موجز أعلام الصعيد 1- الدكتور نصار عبد الله .
بقلم : حمدى البطران
يعد الدكتور نصار عبد الله قامة طويلة وسامقة , في عالم الفكر والسياسة والأدب.. عاش حياته كلها ثائرا ومعارضا للنظام.ولكنها المعارضة الواعية المسببة التي تعرف مواطن التقصير . لا شك أن الثقافة المصرية خسرت كثيرا بتجاهل هذا الرجل عندما لم تفكر بالإستفادة من ثقافته في العمل العام .
آثر نصار عبد الله السكن في الجنوب بعيدا عن جنون القاهرة وزحامها , ليس هروبا منها , بل اقتحاما وتحملا للمسئولية , والتواجد في الجنوب , لمن لا يعلم متعة تضفي علي المفكرين نوعا خاصا منصفاء الذهن , وتمنحه الفرصة للتفكير العميق . ونوع نادر من ترويض النفس البشرية علي تحمل مآسي بلدنا وقسوة حياتنا . حاولت كثيرا الوصول اليه , ولكن كان هناك نوع من المعوقات الحياتية , تتعلق بي , وبه ايضا , يجعلني اراقبه من بعيد , وفضلت ان أبحث عن , من خلال ما كتب عنه , وما كتبه هو . وعندما فتحت معجم الباطين للشعراء العرب المعاصرين , وهو معجم لا يتعامل مع الشعراء بصفاتهم القطرية, بل بالصفة العربية العامة, وذلك من خلال ترتيب المعجم هجائيًا دون النظر لتقسيم الجنسيات والدول..فوجدت الآتي عن شاعرنا الدكتورنصار عبد الله :
الدكتور نصار محمد عبدالله نصار (مصر).ولد عام 1945 في البداري ـ محافظة أسيوط.
تلقى تعليمه قبل الجامعي بالبداري ـ أسيوط, ثم التحق بكلية العلوم ـ جامعة أسيوط, وإنتقل بعدها إلى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ـ جامعة القاهرة وتخرج فيها 1966, ثم حصل على ليسانس الآداب في الفلسفة وعلم النفس 1971, وماجستير الفلسفة 1977, وليسانس الحقوق 1978, ودكتوراه الفلسفة من كلية الآداب جامعة القاهرة 1982 .عمل محرراً بمصلحة الاستعلامات, ثم باحثاً اقتصادياً بالبنك المركزي المصري, ويعمل الآن أستاذاً جامعياً بكلية الآداب بسوهاج.دواوينه الشعرية : الهجرة من الجهات الأربع 1970 ـ قلبي طفل ضال 1978 ـ أحزان الأزمنة الأولى 1981 ـ سألت وجهه الجميل 1985 ـ ما زلت أقول 1989.
أعماله الإبداعية الأخرى : الجفاف (مسرحية) 1986.مؤلفاته : فلسفة العدل الاجتماعي ـ أعلام الفلسفة السياسية المعاصرة ـ فلسفة برتراند راسل السياسية ـ ما الروح ـ بين الفلسفة والأدب ـ القانون الوضعي والقانون الأخلاقي ـ عظماء وأحلام مزعجة, وغيرها.
حصل على جائزة الدولة التشجيعية 1992.
من لا يعرفه , هادئ ووديع ومسالم , ليس فارع الطول , ولا شديد القصر , ولا تظهر عليه اي علامة ظاهرة, من علامات العبقرية التي اتعبنا بها الإيطالي لومبروزو , في علوم القانون فبينما يراها البعض علامات عبقرية , يراها الأخرون علامات إجرام , إنها نفس العلامات التي طبقها العقاد في كتبه التي نشرها عن الصحابة , رضوان الله عليهم ,فأنت عندما تلمح نصار عبد الله ستجد في عينيه الواهنتين بريق غامض , يغريك بالإستماع اليه , يتكلم بهدوء , ولا يميل للتشنج , وعندما يناقشك يستمع إليك جيدا ليعلم كيف تفكر , ثم يفاجئك بفيض من المعلومات في كل ما تتحدث فيه حتي لو كان عن شفرة دافنتشي أو لوحات مايكل انجلو . إلمامه بالتاريخ إلمام الباحثين , والمامه بالفنون إلمام فنانين , يناقشك في تفاصيل لا تخطر لك بال , إنها الذاكرة القوية التي يتمتع والتي ساعدته كثيرا علي النبوغ والتفرد , غير أن دولتنا ومجتمعنا لا يحفلان كثيرا بهذا النوع من الإبداع المسالم اللين والهادئ , دولتنا وحكومتنا تريد من يهجم ثم يقفز ثم يعض , ثم ترضيه بمنصب , كما يرمي الجزار بعظمة بها بقايا لحوم لكلب , ثم ينهره بعيد عنه , لأجل هذا إكتفي كاتبنا الرائع بمنصبه العلمي وعموده في مجلة الفجر والمصري اليوم . يطل منهما علي اصدقاءه وقراءه ومحبيه وعشاق افكاره ومتابعيه .
يغريك بالإقتراب منه والحديث معه , ويتقبلك بسهولة , ليس فيه علامات مميزة تميز عبقريته التي لا تظهر الا عندما يأمن اليك , ويشعر أنك مثقف مثله , عندها سيتدفق إبداعه وفكره , وتفهم ما يقول , عندئذ لن تمل أبدا من الحديث معه , يشعرك بالدفئ الإنساني العميق وكانكما تعارفتما منذ زمن بعيد , مع اول مرة تقابله .
إنحدر من عائلة عانت الكثير من رذيلة الثأر , التي منيت بها معظم عائلات مصر الكبري والصغري علي حد سواء , ولم تنج منها الا العائلات البورجوازية باذخة الثراء والمناصب , والتي يسير في ركابها العديد من العائلات من حملة السلاح والعصي لحراسة حقولهمم ومنشآتهم التي ظلت منذ فجر الدولة المصرية الحديثة منذ عصر اسماعيل , حتي باغتتها ثورة يوليو ومزقتها لصالح الطبقة المعدة , والتي صارت اكثر عدما ,
المعاناة هي ما اكسبت كل شعراء وكتاب وفناني الجنوب عندنا نوعا خاصا من التفكير , يخصهم وحدهم , وجعلهم يحاولون , بدون ان يقصدوا , إصلاح الجو الفاسد حولهم , ومقاومة شبح الموت الذي يتربص بالأبرياء ويفتك ,والهروب منه , ومع ذلك لا يكتبون عنه , وإنغمسوا في الكتابة عن الجنس والدين والتقاليد العربية التي وردت من الشرق , والتماهي فيها و والتوغل في تهويمات شعرية تستعصي علي الفهم .
غير أن كاتبنا الدكتور نصار عبد الله , خرج من هذا النفق , واصبحت له نظرية فلسفية تخصه لايعبر عنها مباشرة , ولكنه يعبر عنها من خلال قصائدة , ففي الوقت الذي نجد فيه بعض الشعراء المعاصرين يوغلون في الرمزية ، وتتحول بعض قصائدهم إلى نوع من الأحاجي والتهويمات ، وبلوغ درجة كبيرة من الغموض الشديد الذي يصل إلى حد الإبهام والغموض الذي تنقطع فيه الصلة بين المرسل والمتلقي ؛ لأن الرسالة غامضة تختلط فيها الرموز الغامضة مع الأساطير الغريبة ، والتي لا تصل إليها مخيلة المتلقي وثقافته في بعض الأحيان , ومن هنا يلجأ نصار إلى مخاطبة هذه العقول البكر في لغة سهلة ، تجمع بين العمق الشديد والبساطة الساحرة التي تجعل من هذا العمل الشعري مناسباً لكل المراحل السنية والعمرية . ومن لا يعرف نصار عبد الله , فليقرأ قصائده , التي اودع فيها فيها أفكاره وفلسفته .
أنت الذي سمى الهزيمة بالهزيمة
أنت الذي نفض الغبار عن القلوب
فلم يجد غير الغبار
أنت الذي رفع الستار عن الستار عن
الستار ..
هتك الإزار فكان أن لا قبلة ترجى ,
ولا قدس يزار
أنت الذي ما عاد يكتب غير للأمل المؤمل
في الصغار
مازال يكتب للصغار كي يطهرهم ،
من الجن التي صاغت ملامحها أكاذيب الكبار
يتبع