ماهر مقلد يكتب: رفقًا بالمشاهدين
دومًا نتحدث عن حرية الإعلام وأهمية أن يكون المناخ العام يضمن كل مقومات الحرية والشفافية والنزاهة ومن قبل الموضوعية، الحرية كلمة نبيلة الجميع يتطلع إليها ولا تعنى استباحة الغير أو الإسفاف أو بث الشائعات وعدم المصداقية، هى مرادف القيم والسمات الأصيلة، واحترام خصوصية الغير والسعى نحو الإنصاف فى الحياة وتجنب التهويل.
الحرية هى الحياة، ولكن لا حرية بلا فضيلة كما وصفها الفيلسوف الفرنسى فيكتور هوجو وأيضا قال: أن تعطى حرية لجاهل، كأن تعطى سلاحًا لمجنون.
الحرية مسئولية قبل أن تكون هدفًا والحديث عن الحرية ممتد وطويل ولا يغفل أبدًا حق الدولة كما يضمن حق الفرد، ومقولة تنتهى حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين تلخص المعنى البسيط لمفهوم الحرية فى أن الحرية لا تعنى الإضرار بمشاعر الغير أو استباحة حقوقهم.
كل مهنة فى الدنيا لها قواعد وأصول ملزمة ويحكم القانون فيها.
خلال السنوات الماضية برزت ظاهرة غير معتادة فى فضاء الإعلام ومنذ ظهور الفضائيات العابرة للحدود والأطر، وهى تقمص بعض مقدمى البرامج دور الواعظ الذى يعتلى المنبر ويتشدد فى خطابه، ولا يكف عن الترهيب، والبعض الآخر من المذيعين يجسد دور القاضى الذى يصدر الأحكام بالإدانة أو البراءة وقد تصل العقوبة حد الإعدام المعنوى للغير بقسوة، وفئة أخرى تمارس دور الخبير الذى يتعمق فى كل الملفات، تارة يتحدث فى العلاقات الدولية وتعقيداتها وأخرى فى الملفات الإستراتيجية وتشعباتها وفى الاقتصاد والعلوم العسكرية والخطط فى المباريات الرياضية، وهناك من اعتاد أن ينبش فى القبور الموصدة.
لا مجال للاعتراض على أن يتناول مقدم البرنامج كل هذه المجالات فهى موضوعات طبيعية للنقاش فى دوائر الحوار والبرامج، ومهمة البرنامج تتبع الأحداث اليومية وتناولها حسب أولوية الحدث وارتباط الرأى العام به لكن من منطلق إدارة الحوار بين متخصصين أو مسئولين لديهم الاطلاع والمعلومات وأن تظهر حنكة المذيع وثقافته فى إدارة الحوار والوصول إلى المعلومات التى تفيد المشاهد وتمنحه الاطلاع الواسع على مفردات الملف، وبعيدا عن الآراء القاطعة فى الشأن السياسى أو الاقتصادى أو الإستراتيجى، فالمشاهد اليوم يمتلك ذاكرة رقمية ولا ينسى وقد يفقد المذيع والبرنامج المصداقية ويصبح غير مصدر للثقة ويتندر المشاهد عليه عبر منصات التواصل الاجتماعى بسبب تلك الآراء القاطعة التى لا يمكن لمتخصص الجزم بها.
هنا الحديث عن نماذج لا تمثل جموع العاملين فى مجال التقديم التلفزيونى، هناك نماذج تؤدى الرسالة الإعلامية بمعايير وتقاليد ملتزمة بالقواعد والأخلاقيات تضمن للإعلام حضوره ودوره وبريقه الذى لا يخفت مهما كانت التحديات.
وظيفة المذيع هى أن يدير الحوار بين المتخصصين بميزان الموضوعية يحتفظ بوجهة نظره حتى لا يؤثر فى الضيوف أو فى المشاهدين.
المكتبات العلمية ومراجع البحث فى كليات الإعلام تضم العديد والعديد من الدراسات المهمة عن أخلاقيات المهنة وعن ضوابط العمل، كما هناك مدونات أخلاقيات العمل التى تعتمدها المؤسسات الإعلامية التى تتضمن سلوكيات مهنية ملزمة.
هناك نوعية من البرامج انتشرت فى الآونة الأخيرة تهدف فى المقام الأول إلى تحقيق أعلى معدل من الجدل والإثارة وهو نوعية لا تخدم أى رسالة من أى نوع ، لكنها موجودة وتحصل على مساحة كبيرة فى الظهور وتفتقد إلى المضمون والحبكة، والحديث عنها بمثابة المضيعة للوقت فى عصر صعب التحديات فيه كبيرة والظروف الاقتصادية ضاغطة والمشاهد ينتظر محتوى ملهما يحث على الأمل وتقديم مفاتيح وفرص للتغلب على هذه التحديات من خلال تجارب ناجحة لشعوب أو مؤسسات أو أفراد وإظهار الوجه المشرق فى مصر.