مغنية الأوبرا ”فرح الديباني” لـ”النهار”: تكريم ”السيسي” يمثل لي الكثير وغنائي أمام ”ماكرون” حدث تاريخي

موهبة أوبرالية استطاعت بصوتها الميتزو سوبرانو المميز أن تعزف على قلوب جمهورها بتوليفة عصرية ربطت فيها بين الشرق والغرب، انها "فرح الديباني" ابنة الإسكندرية و أول مغنية في العالم العربي تنضم لأكاديمية أوبرا باريس عام 2016، فبراعتها في الغناء لم تأتي بمحض الصدفة ولكن كانت وليدة غناءها بلغات متعددة فجذبت أنظار العالم وحالفها الحظ أن تسجل في التاريخ الفني بعد ترشيحها من الرئاسة الفرنسية للغناء بحفل تنصيب الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون".
ولإنجازاتها في عالم الثقافة والأوبرا كان لـ"جريدة النهار" الشرف في محاورتها، وإلى نص الحوار:
بداية، حدثينا عن طفولتك وسر حبك لفن الأوبرا؟
منذ طفولتي كان جدي يهوى سماع الأوبرا والموسيقى الكلاسيكية فزرع في قلبي حب هذا الفن ولكن البداية الحقيقية لغنائى الأوبرالي كانت في المدرسة الألمانية بالإسكندرية على يد معلم الموسيقى الألماني الذي كان يهتم بالموسيقى الكلاسيكية والأوبرا، فأخضعني لإختبار في عامي الثالث عشر وأخبرني أن طبقة صوتي تتناسب مع الغناء الأوبرالي فتولى تشجيعي وتدريبي.
فمنذ ذلك الحين وبدأت عائلتي بإشراكي في دروس غناء أوبرالي وتشجيعي على خوض المجال، وكانت طفولتي مزيجا بين الرياضة، الفن الكلاسيكي، تعلم البيانو في الكونسلفاتوار، تعلم الباليه والغناء صولو في كورال المدرسة، إلى أن تم اكتشافي على يد معلمي بالمدرسة.
وبالطبع كان للرياضة أكبر الآثر في حياتي المهنية فكنت أمارس رياضة التنس والسلة وألعاب القوى ولكن أكملت برياضة التنس وحصلت على تكريمات من مشاركتي في بطولات على مستوى الجمهورية إلا أن تركيزي أنصب في تلك الفترة على الفن والأوبرا.
كيف آثرت نشأتك بمدينة الإسكندرية في حياتك المهنية؟
الإسكندرية هي عشقي الأول فبحرها ومناخها خلق في نفسي رغبة في التخيل دوما وهذا ما ساهم في نمو الحس الفني لدي بعمق، فهي مدينة مختلفة عن أي مدينة بالعالم، فبالطبع أحب بلاد آخرى ولكن يبقى حب الإسكندرية ليس له مثيل في قلبي فأشعر براحتي النفسية هناك.
كما أن تراث الإسكندرية هام للغاية فهي مدينة جمعت بين العصر الفرعوني والروماني واليوناني ومضى عليها ثقافات وحضارات كثيرة مما جعلها مدينة ذو تاريخ قوي وتراث خالد فأنشأها الإسكندر الأكبر وخرج منها مواهب فنية كموسيقار الشعب "سيد درويش" وغيره ممن وصلوا إلى العالمية كديميس روسوس وكفافي في الشعر.
ولهذا أشعر ان السكندريين لديهم انفتاح للثقافات والحضارات الآخرى ويرحبون بالتبادل الثقافي والحضاري فضلا عن موقع الإسكندرية الجغرافي كميناء هام على البحر المتوسط في حالة حركة مستمرة فهذا من شأنه تقبل للآخر.
حدثينا عن الآثار الإيجابية في مشوارك الفني نتاج تخرجك من المدرسة الألمانية؟
المدرسة الألمانية من أحد الأسباب الهامة جدا التي جعلتني أخوض تجربة الغناء الأوبرالي واحترافي له بفضل معلمي أستاذ الموسيقى الذي شجعني على الدراسة في ألمانيا للإحتراف.
فالمدرسة الألمانية اكسبتني خبرات في العمل بجدية والإصرار على تحقيق الهدف والإنضباط في العمل وفي حياتي بصفة عامة، فتعلمت كيفية تقسيم الوقت.
من أين بدأت رحلتك الغنائية؟
سافرت للدراسة بألمانيا لاثنان من أصعب درجات البكالوريوس وهما الهندسة المعمارية والغناء الأوبرالي وكانت دراستهما سويا صعبه للغاية فكنت أذهب لجامعتين مختلفتين في برلين، ولهذا فأنا ممتنة جدا لعائلتي وما أحدثوه من تطوير في حياتي الشخصية والعملية.
وسافرت للمشاركة أثناء دراستي في مسابقات غناء أوبرالي في ألمانيا وفي البحر المتوسط في ايطاليا واليونان وتركيا بدعم من مدرستي التي لطالما ركزت على النجاح دراسيا دون إغفال موهبتي وتنميتها.
صف لنا شعورك بالغناء في حفل تنصيب الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"؟
حتما أشعر بالفخر منذ ذلك الحدث الهام فهي المرة الأولى في التاريخ التي تحدث أن يأتي رئيس دولة مثل "ماكرون" بمغنية ليست فرنسية لتغني النشيد الوطني لبلده فرنسا لذا هو أمر تاريخي حتما، وأقدم شكري وامتناني لهم لثقتهم أنني على قدر من المسئولية لتحمل الغناء في هذا الحدث، الذي وصفه الإعلام في ذلك الوقت باللحظة المصيرية التي كشفت إلى أي مدى تسعى فرنسا نحو الإنفتاح على البلاد الآخرى وترغب في التعايش معهم.
فالفرنسيين عاشقين لمصر والمصريين ولديهم ولع بثقافتنا وحضارتنا التاريخية حتى أنهم ينادونني في وسائل إعلامهم بـ"المصرية فرح الديباني" فخرا وشرفا بجنسيتي المصرية.
هل الغناء بلغات متعددة ساعدك على تحقيق الشهرة سريعا؟
بالطبع فغنائي بلغات متعددة ساعدني على الإقتراب أكثر من الجماهير المختلفة وتوسيع قطاع جماهيريتي في دول أكثر والإقتراب من ثقافتهم، فحينما ذهبت لروسيا وقمت بالغناء باللغة الروسية شعرت أن الجماهير سعيدة بإقترابي منهم فأنا تحدثت لغتهم وتغنيت بغنائهم فبالطبع الفن من أكثر الأشياء التي تزيد القرب بين الشعوب.
وحينما ذهبت لمدينة كوسوفووقمت بالغناء باللغة الألبانية وهي من أصعب اللغات، أصيب الجمهور والإعلام باندهاش لقدرتي على الغناء بلغتهم التي تعلمتها منذ شهر قبل الحفل، فشعروا أن لدي احساس قوي باللغه وليس غناءها فقط.
وعلى الرغم من حبي للغناء بلغات عديدة لكنني أحرص على الغناء بالمصرية في كل دولة أذهب إليها لأنقل لهم ثقافة بلدي مصر وحضارتها وتاريخها العريق.
ما الصعوبات التي واجهتك في غناء النشيد الوطني الفرنسي بكأس العالم لكرة القدم 2022؟
لم أكن على أهبة الإستعداد النفسي لأنني تفاجئت بموعد الحفل قبل حدوثه بيومين كما خضعت لبروفة سريعة جدا داخل الإستاد وهو فارغ من الجماهير لكن الأمر أصبح غاية في الصعوبة حينما بدأت بالغناء وأمامي حوالي 85 ألف مشاهد وأصبح من الصعب سماع الموسيقى فكان لابد أن أشعر بالموسيقى لأتماشى مع الأغنية مع اغفال صدى صوت الجماهير وغناءهم في نفس توقيت غنائي.
فهذا الأمر كان بمثابة تحدي كبير لنفسي خاصة وانها المرة الأولى في حياتي للغناء بإستاد ضخم فكنت أشعر أن تلك اللحظة الفارقة يشاهدها ملايين ومليارات من العالم، وأحمد الله أن الحدث كان على أكمل وجه.
من أكثر المطربين الأوبراليين تأثيرا في شخصيتك؟
بلاثيدو دومينجو، ماريا كالاس، ساندرا رودفنوسكي، و جيسي نورمان.
ما البلاد التي جذبتك ثقافيا؟
سؤال صعب للغاية فهناك بلاد كثيرة كاليونان، اسبانيا، ايطاليا، الهند ولكن مؤخرا أعتبر اليابان من أكثر الدول التي جذبتني ثقافتها، فكنت بها في رحلة خيرية وطالبوني بالغناء ومقابلة المتضررين من الزلزال الضخم الذي ضربها في أول العام، فتقابلت مع الأهالي ممن تركوا بيوتهم وذهبت لرؤية الأطفال بالملاجئ فكانت رحلة مؤثرة جدا، فضلا عن دولة الهند التي اعتبرها غنية بالثقافات المختلفة.
ولكن يبقى الحب الأول والأخير لبلدي مصر الحبيبة فأنا عاشقة لثقافتها وكلما سافرت للخارج، شعرت بقيمة مصر واستشعرت عظمتها وتميزها في مختلف المجالات ثقافيا وحضاريا وتاريخيا.
ما المقومات التي لابد أن يمتلكها مغني الأوبرا؟
لابد أن يتمتع بصوت قوي فعلى الرغم من تميز البعض منهم بالصوت الأضعف ونجاحهم في هذا اللون لكن يبقى المعتاد والمتعارف عليه هو الصوت القوي مصحوبا بقابلية المغني على التمثيل مسرحيا وامتلاك تكنيك قوي للغناء وهذا مايميز مغني الأوبرا عن المغني الآخر فالتكنيك لايحدث بين يوم وليلة ولكنه نتاج سنوات من التدريب خاصة مع تغير الصوت بفضل عامل السن ولهذا لابد وان يكمل المغني الأوبرالي مسيرته في متابعة التكنيك لمواكبة تغيير صوته فتكنيك الصوت هو أهم شئ لدي الأوبرالي ليعطيه استمرارية.
دور لطالما حلمتي بتأديته في أوبرا عايدة؟
أتمنى تأدية دور "امنارس" وهي ملكة مصر في أوبرا عايدة وتمتلك طبقة صوت مطابقة لصوتي فهو دور مخصص للمتزو سوبرانو والتي تتشابه مع طبقة صوت أم كلثوم التي تتميز بالصوت الرخيم.
هل تمنيتي الغناء باللهجة العامية؟
بالطبع أنا أغني بالعامية فأغنية histoire d'un amour للفنانة داليدا معروفة بالفرنسية والإسبانية وأنا أغنيها بالعربية ولدي كلمات مكتوبة خصيصا لي بالعامية، أيضا هناك أغنية "لـ بيروت" وهي في الحقيقة اغنية فرنسية وتمت كتابة كلمات خصيصا لي لغنائها بالعامية.
ما الذي يميز فناني الأوبرا في مصر عن الخارج؟
لدينا في فنانينا المصريين لون مختلف بالصوت عن المغنيين بالخارج فعلى الرغم من أن كل مغني أوبرالي يتحدث وفقا لثقافته ولديه لون مميز بطابع بلده إلا أننا المصريين لدينا دفء بالصوت يظهر جليا ويتم تمييزه بين العالم فضلا عن نجاحنا في نقل احاسيس جميلة للجمهور في تواصل مبهر.
اختارتك فرنسا ضمن 12 قائد شاب بالمجال الثقافي.. صف لنا شعورك حينها؟
يمثل لي الكثير ففرنسا دولة تثق في "فرح الديباني" لتمثيلهم ثقافيا، فأنا لست مولوده بها ولكنهم يعطوني تقديرا مميزا للغناء الثقافي فلكوني مصرية أشعر بالفرحه والفخر حينما يتم اختياري ضمن القادة الشباب لأمثل فرنسا ثقافيا ليس فقط في الهند ولكن في آسيا بأكملها واليابان.
كما أنني أشعر بالفخر بين القادة الفرنسيين فهم أبناء البلد ولكنني المصرية التي استطاعت تمثيل ثقافات آخرى بينهم وهذا أمر جيد ينم على قابلية الشخص لإحتضان ثقافات كثيرة وتقريبه بين الشعوب فانا حينما أمثل فرنسا أنا أمثل في ذات الوقت مصر فالعالم يري الثقافات التي أحملها ثقافتي المصرية والثقافة الفرنسية التي أمثلها كشئ إيجابي يحسب لمصر.
حدثينا عن تكريم الرئيس السيسي لكي بمنتدى الشباب؟
تكريم الرئيس السيسي كان مميز جدا ليس كمثل أي تكريم، فتكريم الفرد من بلده له طعم آخر فكنت أشعر بتقدير بالغ لأن رئيس دولتي يرى ويقدر جهودي في مجال الأوبرا خاصة وانه مجال ليس بالدارج في مصر، لذلك فتكريم السيسي لي هو أهم تكريم يمكن أن أحصل عليه.
ما شعورك بعد تكريمك كأفضل مغنية شابة في أوبرا باريس؟
أوبرا باريس هي اسم كبير ومؤسسة قوية وعريقة جدا وحينما تم تكريمي ومنحي جائزة منهم فهذا ساعدني على توسيع نطاق شهرتي ولفت أنظار الجماهير والإعلام لموهبتي ليس في فرنسا فقط ولكن في الوطن العربي بأكمله، وانا اعتبر هذا التكريم بداية الإنتشار الكبير لي فهو تكريم مرثر ومحوري في مشواري الفني.
كيف يمكن التأثير ثقافيا على الأطفال خاصة بعد اصدارك لأغنية لزيادة وعي الأطفال بشأن تغير المناخ في يوم البيئة العالمي باليونسكو؟
تعتبر الأغاني والموسيقى طريقة بسيطة يمكن من خلالها الوصول لجميع الأجيال ولكافة الأعمار خاصة الأطفال، فهم أكثر تأثرا بالموسيقى، وحينما عرضت عليه الفكره أبديت ترحابا بها لإيصال معلومات عن مشكلات هامة بطريقة مبسطة للأطفال ليسهل عليهم استيعابها بالغناء والعروض الكارتونية المميزة داخل عقولهم، فأنا سعيدة بإصدار تلك الأغنية وسأصدر النسخة العربية منها قريبا.
سر ترشيحك لجائزة المرأة العربية من منظمة London Arabia؟
شعرت بسعادة غامرة لكوني المصرية الوحيدة التي حصلت عليها وهي جائزة تعني لي الكثير فكانت داخل مدينة في لندن لم أغني بها من قبل وتأثرت كثيرا لإختياري من مؤسسة تضم الآف الأعضاء من الإنجليز والعرب والجنسيات الآخرى ممن رشحوني للجائزة هذا العام فشعرت ان هذا التكريم بمثابة تقدير لعملي ومهنتي التي تمثل المرأة العربية فأنا أشكل نموذج للعالم ينقل لهم صورة عن المرأة العربية والمصرية خاصة.
فمجال الأوبرا ليس بالمجال الدارج وحينما يتفوق فيه فنان عالميا فهذا من شأنه التأثير في الأجيال الصغيرة خاصة حينما يتعلق الأمر بالمرأة المصرية والعربية القادرة على خلق جسور ثقافية ورؤية نموذج مشرف يؤخذ كمثال.
ماذا ينقص فن الأوبرا ووجهي كلمة لوزارة الثقافة بمصر؟
ان اهم اهدافي منذ طفولتي هو ربط الشرق بالغرب فتربيتي بمصر وأحاطتي بثقافات غربية كثيرة بداية من المدرسة والمنزل والموسيقى التي أسمعها، كل ذلك من شأنه أن يضعني بين الثقافتين فشغفي بربطهما سويا لإحساسي بإقترابي منهم هو هدفي الأسمى ولله الحمد أستطعت أن أربط ثقافة فرنسا بثقافة مصر وثقافة فرنسا بالهند.
أما فن الأوبرا في مصر فينقصه الوصول إلى الأجيال الأصغر وأرى أنه لابد من الاتيان بأطفال من مدارس مختلفة في مصر واحضارهم لحفلات الأوبرا، مثلما يحدث في أوبرا باريس حينما كانوا ينظمون حفلات لفصول مدرسية من مناطق نائية فكنت أغني واتحدث مع الأطفال حول الأوبرا ليحدث تبادل الثقافات بيننا وهذا ما أحاول جاهدة تقديمه في مصر ومنذ سنوات حتى الآن آتي بكورال أطفال اصطحبه في حفلاتي لنغني سويا.
كما أنني عكفت على تقديم ماستر كلاس في الجامعة الأمريكية وعملت مع مغنيين من أعمار مختلفة سواء مبتدئين أو هواه لإشعارهم ان هذا الفن قريب من خلال تقديمي للأوبرا بشكل حديث سواء في طريقة غنائي وملابسي وحديثي لأشعرهم أن الفن ليس كهلا.