شعبان خليفة يكتب : الزعيم و جوليت .. قصة عشق
هذا الرجل علامة بارزة فى تاريخ مصر .. ، الدماء التى جرت فى عروقه نطقت بحبها .. ، كرات دمه طرزت و جسدت هذا الحب افعالاً و اقولاً .. جنازته كما حياته قصة عشق بلغ طولها 12 كيلو متر فى اقل التقديرات ..، بينما كان فى العشرين من عمره ، فعل ما لا تقوى عليه وزارة خارجية كامله لديها كل الأمكانيات من مالٍ ، و رجالٍ ..فى شهر يوليو فقط من العام 1895 ذهب ليلقى خطباً فى باريس ، و برلين ، وفينيا... فى اعرق جامعات أوربا ، و على رؤساء تحرير صحفها، وساستها كان مصطفى كامل فى السنة النهائية بكلية الحقوق بفرنسا ، و صرخ فى أوربا كلها يدين صمتها على احتلال الأنجليز لمصر... قال لهم إن جلوب المسئول عن التعليم منذ قدومه لمصر مع الاحتلال ، و هو يتبع سياسة لعينة لتخريب التعليم ونشر الجهل و التخلف و يسعى للقضاء على المدنية والتحضر ، و يبذل كل جهده ليقضى على الشعور القومى... قلص المدارس من 230 مدرسة ابتدائية وعالية قبل الاحتلال إلى 18 مدرسة فقط.. ، أما نظارة الداخلية فأن المستشار الانجليزى بها لا عمل له سوى القضاء على روح التسامح واستبدالها باثارة الفتن التى لم تعرفها مصر من قبل بين المسلمين والمسيحيين ، أما مجلس شورى القوانيين فأن الاحتلال يتدخل فى اختيار مرشحيه ليعملون فى خدمته ، أما العدل فى مصر فلا وجود له بفضل وزارة العدل التى الغت قاضى التحقيق و استبدلته بالنيابة العامة التابعة لهم ، و فضح مصطفى كامل أكاذيب اللورد كرومر التى يروجها فى العالم و نشرت الصحف الأوربية خطب مصطفى كامل ، حتى غدت مصر و قضيتها فى صدر الصفحات الأولى .لم يكتف مصطفى كامل بالخطب بل كتب رسائل لكل النافذين فى صناعة القرار فى أوربا ، ومن الرسائل التى لفتت نظرى رسالته إلى مدام " جولييت آدم " صاحبة المجلة الأشهر فى فرنسا فى ذلك الوقت " لانوفيل رويفو " يقول فيها : إنى لا أزل صغير السن و لكن لى آمالاً كبار إنى اريد أن أوقظ فى مصر الهرمة ، مصر الفتاة ، إنهم يقولون إن وطنى لا وجود له و أنا اقول لهم إنه موجود.. إننى يا سيدتى اشعر بحب له يطغى على كل حب سواه و ساجود فى سبيله بكل قواى و افديه بشبابى واجعل حياتى وقفاً عليه إنى ابلغ من العمر 21 سنة و قد نلت إجازة الحقوق من طولوز – جامعة فرنسية - و أريد أن اكتب و اخطب وانشر الحمية والإخلاص اللذين اشعر بهما فى سبيل الوطن العزيز ورفعته و قد قيل لى إنى احاول المستحيل..، و الواقع أن نفسى تصبو إلى هذا المحال فاعينينى يا سيدتى فأن وطنيتك بلغت حداً يجعلك تفهمينى و تقوين عزيمتى و تشدين ازرى . ) ثم طلب مقابلتها فرحبت و كان لقاءًا ودوداً قالت عنه إن مشروعاته الجرئية تبدو ممكنة و مستحيلة فى وقت واحد و إن الناظر إليه يظن أن خلق ليتغذى من حماسه الشخصى هو يستحق المساعدة بل الوقوف إلى جانبه شرفاً عظيماً قال لها مصطفى كامل إن قضية استقلال بلادى تملك علىّ كل كيانى فارشدينى و انصحى لى.. كان مصطفى كامل يعرف نفوذ و علاقات مدام جولييت بكل دوائر صنع القرار فى فرنسا ومنذ هذا اللقاء اعتبرت مداد جولييت مصطفى كامل ابنها وكان يطلق عليها أمى الروحية كرست على اثر اللقاء كل جهدها لأجل مصر و فتحت للزعيم الشاب كل الأبواب و سهلت له كل الاتصالات و قررت عام 1904 زيارة مصر لتؤكد حبها لها و قالت إننى ازور بلدى أبنى .. كان مصطفى كامل يرى قوة مصر فى عمالها و فقرائها لأنهم الأغلبية ، وكان منحازاً لهم .. من جميل مقولات مصطفى كامل فى هذا الصدد
( إن الفقراء هم قوة الأمة و ساعدها العامل وهم الذين يحملون الأغنياء على اكتافهم فأن أخلوا بهم يوماً اسقطوهم إلى اسفل سافلين )
لم تجد صحف انجلترا رداً على الزعيم مصطفى كامل سوى الترويج لمزاعم أنه ليس مصرياً بل اصوله تركيه والأجدر به أن يتوقف عن المطالبة باستقلال مصر لأنه لا يحق له المطالبة باستقلال بلداً ليس بلده فرد بجملته الخالدة " لو لم أكن مصراً لوددت أن أكون مصرياً " و مضى لغايته بكل السبل ، حتى لقى ربه فى الساعة الرابعة من 11 فبراير من العام 1908 لتشهد مصر جنازة بلغ طولها بحسب تقديرات الصحف العالمية التى نعته 12 كيلو متر تقريبا و رفع طلاب مدرسة الحقوق الجسد عالياً ملفوفاً فى علم مصر و كان مرئياً للجموع التى بكت على فقدها الزعيم الوطنى كما لم تبك من قبل .