النهار
الأحد 6 أكتوبر 2024 08:18 صـ 3 ربيع آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

رياضة

«بن همام» أقنع «بلاتر» بأن مصلحته فى دعم ملف قطر

 

كيف يمكن لدولة صغيرة ليس لديها أى تاريخ رياضى أن تحصل على تنظيم أكبر بطولة دولية لكرة القدم فى العالم؟ الأمر بسيط.. ولكن حين تتعلق المسألة بالأموال التى تمتلك قطر منها كميات لا تنتهى، بفضل مخزون الغاز الهائل لديها، الذى مكنها من أن تصبح من أغنى الدول الخليجية، الدولة التى يفضل البعض أن يطلق عليها «الدولة القزم»، استطاعت أن تجذب أنظار العالم إليها بسهولة، ليس بسبب إنجازاتها العظيمة وإنما بسبب الاتهامات بالفساد ودفع الرشاوى فى سبيل الوصول إلى غاياتها، الحلقة الأخيرة من سلسلة الاتهامات الموجهة إلى الدولة الصغيرة، كانت تلك التى تتعلق بحصولها على حق تنظيم بطولة كأس العالم لعام 2022، حيث إن العرض الذى قدمته قطر لاستضافة البطولة لم يكن على قدر العرض الأمريكى بكل تأكيد، ولا حتى العرض النيوزيلندى الذى كان يعد ثانى أفضل العروض المقدمة لاستضافة البطولة، ورغم ذلك استطاعت «الدوحة» الحصول على حق تنظيم البطولة، وهو ما أثار الشبهات حول استخدام الأموال والرشاوى واستغلال العلاقات الهائلة التى تمتلكها «الدوحة» للحصول على حق تنظيم «كأس العالم».

رغم أن الاتهامات بدفع الرشاوى تراجعت بعض الشىء فى الفترة ما بين 2011 و2013، عادت الاتهامات من جديد بسبب سقوط قتلى فى أوساط العاملين فى إنشاءات كأس العالم فى قطر، ولم تعد الاتهامات تقتصر على دفع الرشاوى والفساد فقط، وإنما وصلت إلى اتهامات بارتكاب انتهاكات لحقوق العمال وعدم توفير ظروف عمل ملائمة للعمال القادمين من دول آسيا الفقيرة.

أحدث حلقات الكشف عن سلسلة الفضائح التى تطال قطر فى السنوات الأخيرة، هى كتاب «اللعبة القبيحة.. مخطط قطر لشراء كأس العالم» للكاتبين الإنجليزيين بجريدة «صنداى تايمز» البريطانية، هايدى بليك وجوناثان كالفيرت، حيث أعدا تحقيقاً استقصائياً استغرق شهوراً كاملة للوصول إلى حقيقة الصفقة التى تمت بين قطر وقادة الاتحاد الدولى لكرة القدم «فيفا»، لضمان التصويت لصالح «الدوحة»، فى التصويت الذى انتهى بفوز قطر بـ6 أصوات زائدة على عدد الأصوات التى حصل عليها العرض الأمريكى.

تبدأ رحلة شراء الأصوات لصالح قطر من الاتحاد الأفريقى لكرة القدم، ولأن «بن همام» كان يدرك جيداً طبيعة هذا الاتحاد، أدرك أنه عليه البدء من القاع إلى الأعلى وليس الدخول مباشرة إلى أصحاب الأصوات الأربعة فى «فيفا»، وبالفعل بدأ مخططه من «كوالالمبور» حيث يقع مقر الاتحاد الآسيوى لكرة القدم، فأرسل مساعده الشخصى محمد المشادى، لسحب مبلغ 200 ألف دولار أمريكى من حسابات الاتحاد الآسيوى لكرة القدم، الذى كان يديره «بن همام» وقتها -بحسب الكتاب- وكأنه جزء من مكتبه الخاص ينفق الأموال أينما أراد.

وبالفعل، دعا «بن همام» أعضاء الاتحاد الأفريقى لكرة القدم إلى «كوالالمبور» بعد أن انتهى الاجتماع السنوى لـ«فيفا» فى سيدنى، وقد كانت هذه الدعوة كاملة التكاليف والإقامة، إضافة إلى أنه تمت استضافة أعضاء الاتحاد فى فنادق خمس نجوم، وتم منحهم مظاريف مغلقة تحتوى على أموال لاستخدامها خلال فترة الاستضافة فى «كوالالمبور»، وتم إغداق الهدايا عليهم قبل أن يتوجه «بن همام» لاستقبالهم، وبعدها أخذهم فى رحلات سياحية فى أنحاء المدينة، ولأن «بن همام» كان فى حاجة إلى وسيط يفتح أمامه المجال لقلوب الأفارقة، لجأ إلى وظيفته السابقة كرئيس لصندوق «جول» التابع لـ«فيفا» الذى كان يمول الاتحادات الفقيرة فى أنحاء العالم، والذى تعرف من خلاله على شخص يدعى آمادو ديالو، الذى يتمتع بعلاقات صداقة مع أغلب أعضاء الاتحادات الأفريقية، وبالفعل نجح الوسيط فى فتح المجال أمام «بن همام» لتسهيل مهمته.

وبعد أن غادر أعضاء الاتحاد الأفريقى «كوالالمبور»، أمر «بن همام» أعضاء الفريق المالى الخاص به بتحويل مبالغ مالية إلى حسابات أنجورين موكارافو، رئيس اتحاد «بنين» لكرة القدم، إضافة إلى حسابات ثلاثة آخرين من رؤساء الاتحادات الأفريقية، دون أن يخبرهم عن سبب تلك التحويلات، كان «موكارافو» هو مفتاح «بن همام» لـ«الأفارقة»، حيث كان عضواً فاعلاً ومؤثراً فى اللجنة التنفيذية للاتحاد الأفريقى لكرة القدم.

بعدها بأيام، بات يبدو أن خطة «بن همام» فى طريقها إلى النجاح، وبالفعل بدأت الرسائل الإلكترونية تنهال على الحساب الشخصى لـ«بن همام» تشكره على حسن ضيافته، ومن بين تلك الرسائل، تلك التى أرسلها محمد آيا رئيس اتحاد الكاميرون لكرة القدم، والتى كتب فيها: «استمتعنا كثيراً بالرحلة، وفريقك كان رائعاً على كل المستويات، ولم تتركوا أمراً واحداً يعكر صفو زيارتنا إلى كوالالمبور»، فى حين أن الأمين العام لاتحاد ساحل العاج الذى كان يرأسه جاكبوس أنوما الذى يعد أحد أهم الأصوات فى لجنة «فيفا»، كتب يقول إنه يعتبر ضيافة «بن همام» بمثابة صداقة رائعة لا يمكن تعويضها. وحتى إيزيتا ويزلى، رئيسة اتحاد ليبيريا لكرة القدم، التى كانت تلقب بـ«المرأة الحديدية» فى أوساط زملائها، أرسلت له تشكره على حسن ضيافته.

لم تمر سوى بضعة أيام قليلة حتى انتشرت الشائعات كالنار فى الهشيم، فالصحف ووسائل الإعلام باتت تتلاسن بشأن حقيقة كرم الضيافة الذى أبداه «بن همام» وما إذا كان يستعد لخوض انتخابات «فيفا» للحصول على كرسى الرئاسة، ولأن دعم «بلاتر» له فى مسعاه كان ضرورياً، بادر «بن همام» بإصدار بيان عن الاتحاد الآسيوى ينفى شائعات نيته الترشح لرئاسة الاتحاد الدولى، وقال صراحة إنه يدعم «بلاتر» ويتمنى أن يترشح لدورة أخرى. وبالفعل نجحت خدعة «بن همام»، وبعدها بساعتين وصلته رسالة أخرى من «زيوريخ» هذه المرة من «بلاتر» نفسه، قال فيها: «أخى العزيز.. شكراً لك على ثقتك وتحياتى لك»، فرد عليه «بن همام» قائلاً: «أخى العزيز ورئيس الاتحاد.. كما حدث فى الماضى.. يمكنك دوماً الاعتماد على ولائى فى المستقبل».

ولأن الاستضافة الأولى نجحت فى نصب خيوط الشباك لأعضاء الاتحاد الأفريقى، قرر «بن همام» تكرار التجربة ودعا إلى زيارة جديدة فى أكتوبر من عام 2008، وأرسل «المشادى» من جديد لسحب 130 ألف دولار من حسابات الاتحاد الآسيوى. حاول «بن همام» أن يبدو أكثر ودية مع ضيوفه، فدعاهم إلى إحضار زوجاتهم وأطفالهم معهم، وحصل كل واحد منهم على مبلغ 5 آلاف دولار أمريكى فور أن وصلوا إلى المطار، إضافة إلى الهدايا الأخرى التى تم إعدادها لهم. ونجحت الزيارة للمرة الثانية على التوالى من خلال بناء شبكة علاقات قوية داخل الاتحاد الأفريقى ومحاولة الاقتراب من رئيس الاتحاد آنذاك عيسى حياتو، الذى كان يعد أحد الأعمدة الرئيسية اللازم الحصول على دعمها للملف القطرى.

بعد تلك الرحلة، بدأ أعضاء الاتحاد الأفريقى يقعون فى شباك «بن همام»، فأرسل سيى ميمين نائب عيسى حياتو فى تلك المرحلة، إلى «بن همام» يطلب منه تمويل رحلة حج إلى السعودية له ولزوجته، وعلى الفور أمر «بن همام» مدير أعماله فى قطر بتحويل مبلغ 22.400 دولار لتغطية مصاريف الرحلة والفنادق والإقامة للاثنين. وبعدها بدأت الطلبات تتوالى الواحد تلو الآخر، حيث طلب رئيس اتحاد سوازيلاند آنذاك آدم مثيثوا الحصول على تمويل بمبلغ 30 ألف دولار، وعلل هذا الطلب بأنه خرج لتوه من مجال السياسة ولن يحصل على معاشه سوى بعد أن يتم الـ55 عاماً، وبالفعل تم دفع هذا المبلغ.

مع حلول فبراير من عام 2009، سجلت قطر رسمياً رغبتها فى دخول المنافسات للحصول على حق تنظيم كأس العالم، وهو ما قابله رؤساء الاتحاد الأفارقة بالقبول بالفعل، فبعد أيام قليلة من إعلان قطر رسمياً المشاركة فى المنافسات، أرسل فضل الحسين رئيس اتحاد جيبوتى لكرة القدم، رسالة إلكترونية إلى «بن همام»، جاء فيها: «صديقى العزيز.. سعدت كثيراً بما سمعت.. وأنا معك حتى النهاية.. ومتأكد من أن الصومال والسودان وجيبوتى واليمن سيدعمونكم فى مسعاكم.. يمكنكم الاعتماد علينا فى تلك الحرب التى ستخوضونها»، وهو ما يبرره الكاتبان بأنه نتاج طبيعى لحصول «الحسين» على مبلغ 30 ألف دولار كنفقات علاجية على حساب «بن همام»، فى حين أن رئيس الاتحاد الصومالى حصل على 100 ألف دولار فى حسابه البنكى، بينما طلب الاتحاد السودانى الحصول على دفعات للجمعية العامة للاتحاد، فى حين تم ترتيب دفعات أخرى لاتحاد كرة القدم فى جزر القمر، ودفعات أخرى للاتحاد اليمنى.