ماهر مقلد يكتب: اختيار الوزراء فى عهد عبدالناصر
قصة اختيار وزراء الحكومة فى مصر طويلة تختلف عن دول العالم ومعاييرها ليست واضحة لا على المستوى السياسى ولا على النظام التكنوقراطى، فهى آلية تحتاج إلى دراسة، عموما كيف كانت آلية اختيار الوزراء فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر؟ هذا السؤال كنت قد سألته للسيد سامى شرف وزير شئون رئاسة الجمهورية فى عهد عبدالناصر فقال: كان درج مكتبى فيه ملفات كاملة تحوى بيانات 3 وزراء احتياطيين لكل وزير فى الحكومة، كانت هناك رؤية مستقبلية، وكثيرًا ما كان يتم شطب أسماء من هذه القائمة من خلال المتابعة وتطورها فى بعض الملفات، وكان الاختيار يخضع للمعايير الفنية والإدارية وبعيدًا عن المجاملات وعندما يكون أحد المرشحين قريبًا لمسئول نكتب أعلى الملف أنه قريب فلان وفى إحدى المرات كان مرشحًا لمنصب ما زوج شقيقة زوجتى وكتبت اسمه والقرابة للرئيس عبدالناصر على ملفه.
وعندما سألته هل كانت الأجهزة الأمنية هى التى تتحكم فى عملية الاختيار؟
الأجهزة كانت معاونة ولم تكن مسيطرة وما يشاع عنها مبالغة، ففى عهد عبد الناصر لم تكن للأجهزة أى تدخلات لفرض مسئول أو غيره، باستثناء صلاح نصر كان (خارج النص)، ودى غلطة نعترف بها ونال العقاب بالسجن 50 سنة والغلطة جاءت من وجود ثقة كاملة فيه.
وهل كان المشير عبدالحكيم عامر لا يتدخل؟
علاقة خاصة جدًّا كانت تربط جمال عبدالناصر بالمشير عبدالحكيم عامر وما حدث من المشير فى حق عبدالناصر ومصر جريمة، وبالمناسبة كل من شاهد وعرف عبدالحكيم عامر كان يحبه فهذا الرجل لا تملك إلا أن تحبه وعلى الرغم من أنه كان يكرهنى وقعت أيضًا فى تأثير شخصيته وكان هو نقطة ضعف جمال عبدالناصر الذى كان لا يخلط بين الرئاسة وعواطفه لكن علاقته مع عامر كانت خاصة جدا، وعمل عبدالناصر منذ البداية على مقاومة فكرة عبادة الزعيم، وهى الصورة التى كانت منتشرة فى أحزاب وجماعات ما قبل يوليو، مثل حسن البنا فى جماعة الإخوان المسلمين، وأحمد حسين فى حزب مصر الفتاة، ومصطفى النحاس فى داخل حزب الوفد. وكان عبدالناصر اتساقًا مع نفس هذه المواقف صاحب ترجيح فكرة اختيار محمد نجيب كقائد للثورة، بترشيح من عبدالحكيم عامر وصلاح سالم. وكان هناك مرشح آخر هو اللواء أحمد فؤاد صادق الذى اعترض على ترشيحه أنور السادات.
وأشار شرف الى أن الشباب هو الذى بنى الدوائر فى مؤسسة رئاسة الجمهورية بعد ثورة 23 يوليو وهو القادر عبر التاريخ على البناء هكذا، وأكمل أن جمال عبد الناصر كان رمزًا للشباب وهو الذى يعود إليه الفضل فى بناء مؤسسة الرئاسة.
وهل كانت هذه المؤسسة تقوم بدورها كاملًا أم يتدخل الرئيس فى كل شىء؟
كانت تقوم بدورها ولكن كان يعوق عمل هذه المؤسسات عدم تطبيق العدالة الاجتماعية، بمعنى أدق قلة الموارد ونقص الأموال.
كيف كانت تتعامل مؤسسة الرئاسة مع هذه الأفكار؟
كان العمل يبدأ وينتهى بالمتابعة ثم المتابعة وتصويب الأخطاء بالمتابعة ثم متابعة المتابعة، فمثلًا عندما كان يصرح الرئيس بأن الدولة ستزرع مليون فدان من الأراضى المستصلحة بعد شهر من صدور التصريح أقوم بصفتى سكرتير الرئيس للمعلومات بالاتصال بوزير الزراعة وأسأله ليه المشروع متأخر؟ وكان يرد بأن هناك صعوبات فى طريق التنفيذ؛ عندها نبحث معه هذه الصعوبات من أجل تذليلها ثم تجرى المتابعة معه مرة ثانية وعندما يؤكد أن الصعوبات لم تحل كلها نطلع الرئيس على حقيقة الموقف وبدوره يعقد اجتماعًا مع الحكومة لبحث المعوقات وتستمر متابعة المتابعة حتى ينتهى المشروع.
ويقول سامى شرف: بالنسبة للقرارات التى كان يصدرها الرئيس ومؤسسة الرئاسة كان الإجراء المتبع فى نهاية كل يوم هو مراجعة القرارات التى تم اتخاذها ونتابع هل القرار تم تنفيذه أم لا؟
كان المعيار هو الانضباط فى العمل. والرئيس عبدالناصر لم يكن يعرف سوى الجد فى العمل، أما خارج نطاق العمل فمسموح بتبادل الضحك أو المجاملات.
هل كان يمكن أن يلغى قرارًا لصعوبة التنفيذ؟
القرار كان يمكن تعديله بنسبة 50 فى المائة أو إلغاؤه لو ثبت أنه فى غير محله وكان يتدخل بحزم فى القرارات لتسريع المعدل، فمثلًا أتذكر فى موضوع الميزانية قال الدكتور عبدالمنعم القيسونى وزير المالية أمام عبدالناصر يمكن مضاعفة الدخل القومى فى غضون 20 سنة، لكن الرئيس عبدالناصر طلب أن يكون ذلك فى خلال 10 سنوات فقط وتمت مضاعفة الدخل القومى فى أقل من 10 سنوات.