الحوار المذهبي.. دعوة جديدة من شيخ الأزهر للحوار فهل من نتيجة؟

دعوات الحوار المذهبي الأسلامي لا يمكن رصدها في حركة التاريخ لما لها من اصداء عديدة، من مؤسسات رسمية وغير رسمية وافراد، فالدعوة ليست حديثة المنشأ. بل هي دعوة مستمرة في التاريخ الأسلامي لدواعي سياسية في اغلب الأحوال، فحتى وان كانت مصر في فترة من الفترات تجمع العديد من المذاهب وبخاصة في العصر الفاطمي الا ان اندثار تيار وصعود تيار فقهي اخر لم يكن لدعوة مجتمعية خالصة، بل دعوة سياسية وفرمان سلطاني!
على الرغم من اتباع العديد لفكرة الحوار الا انها لم تتخطي على مدار تاريخها سوى الدعوات للأخر، دون إتخاذ أي إجراء، نتيجة لتعنت البعض في فرض أفكاره وايدولوجياته ومحاولة أكتساب أكبر قدر ممكن من التابعين والمريدين! لتحقيق سيادة وزعامة يتجلى بداخلها سلطة سياسية وأقتصادية على الأغلب.
الخلاف المذهبي.. التأصيل معروف ولكن يتشابك الفقهي والأصولي إلى حد يصعب إنفكاك أحدهما عن الاخر!
لم يكن في الاصل هناك خلاف، ولكن تداخل السياسة مع الدين في فترات معينة من التاريخ الاسلامي، وايضاً احتكاك الفكر الأسلامي ببعض الثقافات الخارجية صنع أتجاهات جديدة لفهم النصوص الدينية والتراثية، منها ما هو قائم على مناهج صحيحة ومنها ما تم تأويله لخدمة الأيدولوجية التاريخية للأستخدام السياسي.
الخلاف المذهبي لم يأخذ اهميته في القرن الاول الهجري والثاني تقريباً، وذلك لدابة اعتماد مناهج البحث والتقصي في الأخبار الدينية للوقوف على أحكام شرعية فرعية تخص مناطق زمنية مختلفة، مختلفة من حيث التاريخ وقدرتها على استيعاب الأفكار الواردة لهضمها بداخل الثقافة بدون تهميش التراث التاريخي للمجتمع وبلا محايلة على النصوص.
فكانت المذاهب وقتئذ تنقسم إلى مذاهب أصولية ومذاهب فقهية، لم تكن المشكلة الاكبر في المذاهب الفقهية في تلك المرحلة بل كانت في المذاهب الاصولية، ووجود حركات فكرية تحاول إعمال العقل في النص الديني في محاولات عديدة لتشكيل أصول الدين، تلك الأصول التي اتت بثمارها في بعض المجتمعات ولم تأت في مجتمعات أخرى كنتيجة للفرض السياسي على اعتناق مذاهب الحكام.
فأصبحت المذاهب الأصولية هي الموجهة للمذاهب الفقهية بل وايضاً مسيطرة عليها سيطرة كلية بالتمام، فأصبح النص اسير فرد او مؤسسة تعمل من أجل نشر نفوذها ومصالحها على حساب العوام!
و سعت بعض المؤسسات الأخرى للإحتفاظ بما تم اكتسابه أكاديمياً وعلمياً عن طريق تمريره وتطويره إن أمكن مع المحافظة على ثوابت تم اعتمادها من قبل مجموعة من كبار الشيوخ المؤسسة.
هناك اتجاه ثالث فصل الدين ككل عن الحياة السياسية ولكن مع ذلك يستطيع أستخدامها بشكل متوار لأكتساب سلطة جديدة، سواء كانت سلطة نفوذ سياسية لتحقيق اكبر استفادة ممكنة.
والحقيقة ان كل تلك الأختلافات لم تلتقي على مر التاريخ سوى في صور أشتباك فقط، ولم تكن هناك دعوات لتوحيد الصف الا بعد وجود أحداث تفرض نفسها على تلك المؤسسات دعوات التلاحم وشد الأزر!
دعوات الحوار.. دعوات على ورق لم تتخذ اي شكل إجرائي وتحمل معاني ضمنية مجهولة!
لن ألجاء في هذا السياق في كتابة كلمات شمولية بدون توثيق بعض الأحداث التي كانت من شأنها إحداث تغيير سواء بالإيجاب او بالسلب في المناطق الخاضعة لها، فعلى سبيل المثال في أواخر عام 2012 أقيمت دعوة لنبذ الخلافات المذهبية والتعصب الديني بسوريا في دولة لبنان، وذلك للأقتران الكبير بين الشعب السوري واللبناني في تلك المرحلة.
على الرغم من كونها دعوة رسمية من سلطة سياسية تحاول رأب الصدع ولكن كانت اصداء النعرات القبلية والشعارات الدينية اقوى وهو ما نراه الأن في سوريا. مما يجعلنا نتسأل؛ هل تلك الدعوات تنشأ قبيل أزمة تترأى في المستقبل ام انها هي سبب الأزمة عن طريق محاولة كسب الكل في جعبة واحدة لتحقيق أهداف سياسية على حساب الأيدولوجية المجتمعية؟!
هناك دعوة اخرى أطلقها شيخ الأزهر عام 2022 للتقارب والحوار المذهبي المتمثل في قطبي السنة والشيعة، وهو الأمر الذي قوبل بالترحيب من الدكتور حميد شهرياري الأمين العام لـ المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، بلا اي حضور او تمثيل او حتى رد من المؤسسة الدينية الشيعية في ايران!
وحتى وان كانت الدعوات السياسية تأتي بنتائج اكثر قوة – ولو على سبيل التأييد او الرفض الشعبي - على سبيل المثال زيارة الرئيس الإيراني لمصر في عام 2013 ولكنها لم تثمر حيث كانت المؤسسة الداعية ليست على قدر كاف من القدرة على تنسيق وعمل لقاءات للحوار المذهبي، بل كانت بمثابة إعلان تبعية دولة لأخرى من خلال السماح بتدفق الأيدولوجية المغاييرة وسيطرتها على المجتمع المصري مستعيناً بسلطة صناع القرار السياسي حينئذ!
الأمل في رأب الصدع.. أمل مؤسسي ام أمل أيدولوجي؟
محاولة لفرض اي وصاية ايدولوجية تؤدي لكوارث مجتمعية كبيرة، سواء كانت لحظية ام مؤجلة، فكل إجراء سياسي لا يلقى القبول او ينفذ بسلطان القوة يلاقي رد فعل مضاد، ما يلبث ان يتحول لمرثيات او حتى عنف. ولن يصلح حل ايدولوجي على المستوى المجتمعي، حيث يتأثر العوام بالمجاهيل اكثر مما هو معلوم في الدين بالضرورة، وكمحاولة لطرح حل يتناسب مع كافة الاطراف قد يلقى القبول هو ان النخبة نفسها هي من تتولى هذا الشأن.
من يحدد أيدولوجية المجتمع هم النخبة، المثقفين في كافة الفروع المعرفية والعملية، فإن تم عقد جلسات للحوار مع مناقشة كافة تفاصيل الخلاف ومفصليات الأختلافات الفقهية في كل من المجتمعان المتقابلان سيؤدي ذلك لتوليد ايدولوجيات جديدة، قادرة على فهم وأستيعاب ايدولوجية الأخر، وستبقى تتطور لعقود ليست طويلة حتى يظهر جيل قادر على فكرة الأختلاف، بل والتعايش معها، ومعارضتها وتفنيدها عقلياً ومذهبياً، بلا اي داع لأجراء سلطوي او حتى دعوات، سواء كانت داخلية او خارجية.
ولكن للأسف ستظل الدعوات مقامة، بلا اي إجراء حقيقي للتغيير، بل سيظل ايضاً دعوات الكراهية وان كانت غير معلنة موجودة، وستظل فكرة إقصاء الاخر لكونه يعتنق افكار معارضه للمذهب الذي يرتأيه البعض الدين نفسه، وذلك موطن العوار.