النهار
الأحد 19 يناير 2025 04:42 صـ 20 رجب 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

ثقافة

بعد نجيب محفوظ وعباس العقاد.. من يصنع ثقافة المصريين!

نجيب محفوظ وعباس العقاد
نجيب محفوظ وعباس العقاد

في محاولة للبحث عن صناعة الثقافة في مصر من خلال النخبة المثقفة نفسها ذهبنا إلى ابعد من ذلك، إلى البحث عن المؤثرين في المجتمع المصري بكافة أطيافه عن طريق الكلمة، الكلمة التي إذا صِيغت كونت جملة، ما بين شعر ونثر ورواية وقصة وغيرها..، ولكن بما أن الرواية والسرديات الأدبية هي الكلمات الواصفة لحال البشر وتؤثر فيه ايضاُ فسعينا للبحث عن أثارهم في الأيدولوجية المصرية كمؤثر فعال وحالة لوصف الواقع بتفاصيله الدقيقة.

بعض الكُتاب حاولوا عرض قضايا ومناقشتها بل وطرح حلول لها، تلك لقضايا تناولت كافة جوانب الحياة الأنسانية المعبرة عن حال الأنسان المصري، والبعض الاخر حاول إنزال المعرفة من برجها العاجي ليتناولها العوام سعياً لأرتقاء مجموعة جديدة لأحتلال موقع النخبة، وبالتالي يتحول المجتمع إلى مجتمع مثقف ومنتج لنخبة جديدة تحتل مكانتها في المجتمع عند اللزوم.

كتب

أعتقد أن صناعة الثقافة في مصر حرفة بالغة الصعوبة، من حيث تكوين المثقف منذ مرحلة النشء وحتى البلوغ العقلي والوصول للأستنارة الحقيقية، والتي تؤهله للخوض في مضامير الحياة بشكل يتلائم مع تطوراتها ومستجداتها، وهو الأمر العسير.

فالنخبة دورها تشكيل نخبة جديدة لأستكمال المسيرة، بل وتجاوز الواقع احياناً، وبالنسبة للثقافة فقد لعب الأدب وبالأخص الرواية الدور الأكبر نظراُ لأنتشره بين جمهور عريض في المجتمع ولسهولة تداوله، وبخاصة في ظل التطور التقني الهائل الذي سمح بأستجلاب المعارف من كافة أقطار الارض، في الفترة الماضية لعب اديب نوبل دوراً هاماً في هذا المضمار، من حيث تكوين المخيلة لدى الجمهور، وطرح الإشكاليات في صورة روائية تستند للمنطق والخيال معاً، الأمر الذي يُسهل أستيعاب القضايا بشكل اكثر قبولاُ وايضاُ يطرح مساحات للنقاش في المواضيع المثارة.

نجيب محفوظ

أختلف عباس العقاد عن نجيب محفوظ في المنهج المتبع لتثقيف الجماهير، والذي رأى ان العرض المنطقي المجرد والبعيد عن اي خيالات قد تشوه عرض القضايا هو الأقرب للأعتناق والأكثر للجذب بين الجمهور، لذا فقد جاءت كتاباته على الرغم من محاولة العقاد تبسيطها بقدر الأمكان قوية تعتمد مجهود أكبر في القراءة والفهم أكثر من الرواية، وربما رأى العقاد ان الخيال قد يشوش بشكل كبير القضايا بل ويلوثها بالشوائب، وهو الأمر الذي يحتاج إلى بحث أكثر موضوعية قد نرجئه لوقت لاحق في دراسة مستفيضة.

ولكن على اختلاف العقاد مع محفوظ الا ان الغاية واحدة مع اختلاف المنهج، لذا فأتساع رقعة جمهور محفوظ اكبر، لانها قادرة على مخاطبة الجمهور بلغته والتي تعتمد على الحس والشعور والوجدان والمشاعر المضمونة في الرواية والقصة، لكن العقاد حاول الأرتقاء بجمهوره لمستوى أعلى يتدرج بالقارئ من الادنى للاعلى، اما محفوظ فهو يترك قارئه مع الأساسيات، عملاً بمبدأ لكل شخص أسلوبه ومنهجه الذي يحتكم إليه بمفرده.

عباس العقاد

صناع الثقافة الحاليين!

اعقتد وبشكل كبير ان الثقافة اصبحت صناعة عسيرة ونادرة، لعدة اسباب: اولها ان المحتوى الرائج هو السائد، ومحاولة تتبع "التريند" هو ما حول تلك الصناعة إلى تجارة اكثر منها تعلقاً بالعائد المعنوي منها، ثانيها عدم تحقيق العائد المادي المتوقع لجأ بالعديد من صناع الثقافة للتحول عن الطريق، وإتخاذ طرق أخرى لتحقيق العائد المادي المأمول للأستمرار. ثالثهما ان النخبة إتخذت مسارات جديدة تعتمد على التكنولوجيا لنشر اعمالهم تاركين ورائهم كم غفير من ايادي الصناعة دون التفكير فيهم او في مستقبلهم، بل وتحول ايضاُ البعض من النخبة لعرض مزادات على اعمالهم والتي يُقبل عليها الجمهور بغزارة، فبدلاً من تسهيل السعي للعوام في الألتحاق بالنخب نجد ان النخبة بنفسها من تضع الصعوبات التي تمنع تكوين نخب جديدة في المستقبل! رابعهما ظهور بعض المنصات او المراكز الخاصة والتي تعتني بالشأن الثقافي لتحتكر اعمال النخب القديمة والحالية والتي تستطيع بواسطة ذلك الاحتكار فيما بعد من طمس تلك الاعمال في غياهب الفضاء وكأنها لم تكن، ربما ليس كل تلك المراكز تقصد ذلك بشكل مقصود ولكنها شاءت ام لا فهي تمنع تداول تلك الأعمال بحجة الملكية. خامسها ان عوائد تلك الاعمال الفكرية والادبية لا تعود بكامل النفع على مبدعها، بل توزع ويكون النصيب الاكبر لمنتج العمل، لذا فبالرغم من صدور الاعمال بأسم صاحبها الا ان عائدها المادي لا يغطي احتياجاته، ولا يمكن تحقيق الغرض منها الا بالأنتنشار والذي هو في يد المنتج نفسه والقائم على توزيع ونشر تلك الاعمال في كافة البقاع.

صناعة الكتب

تلك ليست كل المعوقات بل هي اكثر من ذلك بكثير، ولكنها بعض ما يعوق الصناعة بالشكل الأكبر.

لذا ففي ظل تلك المعوقات والازمات والمستجدات تحولت صناعة الثقافة إلى ثقافة الصناعة، اي من إبراز اعمال ادبية وفكرية رشيدة مؤثرة إلى صناعة رموز أدبية تستقطب الجمهور، اي بتحول الكاتب إلى ايقونة ورمز لجمهور عريض يهتم بتلك المواضيع التي يثيرها الكاتب نفسه، بل واعتماد الوصفة السحرية التي يقدمها الكاتب في كل اعماله القادمة،

من هنا تحولت صناعة الثقافة والمثقفين إلى ثقافة ومثقفين الصناعة، وهم النخبة التي استخدمت معرفتها في توجيه الجمهور والتحكم فيه بل وأحياناً التلاعب به لتحقيق اغراضهم من ربح وخلافه، ولا نقصد هنا التعميم بل هم قلة ولكنهم متصدري المشهد الثقافي في مصر.

لذا ستكتشف ان صناعة الثقافة هي بيد من يملك وليس من يكتب.

نجيب محفوظ

حلول قد تفضي لتحسن المشهد

الكتابات الأكاديمية لا نختلف على أهميتها وقوتها، نظراُ لقيام المتخصصين بها، بل وايضاُ لتعرضها لوسط النخبة فتنشئ حالة من الاحتفاء او الرفض وهو المعيار الأساسي للنهوض. ولا اعني بذلك إلغاء الدور المختلفة للنشر وغلقها، بل طرح منافس قوي حقيقي قادر على تشكيل الهوية بما يتناسب مع ماضيها لرسم مستقبلها. مقصدي هنا هو الأستفادة من المراكز الاكاديمية الرسمية وغير الرسمية في وجود دار نشر خاصة لها، تنشر الاعمال المهمة، باختلاف مناحيها، بل وتنقيحها ومراجعتها من نخبة حقيقية متمرسة في المجالات المختلفة، وتعتمد على الوسائل الحديثة بخبرة شباب واعدين، وبمساعدة وزارة الثقافة عبر منافذها في نشر تلك الأعمال والدراسات للجمهور والباحثين بأسعار تتناسب مع حجم الطلب وتساهم في ابراز النخب المطمورة وتساعد في الدخل المادي لتلك المؤسسات.

كتاب جدد

فالغاية النهائية هي التثقيف وليس الربح، ولا يمكن تثقيف جمهور يرى ان الثقافة بعيدة المنال بسبب صعوبة الحال. وايضاً لا يمكن تثقيف الجماهير دون النزول إليهم للأرتقاء بهم.

موضوعات متعلقة