الممرضة سيدة الكمشوشي.. حكاية ملاك الرحمة التي أنقذت أرواح أبطال أكتوبر و كرّمها السادات والسيسي
في الذكرى الخمسين لنصر حرب أكتوبر، وفي كل ذكرى سابقة يسترجع المصريون القصص البطولية التي سطرها أبناء الجيش المصري في حرب أكتوبر، وأسماء الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل استرداد الأرض من الصهاينة، والحقيقة أن الأبطال لم يكونوا في ساحة المعركة فقط ومنهم أبطال الجيش الابيض الذين أنقذوا أرواح المصابين وعرضوا أرواحهم للخطر لكي تنتصر مصر وتسترد أرضها وكرامتها.
من بين الجنود الذين كانوا خارج ساحة المعركة، بطلة من بطلات الجيش الأبيض، وهي الممرضة سيدة الكمشوشي، بنت قرية رملة الأنجب التابعة لمركز أشمون بمحافظة المنوفية، والتي سطرت ملحمة بطولية في إنقاذ أرواح المصابين من حرب أكتوبر، والتي كرّمها الرئيس السيسي خلال الاحتفال بالذكرى الخمسين لنصر أكتوبر، ليكون هذا التكريم هو التكريم الرئاسي الثاني، بعد أن كرمها الرئيس السادات بعد الحرب.
سيدة الكمشوشي، ممرضة تسلمت عملها في مستشفى السويس قبل الحرب بعامين، وحينما بدأت الحرب أصبحت مستشفى السويس هي الملاذ الوحيد لإنقاذ أرواح المصابين من أبطال المعركة، فكانت سيدة وزميلاتها يعملن كخلايا النحل لوقف نزيف المصابين وتضميد جراحهم، وكان بين هؤلاء المصابين المجند حامد دويدار والذي أصبح فيما بعد زوجها.
تقول سيدة الكمشوشي في حديثها لـ "النهار"، إنها سافرت إلى السويس لاستلام عملها وحينما قامت الحرب، امتلأت المستشفى بالمصابين كانوا يفترشون الأرض والأسرة وكل مكان في المستشفى، وفي هذا التوقيت استطاعت هي وزميلاتها إنقاذ أرواح عددًا من المصابين، وكان من بينهم جنود من قريتها رملة الأنجب فتوات أمرهم دون أن تهمل في باقي المصابين، ولكن أحدهم كان في حالة خطرة وهو المجند حامد دويدار، والذي تم نقله إلى القاهرة، بعد مضايقات من الجانب الإسرائيلي، حيث رفض أفراد جيش الصهاينة عبور المصابين دون تسليم المتوفين من جنودهم، وبالفعل قبل الجانب المصري تسليم جثث الصهاينة مقابل الحفاظ على أرواح مصابي الجيش المصري.
وتضيف سيدة الكمشوشي، أن حامد دويدار الذي تم نقله إلى المستشفى في القاهرة، بعد انتهاء الحرب والحصار طلب يدها من والدها وقبلت، وتزوجا وأنجبا 3 أولاد و بنت واحدة، وتوفي لهما الابن الأكبر غرقا في مياه الإسكندرية بعد أن حصل على الثانوية العامة بنسبة نجاح 100%.
واستكملت ملاك الرحمة حكايتها مع أبطال الجيش المصري قاىلة: " يوم ٢٤ أكتوبر اقتربت ٧ دبابات من المستشفى، وكان الجنود الإسرائيليون يستهدفون المستشفى لأن بها عدد كبير من الجنود المصريين، وفي هذا التوقيت شعر كل أفراد المستشفى بالذعر، ولكنهم فوجئوا بمجند مبتور اليد يطلب منهم سلاح من الأسلحة الموجودة بالمستشفى ويضرب دبابة ويفجرها، وجندي آخر مبتور القدمين يزحف ويحمل سلاحه ويضرب دبابة أخرى، فيتحرك الجنود المصابين إصابات طفيفة وحملوا أسلحتهم وتمنكوا من تفجير ما تبقى من الدبابات".
وأشارت الممرضة سيدة الكمشوشي إلى أن أصعب لحظات مرت عليها كانت في فترة الحصار حيث قطع الجنود الإسرائيليون خطوط المياه عنهم ولم يجدوا مساءً ليشربوا ولكن جنديا مصريا ظل يسير في الصحراء حتى عاد لهم بجركن ماء فأخذ كل منهم رشفة صغيرة فقط ليروي عطشه وقبل أن ينفذ ماء الجركن، سمعوا خيرا سعيدا بأن عين انفجرت بالماء خلف مبنى المحافظة، وذهبت الممرضة سيدة إلى هناك وملأت المياه من العين وشربوا جميعا ماءً عذبا وظلوا يكبرون ويحمدون الله على هذه المعجزة والنعمة العظيمة".
من بين المواقف الصعبة عليها أيضا أنها لم تحضر جنازة والدها لأنها لم تستطع النزول فترة الحصار، مؤكدة أنه كان دائم القلق عليها خصوصا بعد وفاة أحد المجندين في قريتها، في هذا التوقيت ظلوا يبكون ويصرخون ظنا منهم أن ابنتهم سيدة توفت هي الأخرى، خصوصا أنها لم تتمكن من إرسال جوابات لهم، حيث كان الجنود الإسرائيليون يصادرون هذا الجوابات ويمنعون عبورها، لكن أحد المجندين المصابين حضرته فكرة ذكية ليطمئن أسر الجنود والطاقم الطبي، فحمل رسائلهم وأرقام هواتف منازلهم أسفل جبيرته ومر بها من الجنود الإسرائيليون وحينما عاد طمأن أسرهم عليهم، وكان من بينهم والدة سيدة الكمشوشي.
ولكي تصدق الأم أن ابنتها على قيد الحياة بالفعل، أرسلت الممرضة رسالة مع المجند تحمل سرا بين الأم وابنتها فقط، وهي أنها خلعت أسورتين من الذهب ووضعتهما في قطعة قطن قبل سفرها، وبالفعل حينما سمعت الأم هذا الأمارة صدقت أنها على قيد الحياة.
التقت الممرضة سيدة الكمشوشي بالرئيس السادات لأول مرة حينما زار مستشفى السويس وطلبت منه أن يتدخل لنقلها إلى المنوفية بعد انتهاء الحصار، لأن مدير المستشفى ورئيسة التمريض يرفضان رحيلها لكفائتها فطلب منهم الرئيس نقلها بعد أن أدت دورا بطوليا في فترة الحرب والحصار، وأعطاها رقم هاتف مكتبه في حال رفضهم مجددا نقلها، لكنهم وافقوا على انتقالها المنوفية بعد تدخل الرئيس السادات" وكانت المرة الثانية حينما كرمها الرئيس السادات.
تلقت بنت المنوفية تكريمات عدة منها تكريمين رئاسيين من السادات والسيسي وغيرها من وزير الصحة في عهد السادات ومن الاتحاد الاشتراكي أيضا.
وأعربت سيدة عن فرحتها وسعادتها بتكريمها في الذكرى الخمسين من الرئيي السيسي، لافتة إلى أن سعادتها كانت بالغة بالتفاف المكرمين الآخرين بالحفل حولها وتقبيل رأسها والتقاط الصور معها، والطفلة الصغيرة التي أهدتها سبحة بألوان علم مصر، فتقرر الممرضة الفاضلة أن تحتفظ بها ضمن مقتنياتها من صور ومستندات خاصة بفترة الحرب والتكريمات التي حصلت عليها.