النهار
الأحد 22 ديسمبر 2024 07:43 مـ 21 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

عربي ودولي

بعد 100 يوم من الحرب في غزة.. تشتت يضرب الولايات المتحدة وأنقسام يضرب أوروبا

بعد 100 يوم من الحرب بين حماس وجيش الاحتلال الصهيوني، تحولت المعارك بينهم إلى صراع طويل الأمد بلا نهاية واضحة، مما يهدد بالانتشار عبر العالم وخصوصا منطقة الشرق الأوسط، وتعطيل التجارة العالمية وعرقلة الولايات المتحدة وحلفائها.
تحول الصراع الحالي الذي يعد من اكثر الأحداث أثارة في العقد الثالث من هذا القرن، من هجوم شنته حماس في 7 أكتوبر 2023 تزعم إسرائيل إنه أدى إلى مقتل 1200 شخص إلى انتقام شرس من جانب الاحتلال الإسرائيلي ضد أهالي غزة المدنين بحجة القضاء على غزة.
أدى الهجوم الوحشي من الجيش الإسرائيلي في 100 يوم إلى مقتل أكثر من 23 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وهو رقم لا يميز بين المقاتلين والمدنيين، كما تعرض ما يقرب من 70% من منازل غزة البالغ عددها 439 ألف منزل ونحو نصف مبانيها لأضرار أو دمرت.

كما هو المعتاد هبّت الولايات المتحدة وأوروبا لمساعدة إسرائيل في حرب تشكل أحد الاختبارات الحاسمة للسياسة الخارجية للرئيس بايدن، وقد ترددت أصداء الصراع والدعم المقدم من أمريكا وأوروبا لإسرائيل في العالم كله، مما أثار موجة من الاحتجاجات في جميع انحاء دول العالم.

فتحت هذه الحرب جبهات آخري على إسرائيل، قامت المقاومة اللبنانية "حزب الله" بضرب عدة مواقع إسرائيلية في شمال وفتحت العديد من المناوشات مع جيش الاحتلال، وفي شرق الأراضي المحتلة استغلت إيران تواجدها في سوريا فقامت بعدة عمليات عسكرية من الشرق ضد الجيش الصهيوني، أما عن الجنوب فجاء الرد من اقصي المنطقة العربية من اليمن وخاصة جماعة الحوثي المدعومة من طهران، فقاموا بأطلاق العديد من الصاوريخ والطائرات بدون طيار اتجاه الأراضي المحتلة وضرب الجيش الإسرائيلي، وتصعد الأمر إلى أكثر من ذلك حيث قاموا بعتراض السفن التجارية المارة من مضيق باب المندب التي تتجه إلى إسرائيل أو ترفع أى علم لدولة تساند الاحتلال أوتابعة لشركة يساهم فيها رجال أعمال إسرائيليين.

أمريكا تغير الأجندة
لقد أجبر الصراع في غزة الولايات المتحدة على إعادة التركيز على الشرق الأوسط بعد سنوات من إعادة توجيه الموارد الدبلوماسية والعسكرية لمواجهة الصين الصاعدة، لقد صرفت الانتباه عن الجهود الأمريكية لمساعدة أوكرانيا على صد الغزو الروسي.
لقد أدى الصراع إلى تشويش إحدى أهم أولويات السياسة الخارجية لبايدن، محادثات التطبيع التي تدعمها الولايات المتحدة بين إسرائيل والدول العربية، التي كانت تهدف إلى إعادة تشكيل التحالفات الدبلوماسية والأمنية في المنطقة والمساعدة في احتواء إيران، ومع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والدول العربية، فمن غير الواضح كيف ومتى ستتمكن الولايات المتحدة من استئناف تلك المحادثات التي تم تعليقها.
والآن، أصبحت مسألة كيفية حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي تجاهله المجتمع الدولي وإسرائيل إلى حد كبير لسنوات، مرة أخرى محورية في الدبلوماسية الأمريكية، على الرغم من أن الطريق إلى حل الدولتين يبدو أكثر وعورة من أي وقت مضى.
شنت الولايات المتحدة وحلفاؤها ضربات ضد أهداف للحوثيين في اليمن ردًا على الهجمات في البحر الأحمر التي تسببت في قيام السفن برحلات أكثر تكلفة وهزت أسعار السلع الأساسية المرتبطة بتلك التدفقات.

انقسام أوروبي وتناقض معايير
الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لا يشكل مجرد صراع شرق أوسطي بالنسبة لأوروبا، فهو يحمل إمكانية استقطاب الرأي العام الأوروبي بشكل لا مثيل له فيما يتعلق بسياسات الهوية، ويرجع ذلك إلى وجود دولة يهودية في وسط منطقة عربية إسلامية، وهو نتيجة مباشرة للمسؤوليات الأوروبية المرتبطة بماضيها الاستعماري في المنطقة، التي كان معظمها استعمار بريطاني وفرنسي، كما كان هناك محرقة، التي تمثل المسؤولية التاريخية الجماعية للدول الأعضاء الأوروبية عن اضطهاد الأقليات اليهودية خلال الحرب العالمية الثانية، لذلك هناك انقسام دائم في موقف الدول الأوروبية اتجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

قالت روث هاناو أستاذة السياسة والعلاقات الدولية في جامعة نابولي، إنه في 26 أكتوبر، أثناء التصويت على وقف فوري لإطلاق النار في الجمعية العامة للأمم المتحدة ، والذي تم التصويت عليه بأغلبية 120 صوتًا مقابل 14 صوتًا وامتناع 45 عن التصويت، انقسمت أوروبا إلى ثلاثة معسكرات، ودعا القرار إلى "هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تؤدي إلى وقف الأعمال العدائية" ورفض بشدة "أي محاولات للنقل القسري للسكان المدنيين الفلسطينيين"، وصوتت إسبانيا وبلجيكا والبرتغال لصالح القرار، حتى أن إسبانيا ذهبت إلى حد الإعلان عن اعتراف محتمل من جانب واحد بالدولة الفلسطينية، وذلك تمشيا مع ما فعلته السويد في عام 2014.

وأضافت أن من بين الدول التي صوتت ضد القرار، إلى جانب الولايات المتحدة وإسرائيل، النمسا والمجر وجمهورية التشيك وكرواتيا، والتي لا ينبغي تقييد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها فيها. وامتنعت عدة دول أوروبية أخرى، بما في ذلك إيطاليا وفرنسا وألمانيا، عن التصويت، ومن الممكن أن نعتبر هذا فشلاً للسياسة الخارجية والأمنية الأوروبية ، في حين ظلت الدول الأوروبية في المقابل متماسكة فيما يتصل بملفات السياسة الخارجية الرئيسية الأخيرة، بما في ذلك أوكرانيا وإيران.

أوضحت روث أن الأمر استغرق ثلاثة أسابيع من الاتحاد الأوروبي بعد عملية 7 أكتوبر التي شنتها حماس على إسرائيل، للاتفاق على موقف مشترك بشأن حرب غزة، وتضمن ذلك إدانة هجمات حماس، ودعم حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، والإدانة للخسائر في أرواح الفلسطينيين، والقلق إزاء تدهور الحالة الإنسانية في قطاع غزة.

وأكدت أستاذة السياسة والعلاقات الدولية أن التحديات التي واجهت التوصل إلى اتفاق بشأن لغة البيان المشترك بشأن "التوقف الإنساني" أو "التوقف المؤقت" تشير إلى مجموعة من المواقف المحسوسة بعمق داخل الاتحاد، لكن في نهاية المطاف، تبنت الدول الأوروبية "الهدنات الإنسانية" بدلاً من طلب وقف دائم لإطلاق النار.

وذكرت روث هاناو أن هناك اتساع في الانقسامات بجميع أنحاء أوروبا، حيث كان رد فعل الأحزاب السياسية في أوروبا على الصراع هو تحويله إلى قضية داخلية، فقد أدان حزب الشعب الأوروبي أعمال حماس ووصفها بالإرهابية وتعهد بتقديم الدعم غير المشروط لإسرائيل والأحزاب اليمينية والشعبية، على الجانب الآخر، ناضل 32 حزبًا اشتراكيًا أوروبيًا، اجتمعوا في المؤتمر الأخير للأحزاب الاشتراكية الأوروبية في إسبانيا في منتصف نوفمبر، من أجل اتخاذ موقف موحد بشأن غزة، وانتهى بهم الأمر إلى مجرد دعم المفهوم الفضفاض المتمثل في "الهدنات الإنسانية"، مشيرا إلى أنه لا تزال هناك توترات كبيرة داخل اليسار"بعض الأحزاب تدين الحرب الإسرائيلية على غزة باعتبارها شكلاً هائلاً من أشكال العقاب الجماعي، وبعض الأحزاب تصف حماس بأنها جماعة إرهابية".

وأشارة أستاذة السياسة والعلاقات الدولية في جامعة نابولي، إلى رغم أن الغزو الروسي كان سبباً في تعزيز الوحدة الأوروبية، فإن حرب غزة لم تكشف عن الانقسامات الداخلية فحسب، بل إنها تظهر صراحة كيف تظل أوروبا دافعاً بدلاً من كونها لاعباً في الحرب بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما أنها تظهر أيضاً التناقضات الغربية في الفشل في تبني نفس المعايير كما هي الحال في أوكرانيا دفاعاً عن السكان المعتدين، وهذا في نظر الدول المساندة لفلسطين يؤدي إلى المزيد من إضعاف مصداقية أوروبا ومكانتها.

موضوعات متعلقة