النهار
الإثنين 30 ديسمبر 2024 09:53 مـ 29 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

مقالات

شعبان خليفة يكتب : المستندات تكشف المستور فى تصفية قلعة «الحديد والصلب»

شعبان خليفة
شعبان خليفة

تكشف المستندات التى بين أيدينا وتؤكد الوقائع التى رصدناها أن تصفية شركة الحديد والصلب بحلوان ليست قرارًا مفاجئًا ولا موتًا بالسكتة القلبية جرى الإعلان عنه مع أول أيام العام 2021 فى جمعية عمومية عادية لكنه وحسب تقارير الجهاز المركزى للمحاسابات ورد الشركة عليها والتى تمت مناقشتها فى محضر اجتماع الجمعية العامة العادية لشركة الحديد والصلب المصرية المنعقدة فى 15 أكتوبر 2019 وكذا محضر اجتماع الجمعية العامة العادية لشركة الحديد والصلب المصرية المنعقدة فى 11 نوفمبر 2019 فإن قرار عدم استمرارية الشركة التى تجاوزت الخسائر المتراكمة لها الـ9 مليارات جنيه كان توصية من الجهاز المركزى للمحاسبات الذى سجل فى ملاحظاته الواردة بتقريره عن الشركة "أن هناك شكا جوهريا فى استمرارية الشركة فى ظل عدم قدرتها على سداد الالتزامات والمتطلبات المالية وهو ما يظهر جليًا فى تراكم المديونيات للموردين الرئيسيين للشركة والبالغة نحو 5 مليارات و372 مليون جنيه العام 2019 مقابل 4 مليارات و500 مليون العام 2018 منها 3 مليارات و531 مليون لشركة الغاز ومليار و271 مليونًا لشركة الكهرباء و462 مليون جنيه لشركة الكوك و126 مليون جنيه لسكك حديد مصر".

من جانبها ردت الشركة على ملاحظة الجهاز بأنها اتخذت بعض الخطوات لتحسين الوضع المالى للشركة وبدأت بالفعل فى تسديد المديونيات التى عليها بواقع 6 ملايين جنيه شهريًا لشركة الغاز و6 ملايين شهريًا لشركة الكهرباء، هذا فضلًا عن دراسة استغلال الأصول غير المستغلة وإعادة هيكلة العمالة والتى بدأت بالفعل لينخفض عدد العمال بالشركة من 7997 عاملًا عام 2018 إلى 7502 عاملًا عام 2019.

هذا فضلًا عن العمل على تحصيل مديونيات مستحقة لدى الغير تبلغ 88 مليون جنيه ومراجعة ديون معدومة قدرها 205 ملايين جنيه.

تدهور

وحسب الجهاز المركزى للمحاسبات، فى تقريره عن العام المالى 2019/ 2020، تدهورت نتائج أعمال شركة الحديد والصلب، إذ انخفضت مبيعات الشركة خلال أول 4 أشهر من العام المالى الحالى لتصل إلى 265 مليون جنيه مقابل 368 مليون جنيه خلال الفترة المماثلة من العام الماضى بنسبة انخفاض 28% على أساس سنوى.

وحققت الشركة خلال الربع الأول من العام المالى الحالى خسائر بلغت 368 مليون جنيه، وهو الأمر الذى جعل الجهاز الرقابى المصرى يشكك فى قدرة الشركة على الاستمرارية، لعدة أسباب بينها عدم القدرة على سداد الالتزامات والمتطلبات المالية، وهو ما يظهر جليًّا فى تراكم المديونيات للموردين الرئيسيين للشركة، البالغة نحو 5.4 مليار جنيه العام الحالى.

أصول ضخمة

لكن رغم هذا التدهور فى إنتاج وأداء الشركة الناتج عن أخطاء كارثية متراكمة ابرزها عدم الإحلال والتجديد للمعدات وعدم تطويرها مما انعكس على الأعطال التى وصلت إلى تعطل 92% من معدات الشركة إلا أن مجمع مصانع الحديد والصلب بحلوان هو بمثابة أكبر مجمع لصناعة الحديد والصلب فى مصر فهو ليس فقط أول شركة فى الشرق الأوسط، تأسس عام 1954 بقرار من الرئيس عبد الناصر كمجمع كامل للحديد والصلب فى مدينة التبين بحلوان لكنه صرح يمتلك أصولًا ضخمة قادرة ليس فقط على استمراره بل قادرة على النهوض به.

حيث تمتلك شركة الحديد والصلب أصولا ضخمة غير مستغلة، منها أراض شاسعة تصل إلى 1489 فدانًا منها 790 فدانا بحوزة الشركة وضع يد بمنطقة التبين، وكذلك 654 فدانا وضع يد بالواحات البحرية، إضافة إلى 54 فدانا مشتراة من الشركة القومية للأسمنت منذ عام 1979، وقطعة أرض بمساحة 45 ألف متر مربع بأسوان نتيجة تسوية نزاعها مع شركة الصناعات الكيماوية "كيما".

بالإضافة إلى كميات ضخمة من الخردة تصل إلى 600 ألف طن، بالإضافة إلى جبل التراب الذى يحتوى على خردة تقدر بـ700 ألف طن، قدّرها وزير قطاع الأعمال هشام توفيق فى سبتمبر 2019، بنحو 5 مليارات جنيه.

كما أن مجمع الحديد والصلب، وملحقاته، يتضمن فى مكوناته الأساسية (وحدة للأفران العالية بعدد 2 فرن عال– وحدة تلبيد– وحدة للصلب– توسعات فى وحدة درفلة الشرائط– وحدات لتصنيع جلخ الأفران العالية– المسبك– أفران حرق الجير والدولوميت– وحدة حراريات الدولوميت– وحدة تحضير خردة الحديد– المعامل والورش والمخازن المختلفة– وحدة خدمات الغاز– وحدة الأكسجين– وحدة البخار والهواء المضغوط– أبراج التبريد للمياه الصناعية– محطة القوى الكهربائية).

هذا إضافة إلى مشروعات تكميلية تابعة للمجمع العملاق، مثل معهد التبين للدراسات العليا المعدنية ووصلات سكك حديد وأحواش وشبكة تغذية مصانع حلوان بالكهرباء ومحطة المياه بالتبين.

دعوى قضائية

فى تطور جديد ضد تصفية الشركة أقام على أيوب، المحامى، دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة، طالب فيها بوقف تنفيذ القرار الصادر بتصفية شركة الحديد والصلب المصرية.

واختصمت الدعوى التى حملت رقم ٢٣٢٦١ لسنة ٧٥ ق، رئيس مجلس الوزراء، ووزير قطاع الأعمال ورئيس مجلس إدارة شركة الحديد والصلب المصرية، والممثل القانونى للشركة القابضة للصناعات المعدنية.

حيث تعد شركة الحديد والصلب المصرية بحلوان، شركة ذات بعد استراتيجى، كونها الوحيدة التى تنفرد بإنتاج الحديد الزهر من الخامات المحلية المأخوذة من خام مناجم الواحات البحرية، إلى أن تحوله إلى منتج نهائى قادر على المنافسة فى الأسواق العالمية، وتعتمد تكنولوجيا التصنيع فى الشركة على استخلاص الحديد من خاماته الأولية وأى تصفية لها تعنى تشريد قرابة 8 آلاف عامل.

الوزارة ترد

صرح بهذا الحجم لابد أن يثير خبر الإعلان عن تصفيته قلقًا عماليًّا وشعبيًّا، وقد أصدرت الوزارة بيانًا للرد على ما يثار بشأنه تبرر فيه قرار التصفية الذى اتخذته الجمعية العامة للشركة فى 11/1/2021.

وجاء الرد من خلال استعراض دراسة قامت بها الشركة القابضة للصناعات المعدنية عام 2019 ما يشير إلى أن قرار التصفية يتم دراسته من فترة وليس وليد اليوم.

لقد كانت الشركة تحقق أرباحًا حتى عام 2003 لكن تقرير الشركة القابضة يصفها بأنها أرباح هامشية فى أغلب السنوات خلال الفترة من عام 1997 / 1998 حتى الفترة 2002 / 2003 لأنها لا تعبر عن الواقع، حيث كانت الشركة تقوم باستخدام الفروق الدائنة نتيجة لإعادة تقييم الأصول (الأراضى) والتى بلغت 4092 مليون جنيه وذلك لتحقيق أرباح وهو ما كان مثار اعتراض من الجهاز المركزى للمحاسبات. أما الأرباح التى حققتها الشركة خلال الفترة من 2006/2005 حتى عام 2010/2009 فقد تأثرت بإيرادات عرضية غير متعلقة بالنشاط مثل إيرادات سنوات سابقة ومخصصات انتفى الغرض منها، وفى حالة استبعاد هذه الإيرادات تتحول هذه الأرباح الى خسائر وقد تعدت الخسائر فى العامين التاليين 2018/ 2019 و2019/ 2020 حاجز الـ1500 مليون و1000 مليون جنيه على التوالى.

ويعتبر السبب الأساسى لتحقيق تلك الخسائر تقادم التكنولوجيا المستخدمة وانخفاض تركيز الحديد المستخرج من مناجم الشركة فى الواحات والذى لا يتعدى 50% فى المتوسط، مما يساهم فى الاستهلاك الكبير من فحم الكوك والغاز فى العملية الانتاجية وتضخم التكاليف المباشرة، حيث إن التركيز المطلوب للانتاج بصورة اقتصادية هو فى حدود 60%، كما أن سوء حالة الأفران والتوقفات المتكررة للفرن الرابع (وصلت الى 92%) قد ساهمت فى ارتفاع استهلاك الطاقة، حيث وصل نصيب الطن المنتج من عناصر الطاقة فى الحديد والصلب 44,3 مليون وحدة حرارية بريطانية مقابل 20,6 مليون وحدة حرارية بريطانية/طن فى المصانع المنافسة، وذلك بخلاف الكوك الذى يصل نصيب الطن منه بالنسبة لشركة الحديد والصلب 1300 كيلو مقابل متوسط عالمى لاستهلاك الطن من 300-600 كيلو.

محاولة إنقاذ

الشركة القابضة للصناعات المعدنية تتحدث فى تقريرها عن محاولات إنقاذ منها فى عام 2014 تكليف الاستشارى العالمى تاتا ستيل المتخصص فى هذه الصناعة بعمل دراسة شاملة لأوضاع شركة الحديد والصلب بتكليف من الشركة القابضة، وأصدر تقريره موضحا نوعية الأعمال المطلوبة لتطوير الشركة متضمنة المناجم والمصانع بالأفران وتقدير حجم الاستثمارات المطلوبة آنذاك. وتم الانتهاء من إعداد كراسة الشروط عام 2015 ولكن تأخر الطرح إلى منتصف 2017 وتم فتح العروض الفنية فى نهاية عام 2017.

فى بداية عام 2018 تم الاستعانة بشركة تاتا ستيل مرة أخرى لتحديث الدراسة التى أعدتها فى 2014 نظرا لمرور 4 سنوات من تاريخ اعداد التقرير الأول، وتم تلقى التقرير المبدئى فى يوليو 2018 والذى أشار إلى حدوث أضرار كبيرة فى الأفران نتيجة سوء التشغيل خلال الـ4 سنوات وعدم قدرة الاستشارى على تحديد حجم الضرر وبالتالى سبل الإصلاح، كما أشار إلى مدى واسع جدا للاستثمارات المطلوبة. وطلب الاستشارى تشغيل الأفران بالطاقة القصوى لمدة 3 أشهر متصلة مع رصد النتائج يوميا وهو ما لم تتمكن إدارة الشركة من عمله إذ بلغ مدى التشغيل المستمر 12 يوما فقط.

وفى الربع الأول من عام 2019 تم دعوة بعض الشركات العالمية المتخصصة لتطوير وإدارة الشركة لمدة 20 عاما بتمويل لا يقل عن 100 مليون دولار، مع تقديم الحوافز لها وأهمها تقليص العمالة إلى 4 آلاف عامل وسداد مديونيات الشركة والبالغة حينذاك حوالى 6.5 مليار جم، وتم سحب كراسة الشروط من 5 شركات وتقدم عرض وحيد على أساس مقاولة EPC وليس شراكة كما كان مطلوبا فى الكراسة.

بالتوازى مع محاولة البحث عن الشريك المتخصص كانت هناك إجراءات هيكلة ذاتية تقوم بها الشركة القابضة بإشراف من الوزارة منها تسوية بعض المديونيات المتزايدة على شركة الحديد والصلب للجهات السيادية والبنوك والشركة القابضة والتى تعدت الـ9 مليارات جنيه، وتم بالفعل تسوية مديونيات لبنك مصر ووزارة البترول بقيمة 1.2 مليار جنيه.

مخاوف

قالت وزارة قطاع الأعمال العام فى تبريرها للتصفية إنها سعت لوقف نزيف خسائر الشركة ومحاولة تطويرها دون جدوى.

وردت على التخوف من تأثير تصفية شركة الحديد والصلب بحلوان على السوق، فأشارت إلى أن انتاج الشركة البالغ 112 ألف طن سنويا يمثل أقل من 1% من حجم السوق حيث إن الاستهلاك يتراوح بين 7 و8 ملايين طن سنويا، وحجم الطاقة الانتاجية فى مصر حوالى 11.8 مليون طن سنويا، ويتم استيراد حوالى 2 مليون طن بأسعار أقل من المحلى.

أما حقوق العمال- حسب وزارة قطاع الأعمال- فهى محمية بموجب القانون كما أن الوزارة أعلنت أكثر من مرة أن البرنامج يراعى أولا حقوق العاملين وهو ما حدث فى حالة تصفية شركة القومية للأسمنت على سبيل المثال.

كما أن إجراءات البيع والتصفية يحكمها القانون بشكل تفصيلى كما تشرف عليها جهات رقابية على رأسها الجهاز المركزى للمحاسبات، سواء فى شركة الحديد والصلب أو أى شركة أخرى لأن القانون لا يختلف حسب حجم الشركة أو أهميتها.

ويمكن تلخيض خطة وزارة قطاع الأعمال لتبرير التصفية فى استخدامها أموال البيع فى إعادة تأهيل الدلتا للصلب باستثمارات قدرها 850 مليون جنيه وتحويل 6 ملايين متر تملكها شركة حلون للصلب للتطوير العقارى فضلًا عن بيع معدات الشركة وكذا الخردة الخاصة بها فى مزادات علنية ولن يتم توزيع العمال على شركات أخرى لكن سيتم منحهم تعويضات حسب القانون.

رفض عمالى

من جانبهم نظم عمال شركة الحديد والصلب بحلوان وقفة بمقر الشركة رفضًا لقرار التصفية وطالبوا الدولة بالتدخل لوقف قرار التصفية الذى سيترتب عليه تشريد حوالى 8 آلاف عامل مع ضخ أموال لتطوير الشركة، والقضية مرشحة لمزيد من التفاعلات.