النهار
الإثنين 30 ديسمبر 2024 09:44 مـ 29 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

مقالات

رثاء جيل أم رثاء صديق ؟!

شعبان خليفة
شعبان خليفة

 

رحل الصديق أحمد الدسوقى " أبو ابراهيم " كما كنا نداعبه فى قسم التحقيقات بعد أن رزقه الله مولوده ابراهيم واللقب للزميل طارق درويش الذى كان من طقوسه شرب كوب شاى بالحليب وكان يبرر هذا بأهمية اللبن للركب جمع ركبه حيث الكالسيوم ضرورى للعظام ..كثيرون عرفوا أحمد الدسوقى  الباسم دوماً فى أحلك الظروف واصعبها ..صوتٌ هادىء إذا انفعل احمر وجهه وكفى فهو صاحب صوت خفيض لا يعرف " الزعيق "  .. عرفت أحمد مبكراً فى الأحرار الاسبوعى فى صالة تحريره فى 19 شارع الجمهورية التى تضم كل العاملين بالجريدة باستثناء رئيس التحرير وسكرتاريه التحرير ابرزها الصديقين محمد عبدالمنعم وخالد القشيرى ..صالة التحرير هذه التى كل مكاتبها حديد من أنتاج شركة  ايديال يقع فى نهايتها مكتبين أحدهما لعصام كامل مدير التحرير وسليم عزوز صاحبه  وعدد من المكاتب الأخرى احدها لأسامة الكرم رئيس القسم الاقتصادى الذى دس مادة الصفحة ليلة زفافة فى جيب بدلة الفرح ليسلم الصفحة فى حفل الزفاف الذى وافق موعد تسليم الصفحة والصديق سعيد جمال الدين محرر السياحة والفن وعدد أخر يذهبون ويعودون ..كان أحمد يعمل فى مكتب السياسة الكويتية فى عهد محمد مصطفى لتستمر الحياة فالصحف المصرية كانت أكثرها مسخرة بعضها بيشغل الشباب بدون مقابل أو بمقابل يسمونه كشف أنتاج سعر الخبر او التحقيق يساوى وجبة فول وطبق بيض عيون يعنى ممكن مكافاة الشهر تكون 18جنيهاً مثلاً

المهم صدر الأحرار اليومى  وانضم أحمد الدسوقى رحمه الله إلى قسم التحقيقات وهو قسم ضخم كان عدده يقترب من 50 محرراً يتنافسون على صفحة واحده نجح الصديق عصام العبيدى رئيس القسم من زيادتها  إلى صفحتين ثم ثلاثة ..كان تركيز أحمد على قضية التطبيع فى كل المجالات من البذور الزراعية للفراخ للفن للثقافة ....الغريب فى احمد أنه لم يكن يشكو من الحياة على قسوتها على الجيل كله ..بل كان صاحب ابتسامة دائمة ..المرة الوحيدة التى اكتشفت فيها متاعب أحمد كانت عندما عملنا فى الوقائع العربية التى كنا نصدرها شهرية مع الصديق الاستاذ  أسامة شرشر كنت مدير تحريرها وخططنا لتكون نصف شهرية ثم اسبوعية وقد تم بالفعل  وقمنا بالاستعانة بعدد من الزملاء كل منهم مسئول عن صفحة كان الصديق أحمد الدسوقى يعد الصفحة الاقتصادية وهو صحفى محترف صاحب قلم رشيق من العنوان للمقدمة للمتن كان الاتفاق مع الاستاذ اسامة شرشر هو دفع الاجور عدداً  بعدد  يصدر العدد فيحصل الناس على أجورهم كانت الصفحة بـ 150 جنيهاً وكان ذلك مبلغ جيد فى هذا الوقت فقد كنا جميعاً ننتظر صدور العدد باعتباره انفراجه فى وقت مناسب منتصب الشهر وآخره لحد ماتفرج

عمل أحمد رحمه الله فى صحف كثيرة وترأس تحرير بعض الصحف و ترأس قسم التحقيقات فى الأحرار وقدم نموذجاً ممتازاً سواء على مستوى الأفكار أو تنفيذها ..رغم موهبته وقدراته ..كان انكسار الأحرار انكساراً لجيل كان كافراخ فى عش رفضت مغادرة العش رغم العواصف التى كانت تهب فتسقط أوراق الشجرة وتصبح كالتينة الحمقاء ضنت بثمارها إلا على الشلة أو القلة التى على قمتها وهم أقل من عدد اصابع اليد الواحدة ..

شخصياً رحلت مبكراً من الاحرار قبل 17 عاماً من الآن عملت خلاللها فى صحف عديدة  و أخذت طريقاً أخر حتى صدرت النهار 2007 لاتولى منصب رئيس التحرير التنفيذى بها  ..كان أحمد يعمل فى عدة أماكن هنا وهناك لكن توقف الأحرار اليومى كان موجعاً له وآخرين كانوا أكثر تعلقاً من غيرهم بالتجربة ..كان وجعاً له مرارة فى الحلق و ألما فى القلب ..لم يكتب أحد تفاصيله بعد و للأسف لغياب الجريدة لا أحد يتدخل حتى لحسم مصير تأمينات العاملين بها  ما تركهم فريسة اظن تعفف الكثير من الزملاء يدفعهم لتحمل الملح على الجرح دون آه واحده ....ودون الحديث عن نتائج الماساة

مأساة فى الحياة ..ماساة فى الموت ..ولست اعرف هل سيحصل أطفاله على معاش أم سيعانون من جبروت التامينات والمعاشات الى أهملت وضيعت مصير زملاء كثر فى صحف كثيرة  توقفت فى ظروف غامضة  ولا أحد يريد أن يقترب من هذا الملف الشائك اللهم إلا الحديث فى أوقات انتخابات نقابة الصحفيين ثم يطوى النسيان كل شىء على طريقة  محمود درويش

تُنسى، كأنَّكَ لم تَكُنْ

تُنْسَى كمصرع طائرٍ

ككنيسةٍ مهجورةٍ تُنْسَى،

كحبّ عابرٍ

وكوردةٍ في الليل .... تُنْسَى

أَنا للطريق...هناك من سَبَقَتْ خُطَاهُ خُطَايَ

مَنْ أَمْلَى رُؤاهُ على رُؤَايَ. هُنَاكَ مَنْ

نَثَرَ الكلام على سجيَّتِه ليدخل في الحكايةِ

أَو يضيءَ لمن سيأتي بعدَهُ

أَثراً غنائياً...وحدسا

تُنْسَى, كأنك لم تكن

شخصاً, ولا نصّاً... وتُنْسَى

 

موضوعات متعلقة