النهار
الثلاثاء 5 نوفمبر 2024 10:40 صـ 4 جمادى أول 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

عربي ودولي

كم تبلغ خسائر الاقتصاد الفرنسي جراء الاضطرابات الأخيرة ؟

جانب من حرائق باريس
جانب من حرائق باريس

كغيره من الاقتصادات الأوروبية يرزح الاقتصاد الفرنسي تحت وطأة عديد من التحديات المتفاقمة لا سيما في ضوء ما خلفته جائحة كورونا من ضغوطات واسعة ومن بعدها الحرب في أوكرانيا وأزمة الطاقة وارتفاع معدلات التضخم وسياسات التشديد النقدي المتبعة تبعاً لذلك، غير أن الاضطرابات الأخيرة وأعمال العنف التي تلت حادثة مقتل الشاب "نائل" قد فاقمت الضغوطات على كاهل باريس.
عكست المشاهد الآتية من فرنسا خلال الأيام الأخيرة جانباً مباشراً من حجم الأضرار الواسعة التي لحقت بعدد واسع من المتاجر الكبرى في عديد من الأحياء فضلاً عن عمليات الحرق والتدمير التي لحقت بكثير من الحافلات والسيارات والمباني، وبما يكشف عن خسائر فادحة، لا سيما إذا ما أضيفت إليها الخسائر المرتبطة بحجم الضرر الهائل بقطاع السياحة على أثر تلك الاضطرابات التي رسمت صورة مرعبة للشارع الفرنسي.

وفي هذا السياق تشير التقديرت الأولية لشركات التأمين هناك إلى أن حجم الخسائر قد بلغ أكثر من 100 مليون يورو (109 ملايين دولار) وهو رقم مرشح للزيادة بلا شك، طبقاً لما نقلته تقارير إعلامية عن رئيس غرفة التجارة في إيكس مرسيليا بروفانس جان لوك شوفين والذي أشار بشكل خاص إلى الخسائر الناجمة عن استهداف جميع الشركات وتضررها لا سيما تلك التي تقدم سلعاً ثمينة.

و إن الأحداث التي بدأت منذ مقتل الفتى نائل قادت إلى خسائر اقتصادية يمكن وصفها بـ "الفادحة"، على النحو التالي وهناك خسائر مباشرة وخسائر مستقبلية غير مباشرة تنتظر الاقتصاد الفرنسي جراء الأحداث الأخيرة.
الخسائر المباشرة تنقسم إلى (الخسائر الميدانية والخسائر الإضافية المرتبطة بالقطاع السياحي).
الخسائر الميدانية ترتبط بشكل مباشر بعمليات التدمير والحرق التي تعرضت لها آلاف المباني والسيارات والمنشآت وغير ذلك من الخسائر المنظورة حتى الآن.
الخسائر الإضافية ترتبط بقطاع السياحة لا سيما ونحن على أعتاب الموسم السياحي في باريس تحديداً وقد أدت الأحداث الأخيرة إلى إلغاء عدد هائل من الحجوزات لا سيما من السياحة الوافدة من الولايات المتحدة والدول الآسيوية.
تشير التقديرات المبدئية التي كشف عنها مدير مكتب السياحة في العاصمة جان فرنسوا ريال إلى أن نسبة 25 بالمئة من حجوزات الأجانب قد تم إلغاؤها على وقع الأحداث التي تشهدها البلاد وقد حذر من تفاقم الأزمة ما إن استمرت تلك الحالة وبما يؤثر كذلك على دور الألعاب الأولمبية المرتقبة بالبلاد.

و "علاوة على ذلك فإن سمعة فرنسا الاقتصادية أصيبت أيضاً بالصدمة لأن رؤوس الأموال تفتش عن الأماكن المستقرة للقيام بأعمال تجارية وإنشاءات وغير ذلك، بينما حالة عدم الاستقرار خلال الأيام الماضية وما رافقها من أعمال عنف أدت إلى تجميد عديد من الأعمال التي كان مقرر أن تقوم بها شركات ورجال أعمال من داخل وخارج فرنسا".
و "أيضاً هناك على المدى البعيد الخسائر المتوقعة المرتبطة بدورة الألعاب الأولمبية الصيفية بعد عام من الآن (الدورة الثالثة والثلاثين في الفترة من 26 يوليو إلى 11 أغسطس 2024) على اعتبار أن الأحداث الأخيرة تؤدي بدورها إلى نوع من التراجع في النشاط الاقتصادي والبنى التحتية المخصصة حتى أن أحد المواقع الخاصة بالدورة تم إحراقها أخيراً كما تم تأخير عديد من الأعمال المرتبطة بالإنشاءات والبنى التحتية الخاصة بالحدث".

وإلى أن "الخسائر المشار إليها دون أدنى شك تؤدي لاهتزاز الوضع الاقتصادي في فرنسا لا سيما وأنها تأتي ضمن سلسلة من الأحداث المتتابعة بداية من العام 2018 وتظاهرات أصحاب السترات الصفراء ثم أزمة كورونا وتداعياتها الاقتصادية ومن بعدها الحرب في أوكرانيا وما تحملته باريس من أعباء مالية وعسكرية ثم جاءت بعدها المظاهرات والإضرابات الشاملة للنقابات العمالية مجتمعة ضد قانون رفع سن التقاعد.. كل هذه تراكمات كبدت الاقتصاد الفرنسي خسائر كبيرة".

وبشكل عام بأنه على المدى المنظور وفي ضوء الوضع السياسي الدولي والأوروبي الحالي وفي ظل تداعيات الحرب في أوكرانيا يمكن للاقتصاد الفرنسي أن يكون قادراً على الانتعاش بسرعة معقولة : "الأمور ستحتاج إلى بعض الوقت كي يستعيد الاقتصاد الفرنسي دورته الطبيعية ويستطيع التخفيف من أعباء التضخم واستعادة قدرة المواطن الفرنسي الشرائية في ظل ارتفاع الأسعار".

إن الخسائر التي لحقت بالمرافق ومؤسسات الدولة نفسها تصل إلى ثمانية ملايين يورو طبقاً لتقديرات رسمية بينما الخسائر الإجمالية العامة تتجاوز الـ 100 مليون يورو (كما ذكرت التقديرات الأولية لشركات التأمين) وذلك نظراً لحجم المتاجر التي تضررت والشركات الكبرى التي لحقت بها خسائر واسعة في هذا السياق وكان وزير المالية الفرنسي برونو لو مير، قد ذكر في تصريحات سابقة له تناقلتها تقارير إعلامية مختلفة أن نحو 10 مراكز تسوق كبرى وأكثر من 200 سوبر ماركت و250 متجر تبغ و250 منفذاً مصرفياً "تعرضوا للهجوم أو النهب".

"السياحة قطاع مهم جداً بالنسبة لفرنسا المثقلة بعديد من التحديات والضغوطات، بما في ذلك تفاقم الدين الخارجي علاوة على أثر الحرب في أوكرانيا علاوة على السياسات الفرنسية المرتبطة بالتحول الطاقي وكذلك أزمة ارتفاع مستويات التضخم وغيرها من التحديات (..) جاءت هذه الأحداث لتشكل ضربة كبيرة للقطاع السياحي الذي يحرك الاقتصاد الفرنسي"وتمثل عائدات السياحة (الداخلية والخارجية) أكثر من 8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في فرنسا وتشير تقديرات المجلس العالمي للسفر والسياحة، قبل عام إلى ارتفاع محتمل لمساهمة القطاع إلى أكثر من 216 مليار يورووإلى إلغاء عديد من الحجوزات وسحبها في ضوء الأوضاع الراهنة وبالتالي تفقد باريس حصة كبيرة من القطاع هذا العام ربما لصالح دولة أوروبية أخرى وهي إسبانيا التي يُمكن أن تستفيد من ذلك، مشيراً في الوقت نفسه إلى تأثر الإيرادات الضريبية للدولة من الضربة التي لحقت بقطاع السياحة والقطاعات المتضررة.

وبرغم استعادة الشوارع الفرنسية حالة الهدوء النسبي بعد أيام من الاضطرابات شديدة الخطورة إلا أن التبعات الاقتصادية لتلك الاضطرابات لاتزال تتفاقم وتفرض نفسها على المشهد، في ظل حالة عدم اليقين من استقرار الأوضاع بصفة عامة و إن حجم الخسائر يقاس بالتداعيات الآن على الاقتصاد الفرنسي والمشهد العام "فرنسا التي تستعد لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية القادمة وفرنسا التي هي الوجهة السياحية المفضلة في شهري يوليو وأغسطس، باتت على المحك!".

التراشق الحادث الآن في البيانات السياسية بين من يريد جمع المال للبوليس، ومن يقول إنه من قبيل اللاحياء السياسي أن يستغل حزب سياسي الظرف ويلعب بورقة الدعم المالي لمنفذي القانون (..)" نحن أمام مشهد أصبح جد مرعب ومخيف ليس فقط من ناحية أعمال العنف (..) بعد أن حل الهدوء رويداً رويداً للعاصة الباريسية وشوارع فرنسا يظل مشهد العسكرة مشهداً مخيفاً وكذلك هذا الهدوء قد يأتي بعاصفة أكبر".