الثقافة المصرية.. هوية الأزمة وأزمة الهوية
مصر على مر التاريخ وهي دولة قوية ومستقلة، لا تلبث ان تستفيق فترة حتى يحدوها الأخطار من كل جانب، نظراً لطبيعتها الجغرافية والسياسية والأجتماعية وخلافها. امتيازها بكونها من أوائل الحضارت التي فهمت شكل الدولة وسعت لتأسيسها عبر المناهج العلمية المعروفة انذاك، الأمر الذي جعلها بمثابة قبلة لحضارات ومجتمعات اخرى لأستجلاب تجربتها منها.
المميز في الموضوع ان مصر برغم ازماتها عبر العصور الا انها قادرة على التفكير من داخلها على معالجة الأزمة التي تعصف بها، بس وتتجانس معها ايضاُ في بعض المرات لتحول الأزمة إلى انتاج جديد بملامح جديدة ويصبح عنصراً جداداً في تشكيل الثقافة المصرية. فمصر على مر تاريخها استطاعت هضم الثقافات المغايرة بداخلها واخراجها بشكل جديد يتوافق مع العقلية الجمعية المصرية، الا في حالة واحدة فقط.
تلك المقدمة لبيان مدى قدرة الثقافة المصرية على تشكيل هويتها وتجديدها بناء على المتطلبات التاريخية والسياسية الجديدة التي تطرأ من وقت لأخر
محددات تشكيل الثقافة المصرية
الثقافة ليست شيء مادي يمكن وصفة بمجرد تعريف لفظي يمكن الرجوع إليه في المراجع اللغوية المختلفة، بل هي تعريف إصطلاحي توافق عليه المجتمع وأخذ خطوات في سبيل تطوره ذاتياً من داخل المجتمع نفسه.
بل وايضاُ فرض مفاهيم أخرى مرتبطى بحقول معرفية مرتبطة بالفن والأدب والسياسة والتاريخ وخلافهم، لتحول من مفهوم خاص إلى مفهوم عام في المجتمع ويتصف أفراده بأنهم "النخبة" بحد فهم بوتمور في كتابه "النخبة والمجتمع"
هؤلاء الأفراد شغلهم الشاغل المعرفة، المعرفة بغرض المعرفة فقط، ليتسنى لهم صناعة القرار بداخل المجتمع واحياناً ارشاده وتوجيهه من خلال المعارف التي تحصلوا عليها والتي تمكنهم من مساعدة جموع عريضة من داخل المجتمع لأحتلال مكانة بداخل تلك النخبة في اقرب وقت. هؤلاء من يوجهون سلطة المجتمع ويشكلون الشريحة الأبرز لكونهم ةادرين على التأثير وإتخاذ القرار
لذا فالثقافة تتكون من الأنسان وكونه العامل الرئيسي، وايضاُ المفهوم بكافة جوانبه وتداخلاته مع الأتجاهات الأخرى
أزمة الهوية في الثقافة المصرية
للأسف نجد بعض الأتجاهات المعاصرة والتي هي نتاج احتكاك ثقافي مع مجتمعات اخرى تؤدي لتغيير بوصلة بعض الأفراد من حيث استيعاب تلك الأفكار والثقافات بما يتلائم مع الثقافة السائدة في المجتمع المصري واعتبارها ركيزة اساسية لا يمكن العبث بها ولابد من الأخذ بها كما هي دون تغيير.
بعض تلك الأتجاهات مؤدلجة والاخر مسيسة لخدمة اغراض اخرى، اغلبها اقتصادية واجتماعية، تلك الأتجاهات زادت في الفترة الاخيرة واخذت طور دوجماطيقي داخل المجتمع تعمل على تفكيكه من الداخل، فتحول النموذج المصري للأستيعاب لنموذج للرفض والأقصاء، لا يعاب على تلك الفئة المؤدلجة في اتخاذهم افكار شاذة وغريبة تتحول لدخيلة على ثقافة المجتمع المصري، بل يعاب على الفئة المثقفة والتي للأسف اخذت في الفترة الاخيرة في الخبو والأندثار واحياناً الأختفاء بسبب الخوف من تلقي نقد شخصي يتحول بعد ذلك لهجوم!
هناك مشكلة اخرى طرأت مؤخراً وهي استجلاب نماذج تاريخية في الثقافة المصرية كنموذج للحل، ولكنها للأسف تتغافل عن كون تلك المستجلبات هي بالفعل جزء من طابع الشخصية المصرية ومكون اساسي في الثقافة وبالتالي فأن استجلابها بشكل كامل هو تراجع وليس تقدم ولا يحقق النتيجة المرجوة منه، حيث سيقف المستجلب عائق امام الأزمة ولن يستطيع حلها بهذا الشكل.
هوية الأزمة في الثقافة المصرية
ازمات مصر الثقافية للأسف وارد خارجي، نتيجة لظهور افكار واتجاهات جديدة ومستحدثة اغلبها غير خاضع لنماذج مؤسسة، وكان كل فرد أصبح مؤسس لثقافته بشكل عام، والتي تتمحور كلها حول نقطة واحدة يؤول كل افكاره ومعارفه لخدمتها فقط، حتى وان كان البناء المنطقي لتأويل تلك المعارف خاطيء او مغلوط.
فالأزمات الثقافية الداخلية هي مجرد إجترار لأزمات سابقة، يتبنى البعض نموذج الازمة دون دراية تامة منه بالموضوع ويخوض فيه، مما يسبب حالة من الألهاء للمثقفين بالداخل للرد وتجاهل الأزمات الوافدة.
ارتباط الثقافة بالأزمات!
دور المثقف الحقيقي هو توضيح الخطوات التي يسير على نسقها العوام، وتدريبهم على التفكير المبدع الخلاق في تحقيق الأهداف المنشودة، ويوضح المثقف ايضاً انه على الرغم من اتجهات السعي لدى قطاع كبير من الجمهور الا انه ينبغي التنسيق حتى لا يذهب مجهود الجميع سدى في سبيل مطالب شخصية تمنع المجتمع عن الوصول للمبغتى.
فدور المثقف يكاد يوزاي دور السلطة، ولكن من ناحية السلطة المعرفية، فدور السلطة اتخاذ الأجراءات التي من شأنها تحقيق التقدم للوطن والمجتمع، اما المثقف دوره في تشكيل عقلية هذا المجتمع لكي يستطيع الرفض او القبول لتلك الإجراءات من منطلق رؤيته هو نفسه ورؤيته لسير المجتمع في تحقيق اهدافه، لذا فيتحول الفرد لعضو حيوي وفعال بداخل المجتمع، يتحول من مفعول به إلى فاعل مؤثر يصنع المستقبل