«أبوتليح رداً على عبدالله رشدي».. جردت نفسك عمداً من أدوات العلم البسيطة لتركب الترند
في رد منه على الداعية عبدالله رشدي، حول تعرضه في أحد منشوراته للحديث عن عبارة " وإنشلني من وحل التوحيد " المنسوبة للشيخ عبدالسلام بن مشيش، قال الشيخ محمد رجب أبوتليح، الإمام والعالم بوزارة الأوقاف، لقد وصفت في منشورك قول الشيخ عبد السلام بن مشيش قدس الله سره: ﴿ وانشلني من أوحال التوحيد ﴾ بأوصاف لا تليق بمدع للعلم، من وصفها بالشناعة والقباحة وفرضت الوصاية العلمية من حوذتكم العلية بأن هذه الجملة لا تقبل التأويل بأي وجه، وأنه لا اعتبار لقول كل من أولها، وهنا علينا أن نتساءل: هل كل كلام يؤخذ على ظاهره أم أن هناك كلام لا بد من حمله المحمل الحسن في التأويل ؟!!!، خاصة إذا عضد هذا التأويل قرينة لفظية أو عقلية، وهذا من أبسط ما تعلمناه في أزهرنا الشريف الذي تدعي نصرة منهجه والانتساب إليه، ولولا هذه المنهجية السابقة الذكر لصرنا في إشكاليات علمية وعقلية جسيمة في فهم كثير من النصوص من القرآن والسنة كأن نفهم خطأ ونصف جهلا قوله تعالى : ( قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ) أو قوله تعالى: ( توفته رسلنا ) ولقلنا: إن هذه شناعة وخطأ كيف يسند فعل الإماتة لملك الموت أو الملائكة الذين وكلوا معه بمباشرة الإماتة وكما تعلم يا علامة أن هذا النص وما يشبهه لو أخذناه بالظاهر بدون إمراره على قواعد اللغة والبلاغة وظننا أن الإسناد هنا من باب الحقيقة لقلنا بخطأ القرآن وحاشاه ولكان التوهم بوجود معين لله وفاعلا غيره سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا وهذا مما لا يقول به مسلم فضلا أن يعتقده إنما العقل والعقيدة واللغة يُلجؤوننا إلى فهم ذلك على سبيل المجاز مع اعتقاد أن الله تعالى هو المحيي والمميت حقيقة ولا أحد سواه وذلك ثابت مقرر في كلام الله عز وجل كما تعلم في قوله تعالى: ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ..) الآية.
وأضاف أبوتليح، فلذا جريا على ما تقدم فمن غير المقبول عقلا أن نجوز على شيخ له قدر وفضل وولاية مشهورة ومشهود له بها كسيدي عبد السلام بن مشيش أنه يريد قبح المعنى أو ظاهر اللفظ الذي فهمته، ولو كان يقصد ذلك لما قال بعدها : ( وأغرقني في عين بحر الوحدة ) مما يدل على أنه أصلا لا يقصد بلفظ ( التوحيد ) هنا علم العقيدة وما يتعلق بوحدانية الله تعالى وإنما أراد التوحيد الذي يقول به المشركون من وحدة الإله والعبد واتحادهما في ذات واحدة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ويدلك على هذا ما قاله بعد هذه العبارة : ( وأغرقني في عين بحر الوحدة ) أي أفنني في مشاهدة وحدانية ذاتك وصفاتك وأفعالك حتى أكون كالغريق في بحر خضم لا نجاة لي منه وأفنى فيه ذاتا وصفاتا وليتخلص من دنس الوسواس وتدليس الاعتقاد وشبه الحلول والاتحاد.
وأردف أبوتليح، ومما يزيد تأكيدا لهذا المعنى أن خلفاء الشيخ ابن مشيش ومنهم الإمام الشيخ العربي الدرقاوي رحمهم الله جميعا - وقد ذكرت ذلك لك سابقا في المنشور السابق - في مزجه صلواته مع صلاة ابن مشيش قال بعد قوله : ( وانشلني من أوحال التوحيد) قال : ( إلى فضاء التفريد المنزه عن الإطلاق والتقييد ) فحاول تفهمها هداك الله لتتأكد من مراد الشيخ في قوله الذي شنعت به عليه، إذن فقل لي بربك كيف ستحمل إذن قول النبي ﷺ: (( إِنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِه )) والحديث صحيح أخرجه مسلم في (صحيحه) في كتاب (البر والصلة) عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وأول الحديث: ((إِذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه))، فهل نصف قول النبي صلى الله عليه وسلم بالقباحة والشناعة وأنه لا يقبل التأويل جريا على فهمك وتلبيسك على الناس ؟! أم نفهمه فهما صحيحا ونؤوله تأويلا يتفق مع اللغة فنقول الضمير راجع إلى آدم عليه السلام أي : أن الله خلق آدم على صورته التي ترونها في أبناء آدم . وليس عائدا إلى الله ولولا ذلك لوقعنا في إشكال عقدي وعقلي خطير ألا وهو التشبيه والتجسيم وحاشاه جل جلاله أن يشبه أحدا أو يشبهه أحد هو كما عرفنا بذاته وصفاته فقال: ﴿ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ﴾، وحتى من حمل عودة الضمير في قوله ( صورته ) على أنه عائد إلى الله لجأ إلى حسن الفهم والعقل فقالوا الضمير يعود على صفات الله لا ذاته هكذا أخذا بالقرائن العقلية ومن هذا ما قالَه العَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ الهَيْتَمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى مُؤَوِّلاً ذَلِكَ فقال: (وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ للهِ تَعَالَى كَمَا هُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ، وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصُّورَةِ الصِّفَةَ، أَيْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ عَلَى أَوْصَافِهِ مِنَ العِلْمِ وَالقُدْرَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَنِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: ((كَانَ ﷺ خُلُقُه القُرْآنَ))، وَحَدِيثُ: «تَخَلَّقُوا بِأَخْلَاقِ اللهِ تَعَالَى».
وتسائل أبوتليح، موجهاً حديثه إلى رشدي، وماذا تفعل في عبارة الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم أيضا في ( صحيحه ) بسنده عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ : اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ. أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ )) ، فهي إحدى روايات مسلم للحديث وسبقتها روايات ليس فيها هذه العبارة: (( ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ : اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ. أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ ))، وكان مسلم رحمه الله أعلم منا ومنك قادرا على أن يتغاضى عن روايتها أصلا بهذا اللفظ لما قد يتوهم من شناعة لفظها خاصة وقد سبق ذكره لروايات هي نفس الرواية بلفظها غير أنها ليس فيها هذه الزيادة المذكورة، لكنه رواها لعلمه وفهمه أنها من باب الأمانة في الرواية أولا وثانيا لفهمه الصحيح لها هو وكل من سمعها أو قرأها لوجود قرينة لفظية فيها وهي قوله : ( أخطأ من شدة فرحه ) ولو أن هذه العبارة لم ترو أصلا لكفى عنها القرينة العقلية في فهم الكلام فيفهم القارئ والسامع أنها من شدة فرح هذا العبد أخطأ، لكن ألا تلتفت إلى تعمد الإمام مسلم لروايتها مع أن ما سبق من روايات لها كاف عنها . لأنه يجري على أسس وقواعد العلم الشرعي الأصيل لا على سفه الفكر وسطحية العقل التي هي صفات من قل علمه وكثر جهله، فهذه بتلك يا علامة . فاللفظ غير مستشنع ولا مستقبح إلا في فهمك أنت حينما جردت نفسك عمدا من أدوات العلم البسيطة لتلبس على الناس فهمها وتلفت أنظارهم إليك أو كما يقال تركب الترند .