بين الرمزيات والحاجة للتوثيق.. غياب الفن المباشر عن الصراع الفلسطيني واللبناني
واقعٍ مرير نعيشه منذ اندلاع "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023، مر عامٌ على سفك الدماء الذي لا يتوقف وقصف المستشفيات والمساجد وقتل المدنيين، انتهاكات شرسة يتعرض لها أهالي قطاع غزة يومًا بعد يوم، وسط نضال مستمر من الشعب الفلسطيني وصمود أمام وحشية الكيان الصهيوني، ومحاولات دولية لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، لم يقف العدو عند هذا ولكن لحق بضرباته الشعب اللبناني لتعيش الشعوب العربية معاناة جديدة، وأمام هذه الأحداث اكتفى صناع الفن ببعض الرمزيات في أعمالهم دون التطرق بشكل واضح وصريح للقضية؛ ما يطرح تساؤلاً: أين السينما والدراما والأعمال الوثائقية من تلك الأحداث؟
قال المخرج الفلسطيني محمد خميس إن الطرح المباشر للقضية الفلسطينية في الفن مؤثر جداً لأنه يلامس مشاعر الجمهور بوضوح أكبر ويثير الوعي حول المظالم التي تعاني منها فلسطين، ولكن التحديات السياسية والفنية تفرض على المبدعين التعامل بحذر مع تلك الموضوعات الحساسة.
وأوضح لـ "النهار" أن اكتفاء الفن المصري بالرمزية هو رغبةً من صناعه في إيصال رسائل عميقة دون مجازفة، ويعد حفاظًا على مساحات آمنة للتعبير، دون مواجهة ردود فعل سلبية أو مخاطر شخصية ومهنية.
وأضاف خميس أن مرور عام على "طوفان الأقصى" كشف عن ضعف العديد من القوى والأنظمة، وأبرز قدرة المقاومة الفلسطينية على الاستمرار في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي رغم كل الظروف، مؤكدًا أن المقاومة لا تزال على قيد الحياة، وأن المزيد من العمل ضروري على جميع الأصعدة؛ السياسية، الإعلامية، والفنية، لرفع صوت القضية الفلسطينية بشكل مستمر.
وصرح أنه بصدد التجهيز لعمل فني عن أحداث لبنان وتأثير الحرب على المجتمع البناني بعد حرب غزة، موضحاً أنه وثائقي في مرحلة كتابة السيناريو، ولم يتم تحديد موعد بدء التصوير والتنفيذ حتى الآن.
ومن جانبه، يرى الناقد كمال القاضي أن خطورة الموقف والحسابات السياسية المعقدة والأحداث المتصاعدة في المنطقة، كلها معطيات تحتم التفكير بتأني قبل تقديم أي عمل سياسي جاد يناقش القضية الفلسطينية والحرب اللبنانية لأن الصورة لا تزال غامصة والوضع الاقتصادي غير مستقر، لافتًا إلى أن هذا يشكل خطورة على عملية الإنتاج والتسويق، لذا فلا يمكن التسرع في تقديم عمل فني سياسي لمجرد تسجيل موقف وحسب.
وقال لـ "النهار" إنه يمكن الاعتماد على فكرة التضمين السينمائي والدرامي التليفزيوني كخطوة أولى لإثبات موقف الفن من الأحداث إلى أن يتم الإعداد لإنتاج عمل كبير وضخم برعاية من جهات رسمية لها قدرة مالية تغطي نفقاته؛ بمعنى أن تكون كل الجوانب مدروسة بعناية ودقة.
واقترح القاضي تقديم أفلام تسجيلية ووثائقية بميزانيات محدودة كالتي يقدمها مخرجون ومنتجون فلسطينيون، لتسجيل الوقائع اليومية للأحداث على مستويات إنسانية وسياسية مختلفة.
ووافقه الرأي الناقد سمير الجمل، مؤكدًا أن إنتاج هذا النوع من الأعمال السياسية الحربية يتطلب المزيد من الوقت لتسجيل الوقائع ونقلها بصورة احترافية، موضحًا أنه من الصعب كتابة عمل فني متميز عن القضية الفلسطينية دون نهاية حقيقية للأحداث.
وأفاد لـ "النهار" أنه رغم صعوبة تقديم عمل فني عن "طوفان الأقصى" إلا أن الأحداث تضمن العديد من القصص الشخصية والإنسانية التي يجب على صناع الفن أن يتطرقوا لها في أعمالهم، متابعًا: "الاكتفاء بالرمزية وحدها لا يكفي خاصة أن مصر هي الداعم الأول للقضية الفلسطينية منذ بدايتها".
واستنكر الجمل عدم تقديم أية أعمال وثائقية عن "الطوفان" حتى الآن فهي التي سيلجأ لها صناع الدراما والسينما لاحقًا لإنتاج عمل يليق بحجم القضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أن الدراما على مستوى العالم العربي تعد مقصرة في حق القضية؛ ولم تقدم أي حكاية على مستوى جيد سوى أعمال قليلة؛ أهمها "التغريبة الفلسطينية".
ولفت إلى أن أساس الأزمة هي الإنتاج الذي لا يهتم بوضع خطة ومحاور أساسية يطلبها من الكتاب ويختار الأفضل من بينهم، تليه أزمة التأليف فتقديم دراما تحاكي قضية كهذه يحتاج إلى مؤلف باحث ومحقق.