سالي عاشور، مدرس العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، لـ"الشروق"، أن آخر دراسة أجراها المركز وحاولت حصر أعداد المنتحرين في مصر كانت لعام 2018، وأجريت بعد مراجعة تقارير جميع الجهات الحكومية، مثل تقارير الأمن العام، ومركز التعبئة والإحصاء، ومعهد السموم، بجانب تقارير النيابة العامة.

وقالت إن الدراسة كانت تراجع أي تقرير لوفاة غير طبيعية، وقد وجد فريق البحث أن النيابة العامة هي الجهة الأكثر ثقة، التي تقدم البيانات الدقيقة لأعداد المنتحرين، فلا تحصل عائلة المتوفي على شهادة وفاة للمنتحر إلا من خلالها، وبالتالي يمكنها حصر أعداد المنتحرين من هذه الشهادات بدقة.

وأشارت إلى أنه ووفقا لإحصائيات تقارير النيابة العامة التي فحصتها الدراسة، فإن أعداد المنتحرين في مصر ليست في زيادة منتظمة، بل أنها أقل من معدلات منظمة الصحة العالمية.

ووفقا للدراسة، تصدر "الشنق" و"القفز من أعلى"، أكثر وسيلتين تم استخدامها للانتحار في المجتمع المصري خلال الفترة من عام 2001 إلى 2018، يليها السموم، خاصة باستخدام المبيدات الحشرية، التي حصلت على المرتبة الأولى في السموم التي استخدمها المنتحرون في الفترة من 2017 إلى 2019؛ وذلك لسهولة الحصول عليها.

وتركزت حالات الشروع في الانتحار في الفئات العمرية من 15 إلى 30 عاما، بينما تركزت حالات الانتحار الفعلية في الفئات العمرية من 20 إلى 40 عاما، بحسب ما ذُكر في دراسة مركز البحوث الجنائية والاجتماعية.

وأكدت الدراسة أن وفيات الانتحار بين الذكور مرتفعة عن الإناث، وعن هذا قالت عاشور: "نسبة الانتحار بين الرجال أعلى من السيدات على مستوى العالم، فالأرقام العالمية هي أن الرجال تنتحر بنسبة تساوي 3 أضعاف نسبة النساء، وفي مصر تمثل أعداد الانتحار بين الرجال ضعف أعداد النساء، ولكن لا نعلم الأسباب وراء ذلك بعد".

وأشارت إلى عدم توقف حالات الانتحار على الرجال والسيدات البالغين فقط، بل شمل الأطفال أيضا، حيث أوضحت أن الإحصائية التي استخلصتها الدراسة، وجدت أن الفئة العمرية من 15 إلى 29 هي الفئة الأكثر شروعا في الانتحار، بينما تنجح الفئة العمرية من 20 إلى 40 عاما في الانتحار بالفعل، مما يعني أن هناك أطفال شرعوا في الانتحار وآخرين انتحروا بالفعل، مؤكدة أن الألعاب الإلكترونية كانت السبب الأول في انتحار الأطفال.

زيادة أعداد المنتحرين عن عام 2018

أما عن الوضع الحالي في مصر، أشارت عاشور، خلال حديثها لـ"الشروق"، إلى إجراء تحديثات على أرقام الدراسة، حيث ارتفعت نسبة الانتحار من 1.3 لكل 100 ألف شخص في عام 2018، إلى 2.1 لكل 100 ألف شخص في 2020، أي أن النسبة زادت من انتحار شخص لكل 100 ألف في عام 2018، إلى انتحار شخصين لكل 100 ألف في عام 2020.

وشرحت أن الدراسة الأولى التي أجراها مركز البحوث الجنائية والاجتماعية في 2018 كانت "استكشافية" عينتها من داخل إحدى القرى المصرية، بينما يجري المركز حاليا دراسة جديدة وفقاً للتغيرات التي طرأت على المجتمع، على عينة من الشباب من جميع أنحاء جمهورية مصر العربية.

وقالت، لـ"الشروق": "بالرغم من تزايد أعداد المنتحرين خلال هذه الفترة، إلا أننا لم نصل إلى مرحلة الظاهرة، وما سيثبت ذلك هو نتائج الدراسة الجديدة التي نجريها حاليا، فنحن نقرأ أخبار المنتحرين على مواقع التواصل الاجتماعي بكثرة، ولكن لا نعلم هل هذه الأرقام تمثل الواقع، أم أن هناك تركيز فقط على نشر مثل هذه الأخبار، وما يحدث على أرض الواقع مختلفاً".

وأضافت: "الانتحار في العلوم الاجتماعية يعتبر مُعديا، فكلما نشرنا عن الانتحار، زاد التقليد لمن لديه ميول انتحارية، كما أن المجتمع يصبح عنيفا بشكل عام يوما بعد يوم، فوسائل التواصل الاجتماعي لها طابع انتشاري، ففيديو عنيف مثل "ذبح نيرة" عندما ينتشر بين الناس سيسبب هزة في المجتمع، وهو فيديو حقيقي وليس دراميا، وكل ذلك يثير من لديه مشكلة نفسية واستعداد للعنف وإيذاء النفس لأن يقوم بنفس الفعل ويؤذي نفسه أو غيره".

لماذا يفضل المنتحرون القفز من أعلى؟

وأوضحت أن الظروف الاجتماعية بمصر لم تتغير منذ إجراء مركز البحوث الجنائية والاجتماعية لدراسته عام 2018، وبين الدراسة التي يجريها حالياً، فمازالت لا تحتوي الأسرة أبنائها، ومازالت مواقع التواصل الاجتماعي هي الحل أمام المئات للهروب من الواقع ومشكلات الحياة، مشيرة إلى أن الأمر تطور للأسوأ، فبعدما كان يستنكر الناس أفعال العنف، أصبح يوجد نقاش محتدم بين من يبرر العنف والقتل ومن يرفضه، مؤكدة أن هذا الجدال عندما ينتقل إلى الأرض الواقع، سيكون تأثيره غير محمود.

وصرّحت بأن منظمة الصحة العالمية أقرّت بأن التناول الإعلامي الخاطيء للأزمات، وتوفر وسيلة الانتحار من أكثر الأسباب المؤدية للانتحار، ولهذا فضّل أغلب المنتحرين مؤخرا إلقاء أنفسهم من الأعلى.

وقالت، لـ"الشروق": "الشنق والقفز من أعلى يمثلان أكثر وسائل الانتحار انتشارا، ويرجع ذلك إلى توفر الوسيلة، فقد لاحظنا أن أغلب المنتحرين في الفترة الأخيرة يميلون إلى القفز من فوق كوبري، أو من فوق برج القاهرة، وذلك إما للفت الانتباه للقفز من مكان مشهور، أو ببساطة لأن القفز من أعلى هو الوسيلة المتاحة أمامهم في هذه اللحظة التي قرروا فيها إنهاء حياتهم، فالشخص الذي ينتحر يكون قد وصل إلى مرحلة اليأس، فلن يخطط كيف ينتحر، بل سيقدم على الانتحار بأي شكل وبسرعة".