«سقوط العقارات».. خلل في الرقابة أم تهاون في تنفيذ القوانين؟
في ظل حوادث سقوط العقارات بشكل متكرر في الآونة الأخيرة، باتت قضية سلامة المباني وصحة المعايير الفنية المستخدمة في بنائها تشغل الرأي العام والجهات المعنية على حد سواء. هذه الظاهرة لا تهدد فقط الممتلكات بل تمتد لتشكل خطراً داهماً على حياة المواطنين وأمنهم. وفي هذا التقرير، نلقي الضوء على الأسباب الكامنة وراء هذه الحوادث المأساوية، وكيفية تعامل الجهات المسؤولة معها.
سنستعرض آراء خبراء ومختصين من وزارة الإسكان، بهدف فهم العوامل المؤدية إلى تكرار هذه الكوارث والإجراءات المتخذة لمنع تكرارها مستقبلاً.
وقال الدكتور رأفت شميس رئيس جهاز التنفتيش بوزارة الإسكان، إن غياب الصيانة ومتابعة العمران المصري بالإضافة لغياب المحليات أحد أهم أسباب سقوط العقارات الآيلة للسقوط، وهناك مادة في قانون في مادة الجنايات متخصصة في هذا الشأن، كما يوجد لجنة متخصصة وظيفتها الوحيدة المتابعة للمباني الآيلة للسقوط وهذا لايحدث.
وأضاف شيمس في تصريحات خاصة لـ «النهار»، الجهاز متخصص في التنفيش على رخص المباني وليس المباني الآيلة للسقوط، ويوجد قانون يحدد العقوبات الخاصة بالمخالفات، وهناك اختلف على حسب حجم المخالفة وبناءا عليه يتم تحديد العقوبة، بدابة من الغرامات المالية مرورا بالإزالة وإعادة التصحيح وسحب رخص البناء، وقد تصل إلي الحبس، ويرجع ذلك لرؤية القضاء.
ومن جانبه قال الخبير الفني المهندس عبد المجيد جادو، إن تكرار حوادث انهيار العقارات يعود إلى تجاهل معايير وأخلاقيات الصناعة، مشيرًا إلى أن هذه الكوارث غالبًا ما تنتج عن سوء التنفيذ واستخدام مواد غير مطابقة للمواصفات، ولابد من وضع معايير صارمة لضبط صناعة العقار، مشيرًا إلى أن الركائز الأساسية في هذه الصناعة تشمل المصمم، سواء كان معماريًا أو إنشائيًا، وأعمال الميكانيكا والتربة، بالإضافة إلى المطور أو المستثمر، والمستهلك العقاري، والقوانين المنظمة.
وأوضح جادو، أن عملية البناء يجب أن تبدأ بدراسات خاصة بالتربة والأساسات، مشددًا على أهمية إجراء تحاليل دقيقة لتحديد مدى تحمل التربة واختيار الأساليب الإنشائية الملائمة، هذه الخطوة الأولية تعد حجر الأساس لضمان سلامة العقار، مضيفا أنه بعد هذه المرحلة تأتي أهمية التصميم المعماري، حيث يلعب المهندس المعماري دورًا حاسمًا في التعامل مع المؤثرات البيئية والثقافية والاقتصادية، وتقديم حلول تصميمية توازن بين الجمالية والوظيفية.
وأشار، إلى أن النظام القانوني في الماضي كان أكثر احترامًا للعوامل المؤثرة في جودة العقار، مشددًا على ضرورة الالتزام بالمعايير الفنية والقوانين المنظمة لقطاع البناء، موضحاً أن المباني التي بنيت في الخمسينات وما قبلها كانت تتمتع بمعايير بناء أعلى مقارنة بالمباني الحديثة، مرجعًا ذلك إلى وجود فجوة كبيرة في القوانين والمعايير الحالية، بالإضافة إلى تغير دور المالك والمهندس.
وأكد جادو على ضرورة اختيار المهندسين المتميزين لضمان سلامة العقار، واصفًا ذلك بـ "صمام الأمان" الذي يحمي أرواح الناس وممتلكاتهم، مشيراً إلى أن المهندس المعماري يجب أن يتعاون مع المهندس الإنشائي لضمان تصميم متكامل يأخذ في الاعتبار جميع الجوانب الفنية، ويجب مراقبة المواد المستخدمة في البناء، والتأكد من مطابقتها للمواصفات القياسية، موضحاُ أن اختيار مواد بناء ذات جودة عالية واستخدامها بطريقة صحيحة يعدان من العوامل الرئيسية لضمان متانة البناء.
كما أشار المهندس عبدالمجيد، إلي أهمية مرحلة التشطيب والصيانة بعد اكتمال البناء، مشددًا على أن الإهمال في هذه المراحل يمكن أن يؤدي إلى مشاكل جسيمة فيما بعد، وأن النظام الحالي يواجه بعض المشاكل التي تستدعي معالجة قانونية، داعيًا إلى ضرورة وجود شهادة جودة شاملة تضمن الالتزام بالمعايير الفنية.
وفي ظل ارتفاع أسعار مدخلات البناء مثل الحديد والإسمنت، وحتى المياه التي قد لا تتوافر بالمواصفات المطلوبة في بعض المناطق، أكد جادو أن هذه التحديات تؤثر على جودة العقارات، موضحاً هناك مناطق تلجأ إلى شراء مياه غير مطابقة للمواصفات، مما يؤدي إلى تدهور جودة الخرسانة والإسمنت بسبب وجود عناصر كيميائية وعضوية تضر بالمواد الإنشائية.
وضرب جادو مثالًا بشركة "العربي"، التي تعتبر رقم واحد في مجالها، مشيرًا إلى أن نجاحها يعزى إلى التزامها بمعايير الجودة العالية والثقة وخدمة ما بعد البيع، وأكد أن صناعة العقار يجب أن تتبع نفس النهج لتحقيق نجاح مستدام، موضحًا أن الالتزام بالمعايير والأخلاقيات المهنية لا يحمي فقط الأصول المادية، ولكنه أيضًا يساهم في بناء ثقة المستهلكين بالسوق العقاري.
في النهاية، شدد جادو على أن الخراب الأخلاقي وسوء الرؤية في التعامل مع صناعة العقار يجب أن يتغيرا، مشيرًا إلى ضرورة وجود معايير صارمة وشاملة تغطي جميع جوانب الصناعة، بدءًا من التصميم وحتى الصيانة. وأكد على أن الالتزام بهذه المعايير سيضمن بناء عقارات آمنة ومتانة وجودة تليق بمستقبل المدن والمجتمعات.