بالصور.. دار الكتب والوثائق القومية تحتفل بذكرى تحويل مجرى النيل
في إطار أنشطة وزارة الثقافة تحت رعاية الدكتورة نيفين الكيلاني، وزيرة الثقافة، أقامت دار الكتب والوثائق القومية برئاسة الدكتور أسامة طلعت، اليوم الخميس، ندوة بعنوان "ستون عامًا على تحويل مجرى النيل1964-2024"، وذلك احتفالا بذكرى بدء تحويل مجرى النيل تمهيدًا لبدء العمل في السد العالي.
بدأت الجلسة بكلمة الدكتور أشرف قادوس، رئيس الإدارة المركزية للمراكز العلمية بدار الكتب والوثائق، الذي توجه بالشكر للمتحدثين وللحضور وللدكتور أسامة طلعت رئيس الهيئة لدعمه الدائم للأنشطة الثقافية الهادفة. و تحدث الدكتور السيد فليفل ، العميد الأسبق لكلية الدراسات العليا الأفريقية بجامعة القاهرة، مؤكدا عمق العلاقة بين نهر النيل العظيم والمصريين الذي ارتبطت حياتهم بجريانه وتقدم خرطوشة مصرية قديمة دليلا على العلاقة بين قيام السلطة المركزية والنيل حيث يؤكد الملك على تقسيمه حابي بالماعت، أى أنه يوزع ماء النيل بالعدل بين المصريين. ولم يكن إنشاء السد العالي ليتم لولا إرادة فولاذية من المصريين بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر، ففي سبيل السد أمم القناة ودخل حرب ١٩٥٦ وكرس أولويات الموازنة العامة لعشر سنوات لبناء السد بدعم من الاتحاد السوفييتي.
وتحدث الدكتور أسامة طلعت رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، مرحبا بالمتحدثين والحضور متوجها بالشكر لأعضاء اللجنة العلمية لمركز تاريخ مصر المعاصر بدار الكتب ومدير المركز. وأكد الدكتور أسامة أن النيل جزء من المكون النفسي للشخصية المصرية منذ قديم الأزل ومن هنا جاء الاحتفال بفيضان النيل وأطلقوا عليه اسم وفاء النيل.وذكر المؤرخ هيرودوت إن مصر هبة النيل حيث وهبها الاستقرار حول ضفافه ولكن الحقيقة أن المصريين هم من أداروا بمهارة موارد النيل المائية ونظموا الزراعة وأقاموا على ضفتيه أقدم حضارات العالم فصار النيل هبة مصر. وتقول الأسطورة القديمة أن النيل تكون من دموع إيزيس. واهتم المصريون القدماء بإقامة مقاييس النيل كما اهتم المسلمون لاحقا بقياس النيل وتنظيمه .
ويعد مقياس النيل بجزيرة الروضة من أقدم العمائر الإسلامية الباقية حيث تم تشييده عام 247 هجريًا على يد المهندس أحمد بن محمد الحاسب الفرغاني. وكان يحتفل بوفاء النيل في منتصف شهر أغسطس عندما يبلغ ارتفاع الماء ١٦ ونصف ذراعا بما يعادل 8 أمتار ونصف. وكانت الاحتفالات تقام بهذه المناسبة من خلال غسل عامود المقياس بالزعفران. وكان النيل قديما يصل حتى قدمي أبي الهول في موسم الفيضان. وقد وثق أمين سامي باشا لتاريخ تنظيم النهر في كتابه الرائع "تقويم النيل" واهتم حكام الأسرة العلوية جميعا بالنيل وتنظيم الري فتم إنشاء خزان أسوان في عهد عباس حلمي الثاني واستمر هذا الاهتمام حتى عصرنا الحالي.
ثم تحدث المهندس أشرف المحمدي حجازي، رئيس هيئة السد العالي وخزان أسوان ، وقال أن مصر هبة النيل وأن السد العالي حمى مصر من مخاطر الفيضان والجفاف. وفي سبيل إنشاء السد تم تحويل مجرى النيل إلى قناة صناعية ثم شيده المصريون بسواعد قوية. وتأتي الذكرى الستون لتحويل مجري النهر شاهدا على قدرة الشعب المصري على تحدي الصعاب وإنجاز المستحيل. ويعتبر السد العالي أعظم المشروعات الإنشائية خلال القرن العشرين، كما أنه من أكبر المشروعات الزراعية في مصر والعالم العربي. ويجب علينا جميعا الاهتمام بصيانة السد العالي والحفاظ عليه للأجيال القادمة وبعد الكلمات الافتتاحية تم عرض فيلم تسجيلي عن تحويل مجرى نهر النيل. ثم قام الدكتور أسامة طلعت بتكريم كل من: المهندس أشرف المحمدي حجازي رئيس هيئة السد العالي وخزان أسوان، والمهندس سامح عبد الرحمن رئيس الإدارة المركزية لضبط النيل، والمهندس عمرو الأمين مدير المكتب الفني لهيئة السد العالي.
ترأس الجلسة الأولى للندوة أ.د. السيد فليفل، العميد الأسبق لكلية الدراسات الأفريقية - جامعة القاهرة وتحدث فيها كل من:
أ.د. محمد عبد الوهاب سيد أحمد (أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر – كلية الآداب - جامعة عين شمس) حول موضوع "الولايات المتحدة والسد العالي". وجاء في كلمته أنه إذا أردنا أن نتحدث عن موقف الولايات المتحدة من مشروع بناء السد العالي، فقد كان لديها أملًا في إحلال السلام بين العرب وإسرائيل، ولكن وقعت غارة إسرائيلية على مصر في فبراير 1955 وبدأت المطالب المصرية للحصول على السلاح. رغم تفوق الجانب المعادي فإن الولايات المتحدة أعطت أذنًا صماء للمطالب المصرية، رغم إلحاح السفير الأمريكي بالقاهرة، بضرورة تلبية مطالب مصر عسكرًيا واقتصاديا بأن تنظر بعين الاعتبار لمشروع السد العالي. كانت الاستجابة الوحيدة لدالاس وزير الخارجية الأمريكي هو محاولة إعادة الحياة السياسية لمشروع السلام العربي الإسرائيلي. وقد وقع الاختيار على روبرت أندرسون، وزير البحرية السابق والصديق الشخصي لأيزنهاور، لرئاسة بعثة السلام، والذي قام بجولات مكوكية -بين القاهرة وتل أبيب. ولكن فشلت البعثة بسبب تعنت الجانب الإسرائيلي. وزاد الأمر اشتعالًا مع اعتراف عبدالناصر بالصين في مايو 1956. فكان رد فعل دالاس أن قلل من قيمة الاقتصاد المصري وحذر من خطورة المشروع على رخاء الشعب المصري، ثم جاءت الضربة الكبرى بإعلان سحب التمويل للمشروع في 19 يوليو 1956. وكان رد الفعل ما قامت به مصر في 26 يوليو 1956 من تأميم قناة السويس.
وتحدث د. مصطفى عبد العال الجعفري (مدرس التاريخ الحديث والمعاصر – كلية الدراسات الأفريقية - جامعة القاهرة) عن موضوع "التواطؤ والمراوغة – البنك الدولي وتمويل السد العالي" وجاء في كلمته أن نظاما عالميا اقتصاديا جديدا قد برز عقب اتفاق بريتون وودز 1944، الذي على إثره تشكلت مؤسستين اقتصاديتين وهما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي؛ وكانت مهمة كل من المؤسستين الاقتصاديتين "الظاهرية" هو دعم الدول النامية بعدد من القروض والمنح في المشروعات ذات العائد التنموي والعمراني على تلك الدول. ولكن منذ بداية عمل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بدا واضحًا انحياز تلك المؤسسات الاقتصادية في إقراض بعض الدول وعرقلة مشاريع تنموية أخرى، وكان أبرزها مشروع السد العالي في مصر. وقد فشلت الولايات المتحدث الأمريكية وبريطانيا في الضغط على مصر في مسألة تمويل السد العالي مقابل تقديم العديد من التنازلات السياسية والاقتصادية. وتناول الأغراض التي أنشئ على أساسها البنك الدولي، واستعرض سريعًا المشاريع التنموية التي قام الصندوق بتمويلها قبل بناء السد العالي والأبعاد الاقتصادية والسياسية وراء رفض أو ق ربول تمويل المشاريع.
وترأس الجلسة الثانية أ.د. أشرف مؤنس(أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر – كلية التربية - جامعة عين شمس) وتحدث فيها كل من :
و تحدث فيها الدكتور صالح عمر حيث ألقى البحث الذي أعدته د. شيرين مبارك (أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المساعد – كلية الدراسات الأفريقية - جامعة القاهرة) حول "موقف أثيوبيا من مشروع السد العالي". وجاء في كلمتها أن مصر بدأت بعد قيام ثورة يوليو 1952 في اتباع سياسة مائية قائمة على احتجاز مياه الفيضان داخل الحدود المصرية ببناء السد العالي في أسوان، والاستغناء في هذه المرحلة عن التخزين في الأحباس العليا للنهر في إطار ما كان يعرف بخطة التخزين القرني، ومن ضمن المشروعات التي تم صرف النظر عنها بعد حوالي نصف قرن من المفاوضات مشروع إنشاء سد على بحيرة تانا في إثيوبيا. بناءً عليه، جاهرت إثيوبيا برفض اتفاقيات مياه النيل السابقة بحجة أنها اتفاقيات تم توقيعها في ظل الاستعمار؛ كما قامت بمهاجمة مشروع السد العالي لدى الدول الغربية والمنظمات والمؤسسات الدولية، وحاولت تأليب السودان ضد مصر لمنع الوصول إلى اتفاق حول مياه النيل بين مصر والسودان وبالتالي عرقلة تنفيذ مشروع السد العالي. واستعرضت الرؤية الإثيوبية لخطط مصر المائية، وكيف جاء الرد المصري عليها.
ثم جاء بحث د. أسامة عبد التواب (أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المساعد – كلية الدراسات الأفريقية - جامعة القاهرة) عن "أثر تمويل السد العالي على بعض المشروعات التنموية في أفريقيا جنوب الصحراء".مشروع سد نهر الفولتا في غانا نموذجًا (1957 – 1966) الذي أكد أن معركة تمويل وبناء السد العالي في مصر في منتصف خمسينيات القرن العشرين تجربة ملهمة للعديد من الدول الأفريقية حديثة الاستقلال؛ حيث قررت قيادات هذه الدول بناء عددًا من المشروعات التنموية المشابهة. تم ذلك لمواجهة مخططات الدول الاستعمارية. وقد وضح هذا جليًا في مشروع سد نهر الفولتا في غانا، الذي عملت عليه حكومة ساحل الذهب منذ كانت تحت الاستعمار البريطاني، وتبلور المشروع في ذهن زعيم الحركة الوطنية في البلاد كوامي نكروما، وعمل بكل قوة منذ تحقيق غانا للاستقلال في مارس 1957 على تنفيذه ، وذلك حتى تستطيع الدولة الوليدة تنويع اقتصادها بدلًا من الاعتماد على محصول الكاكاو الذي كانت تتحكم بريطانيا في سعره العالمي. وقد تمثل المشروع ببناء سد ضخم عند أكوسومبو في شمال غانا، وتوليد طاقة كهربائية من أجل تصنيع الألومنيوم من خام البوكسيت المتوفر في البلاد. من هنا بدأ نكروما رحلة طويلة من المفاوضات مع البنك الدولي والولايات المتحدة الأمريكية من أجل تمويل المشروع، وقامت واشنطون بمقايضة الحكومة الغانية من أجل المزيد من التنازلات السياسية.