خوفا من الانتقام.. يهود فرنسا في خوف متزايد بعد مذابح إسرائيل في غزة
في حي سارسيل بالضواحي الشمالية لباريس، الذي يُعرف باسم "القدس الصغيرة"، كانت الحياة تسير بشكل طبيعي ونشط، ولكن منذ الهجوم الذي شنته حماس ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر، أصبحت الأمور مختلفة تمامًا، هدوء مريب يسود الحي، حيث يحرص السكان المحليون على الابتعاد عن الحركة، وتُغلق المطاعم والمقاهي أبوابها خشية من تصاعد الأزمة في أنحاء فرنسا.
ألكسيس تيمسيت مدير مطعم بيتزا كوشر، يشير إلى حالة الخوف التي يعيشها الناس، حيث فقدوا إلى حد كبير رغبتهم في الحياة. ويتابع تيمسيت بحزن على شاشة التلفاز التي تعرض تغطية مستمرة للحرب: "تراجعت الأعمال بنسبة 50 في المائة، وأصبحت الشوارع خالية من الحياة، دون وجود لأي نشاط يُذكر".
بعد هجوم حماس ضد إسرائيل في أكتوبر الماضي، شهدت فرنسا زيادة ملحوظة في حوادث التمييز ضد اليهود. تتراوح هذه الحوادث بين الإساءة اللفظية والتهديدات بالقتل والاعتداءات الجسدية، مما أدى إلى تشديد الإجراءات الأمنية في المجتمع اليهودي، بما في ذلك الحراسة المشددة للمدارس والمعابد.
مع استمرار التوتر، يشعر السكان بالقلق والخوف، ويعبرون عن تلك المشاعر في منصات التواصل الاجتماعي، وقد اضطر البعض إلى سحب أطفالهم من المدارس خلال الأيام المتوترة.
فرنسا تضم أكبر جالية يهودية خارج إسرائيل والولايات المتحدة، وتعتبر واحدة من أكبر الجاليات الإسلامية في أوروبا، ومع تزايد التوترات الناجمة عن الصراع بين إسرائيل وحماس، يتجدد الخوف في أماكن مثل سارسيل، حيث يعيش اليهود والمسلمون جنبًا إلى جنب.
وسط هذا التوتر، تواجه السلطات تحديات معقدة، حيث يجب عليها مواجهة المطالب المتضاربة بين اليهود الذين يخشون على سلامتهم والمسلمين الذين يتضامنون مع القضية الفلسطينية، وفي ظل هذا يسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تحقيق توازن دقيق بين دعم إسرائيل ودعوة إلى الحفاظ على حياة الفلسطينيين.
مجتمع تحت التهديد
تشهد فرنسا زيادة في الهجمات المعادية للسامية منذ بداية القرن الحادي والعشرين، مما يحفر بعمق في الذاكرة الوطنية للبلاد نظرًا لتاريخها المؤلم مع النازية الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية.
يشير مارك هيكر المختص في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في مؤسسة IFRI، إلى أن الخوف من العنف في فرنسا زاد بشكل خاص مع الانتفاضة الثانية ضد الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، مؤكدا أن كلما اشتد الوضع في الشرق الأوسط، زادت الجرائم المعادية للسامية في فرنسا.
تسببت التهديدات وخوف فرنسا في فرض إجراءات أمنية مشددة في المدارس اليهودية والمعابد اليهودية، كما أثرت على سلوكيات بعض اليهود الفرنسيين الذين ترددوا في ارتداء القلنسوة في بعض المناطق، وفقًا للمنظمات اليهودية.
يعتبر اليهود الفرنسيون هدفًا رئيسيًا، خاصة في ظل الموجة الإرهابية التي شهدتها فرنسا في العقد الماضي، ففي عام 2012، قتل ثلاثة أطفال وحاخام بالرصاص في مدرسة يهودية في تولوز، بينما قُتل أربعة أشخاص في متجر للأطعمة اليهودية بالقرب من باريس في عام 2015.
ومع أن شبكات القاعدة وداعش متفرقة، إلا أن هيكر يحذر من أن هجوم حماس على إسرائيل قد حفز الأرهابيين في جميع أنحاء العالم، مما يثير مخاوف عميقة بين يهود فرنسا.
العديد من يهود سارسيل هم من السفارديم، أي من أصل إسباني، حيث وصلوا إلى شمال إفريقيا بعد طردهم من إسبانيا في العصور الوسطى، وبعد ذلك هاجروا إلى فرنسا من المستعمرات الفرنسية السابقة في الجزائر وتونس، وبناءً على ذلك، تشترك الجالية اليهودية والسكان المسلمين في سارسيل في التاريخ الثقافي واللغوي، وقد عاشت المجموعتان معًا في وئام نسبي لعقود من الزمن.
وفيما يتعلق بالعلاقات بين الجاليات المسلمة واليهودية في سارسيل، قالت نعيمة مسنة مسلمة لصحيفة بولتيكو، أن العلاقات سهلة وهم يتقاسمون ثقافة مماثلة، والكثير من اليهود أصلهم من تونس والجزائر، ويتحدثون بعض اللغة العربية، مضيفة أنها انتقلت إلى فرنسا من الجزائر في شبابها مع عائلتها وزوجها وأولادها الذين يحترمون اليهود، لكننها تعرف أن هناك الكثير من الأشخاص الغاضبين من إسرائيل.
وعلى صعيد آخر، قال أفنير يهودي، إن لديه أصدقاء مسلمين، ويتفقون بشكل جيد، ولا يحدث بينهم مشاكل كما يتصور البعض.
ومع ذلك، يعتبر السياسة والصراع الإسرائيلي الفلسطيني مواضيع محظورة بالنسبة للكثيرين، وتعيش المجتمعات حياة منفصلة نسبيًا، حيث يلتحق معظم التلاميذ اليهود بالمدارس الدينية، وقد اختار العديد من اليهود في سارسيل الهجرة إلى إسرائيل في السنوات الأخيرة.
ولكن في المقابل عادت العديد من العائلات الفرنسية من إسرائيل منذ هجمات حماس للعثور على مأوى مؤقت في السلام النسبي في سارسيل.