النهار
جريدة النهار المصرية

رئيس التحرير

أسامة شرشر يكتب: ورحل المقاتل والمفاوض

الكاتب الصحفي أسامة شرشر
-

لا شك أن رحيل المقاتل الفريق محمد العصار، وزير الإنتاج الحربى، المفاجئ للجميع- خسارة فادحة، ونحسبه عند الله من الشهداء الأبرار.

وما لا تعرفه الأجيال الجديدة والشباب أن الشهيد العصار شارك فى حرب الاستنزاف، وكان أحد المقاتلين فى حرب أكتوبر المجيدة، وكان طالبًا متفوقًا خلال دراسته بالكلية الفنية العسكرية.

ولعب دورًا خطيرًا فى إعادة علاقات التسليح مع روسيا، وكان مهندس صفقات التسليح للجيش المصرى، وكان أحد صمامات الأمان بين أعضاء المجلس العسكرى، كما لعب دورًا خفيًّا ومعلنًا بعد أحداث ثورة 25 يناير وتفاوض- وكان نعم المفاوض- مع عصابات الإخوان وإخوانهم من السلفيين.

وقد لعب الفقيد دورًا خطيرًا فى أزمة ماسبيرو، وكان يمثل المؤسسة العسكرية الوطنية فى المفاوضات مع الأمريكان، ولا ننسى موقفه المعلن مع السفيرة الأمريكية باترسون عندما أرادت التدخل فى الشأن الداخلى المصرى بعد أحداث يناير؛ وكان موقفه حاسمًا ورادعًا أننا لن نسمح لأحد بالتدخل فى الشأن الداخلى المصرى.
وكان من أنصار عدم إطلاق أى رصاصة على المتظاهرين.. وكان يمثل الحكمة والرؤية والاستراتيجية داخل المجلس العسكرى فى كثير من الأزمات التى لم يعلن عنها حتى الآن، ومعه أعضاء المجلس العسكرى الذين تحملوا أصعب فترة فى تاريخ مصر، وكانوا صمام الأمان فى عدم سقوط الدولة المصرية فى براثن الحرب الأهلية.

وعندما تقلد وزارة الإنتاج الحربى، بدأت بوادر التصنيع الحربى تظهر للوجود من مدرعات وسيارات حربية وغيرها من المعدات، وهو ما رأيته بعينى فى معرض مصر للصناعات الدفاعية والعسكرية (إيديكس 2018).

(لقاء اللواء محمد العصار والنائب أسامة شرشر في معرض إيديكس 2018)

ولم يقف العصار عند حدود الصناعية العسكرية، فلقد تطورت المنتجات المدنية التى تصنعها مصانع وشركات الإنتاج الحربى فى عهده تطورًا كبيرًا، وليس أدل على ذلك من قدرة هذه الشركات والمصانع على تغطية احتياجات السوق المصرية خلال أزمة فيروس كورونا الحالية.

وكانت ثقة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى اللواء محمد العصار بلا حدود، فقد كان يستشيره فى كثير من الأمور ويحمِّله كثيرًا من الملفات المهمة، وأبسط دليل على ذلك قيام الرئيس السيسى بحسه الوطنى والعسكرى والسياسى بتكريم وتقليد اللواء العصار رتبة فريق، وكأنه كان يخشى أن يرحل عنا الفريق العصار قبل أن يحظى بتكريم ملائم تمثّل فى رتبة الفريق التى شرفت بهذا الرجل.

سيظل الفريق العصار فى ذاكرة الأمة المصرية وشعبها العظيم نموذجًا للمقاتل الوطنى، والمفاوض المحنك، والسياسى الصامت، والإنسان الذى كان يعشقه كل من عرفه داخل المؤسسة العسكرية أو خارجها.

وكأن السماء تستقبل أحد قناديل الزيت على أرض الحقيقة، وأيقونة من الأيقونات المخلصة فى عشق هذا الوطن، المدافع عن الأرض والعرض، سيظل التاريخ شاهدًا على وطنية هذا الرجل الذى أبلى بلاءً حسنًا هو ورفاقه من رجال المجلس العسكرى، لإنقاذ الدولة المصرية والعبور بها إلى بر الأمن والأمان الحقيقين.

وأخيرًا فإن القدر لا يُحتاط منه.