أسامة شرشر يكتب: ويسألونك عن الثانوية العامة؟!
أخيرًا أُعلنت نتيجة الثانوية العامة بعد ماراثون طويل امتد لقرابة العام، شارك فيه حوالى 900 ألف طالب وطالبة على مستوى الجمهورية، تسارعوا وتسابقوا ليس لتحقيق النجاح فحسب، ولكن للتفوق على أقرانهم بأى ثمن، وهو الأمر الذى يعكس الصورة الحقيقية الفاشلة لنظام الثانوية العامة، وفشل المنظومة التعليمية.
فكلنا تابعنا حالة الهستيريا التى أصابت جميع أطراف منظومة الثانوية العامة بداية من الطلاب وأولياء الأمور ووصولًا إلى وزارة التربية والتعليم نفسها، وتابعنا صرخات واستغاثات وشائعات وغشًّا وتسريبات للامتحانات، حتى وصل الأمر إلى النيابة العامة فى بعض الحالات، وكأن الطالب مجرم يحتاج إلى عقاب، وليس طالبًا يحتاج إلى مراجعة وتقويم، وهذا كله نتيجة التفكير الخاطئ بأن الثانوية العامة هى نهاية التعليم فى مصر، وبسبب حالة اللا ثقة فى النظام التعليمى، والمنظومة التعليمية بشكل عام.
إن التراكمات التى حدثت فى وعى الشعب المصرى حول الثانوية العامة ما زالت تهز أركان البيوت المصرية، وأصبح أولياء الأمور للأسف الشديد هم رأس الحربة فى حالة الهستيريا التى أصابت الجميع، وكأن الثانوية العامة ليست شهادة تعليمية من ضمن الشهادات التى يحصل عليها أى طالب، ولكنها معركة حياة أو موت.. وهو الأمر الذى يطرح تساؤلات هامة: هل يحدث هذا فى أى دولة عربية أو إفريقية أخرى؟ وهل هناك دولة فى العالم بها تنسيق لدخول الجامعات؟ وهل يصل أى من طلاب الثانوية فى العالم للوضع الذى نشاهده لدينا من صراع وانهيارات بل انتحار؟!
وكأن الأسرة المصرية ليس لديها ما يكفيها من انهيارات للمبانى فى الإسكندرية وغيرها والتى أصبحت عرضًا مستمرًّا، وتخفيف للأحمال عن الكهرباء التى صارت روتينًا يوميًّا ضمن جدول حياة المواطن المصرى، لتأتى الثانوية العامة لتثير هذه الحالة من الرعب والجدل والخوف لدى الطلاب وأولياء الأمور.
أعتقد أننا أصبحنا فى حلبة منافسة، ليس من أجل التعلم لخلق كوادر قادرة على الدخول فى سوق العمل مستقبليًّا، بل للتباهى والتفاخر دون أى مراعاة لحاجة سوق العمل، وليس أدل على ذلك من التسابق الشديد على الدروس الخصوصية التى أصبحت هى القاعدة، والاستثناء هو الانتظام فى المدارس، وكأننا نعيد اختراع العجلة.
فيسألونك عن الثانوية العامة، قل الثانوية العامة أصبحت فى خبر كان، وهذه الأعداد الكبيرة من طلاب الثانوية العامة يتعثرون فى المرحلة الجامعية؛ لأن ما بُنِىَ على باطل فهو باطل، ونتيجة عدم تعلم الطالب التعليم العملى والتحريرى الفعلى الحقيقى، تكون النتائج كارثية بالمعنى التعليمى.
يا سادة.. التعليم فى مصر يحتاج إلى وقفة حقيقية، ولا بد أن ينتهى ما يسمى «بعبع الثانوية العامة»، وهى جريمة فى حق المواطن المصرى أن تصمت الحكومة عن تصوير الثانوية العامة على أنها معركة بين طرفين، وهى من المفترض أنها عكس ذلك تمامًا.
فلذلك أقترح تشكيل مجلس أعلى للتعليم من الخبراء والمتخصصين وأن يتم إنهاء ظاهرة ما يُسمَّى الثانوية العامة تمامًا من التعليم المصرى، وإلغاء التنسيق للدخول للجامعات حتى نقضى على بعبع الثانوية العامة.. فأنا لا أتخيل أو أتصور فى أى دولة فى العالم أن ينتحر طالب أو طالبة بسبب نتائج الثانوية العامة.
وكما قلتها سابقًا، وأكررها، إن التعليم ثم التعليم ثم التعليم هو السبيل الوحيد لنهضة أى أمة؛ فلذلك يجب أن تكون هناك عدالة تامة فى التعليم قبل الجامعى الذى يتلقاه كل الطلاب المصريين بمختلف مستوياتهم الاجتماعية والمادية؛ فمصر هى الدولة الوحيدة التى يوجد فيها كل أنواع التعليم بهذه الصورة العشوائية، فما بين تعليم دولى وتعليم خاص وتعليم حكومى ومدارس متفوقين ومعاهد أزهرية وتعليم بريطانى وألمانى وأمريكى وغيرها، نجد مجموعة من الطلاب يتعلمون تعليمًا خاصًّا بتكلفة عالية جدًّا، وهذا تمييز فى تقديم الخدمة التعليمية، وهذه مخالفة دستورية صارخة، بينما يتنافس أولياء الأمور ويضيع الهدف الحقيقى الذى يوجد من أجله أى نظام تعليمى فى أى بلد فى العالم، وهو إعداد أجيال جديدة قادرة على منافسة أقرانها فى العالم فى سوق العمل، وفى البحث العلمى وفى الابتكارات والاختراعات، وفى الصناعة والزراعة والفنون والآداب.
وهناك فارق كبير جدًّا بين التعليم والتعلم، فالتعلم يخلق قدرة على الإبداع وينمى المهارات ويجدد الأفكار، ولكن التعليم يعتمد على الحفظ والتلقين وإلغاء العقل والتفكير.
فقبل أن نتحدث عن أى شىء لا بد من توحيد المناهج فى كل مراحل التعليم ما قبل الجامعى على مستوى الجمهورية، وهذه بداية التصحيح التعليمى فى مصر، ولن تحدث نهضة أو تنمية إلا بنسف منظومة التعليم البائدة التى أصبحت وبالًا على الشعب المصرى والطلاب والطالبات، وأن نعطى المختصين والخبراء السلطة ونحمّلهم المسئولية لإنشاء منظومة تعليمية بها مساواة وعدم تمييز، وأن نرعى هذا النظام التعليمى الجديد ونحافظ عليه من العبث، وهذه هى مشكلة مصر فى الفترة الأخيرة، التضارب فى القرارات وعدم انتظام النظام التعليمى.
إن مصر بحجمها وثقلها كانت فى الماضى القريب هى التى تصدر المدرسين والأطباء إلى البلدان العربية، فيما أصبحت للأسف الشديد الآن يُنظر بشك إلى مدرسيها وطلابها لانخفاض المستوى التعليمى، وهذه حقيقة يجب أن نعترف بها.
والعلاج يكون بوضع سياسة تعليمية ثابتة وإلغاء الفوارق التعليمية والمسميات الرنانة وأن تعود هيبة المدرس وتوفير الحد الأدنى المادى له، وأن يكون المعيار الحقيقى لكفاءة المدرس هو مستوى طلابه، واستمراره فى التدريب ثم التدريب، لأن إصلاح المنظومة التعليمية لا يمكن أن يتم إلا من خلال إصلاح الهيكل التعليمى والبنية التعليمية؛ لأن الاستثمار فى الطلاب والطالبات هو الاستثمار الحقيقى فى مستقبل الوطن.
فلذلك أؤكد على ضرورة أن يكون المجلس الأعلى للتعليم مستقلًّا عن الحكومة وأن يضع السياسات والأفكار والبرامج؛ لأن الحكومة فشلت فشلًا ذريعًا فى تقديم منتج تعليمى جيد، والمحصلة النهائية هى التراجع الحاد وفقًا للإحصائيات والبيانات، للمستوى التعليمى للطلبة، حتى إن اللغة العربية التى هى لغة القرآن لا تعتبر لغة أساسية فى بعض المدارس، وكثير من الطلاب للأسف الشديد فى المرحلة الثانوية لا يكتبون ولا يقرأون بالعربية، وهذه أم الجرائم التعليمية.
أصلحوا النظام التعليمى، وسيتم إصلاح هذا الوطن والحفاظ على مستقبل أبنائه.