النهار
الإثنين 23 ديسمبر 2024 05:12 صـ 22 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

حوادث

المفكر والمؤرخ القضائى الدكتور خفاجى من ذاكرة الأمة الوطنية قبل ثورة 23 يوليو 52 بأربعة أشهر : هل يجوز حل مجلس النواب فى فترة تأجيل البرلمان؟!

تحتفل مصر كل عام بذكرى ثورة 23 يوليو 1952 المجيدة التى قام بها الضباط الأحرار في الجيش المصري وساندهم جموع الشعب ، وهى من أهم الثورات التي قامت فى القرن العشرين فى الوطن العربى لإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية وإنهاء الاحتلال البريطاني ، وكانت ملهمة لدول قارات العالم خاصة إفريقيا واَسيا ونقطة تحول فى النظام العالمى , ورغم مرور 71 عاماً إلا أنها تظل بها العديد من الدروس والعبر التى تؤكد معانى الوطنية التى أرساها الجيش المصرى العظيم وبث روحها فى كافة المؤسسات ونفوس الشعب فى جميع النواحى الاجتماعية والثقافية والسياسية من أجل مصر الوطن .

ويثور التساؤل الأخطر من ذاكرة الأمة الوطنية قبيل قيام ثورة 23 يوليو بأربعة أشهر عن مدى جواز حل مجلس النواب في فترة تأجيل البرلمان ؟ يقول المفكر والمؤرخ القضائى المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة المصرى فى مؤلفه : " الغائب فى التراث العظيم للأجداد الأوائل لنشأة مجلس الدولة فى السيادة الوطنية ضد الاحتلال البريطانى وتدعيم مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952 من الضباط الأحرار بالجيش المصرى " وهى الدراسة التى حظيت بالاهتمام الوطنى للدولة , أن مجلس الدولة أجاز حل مجلس النواب في فترة تأجيل البرلمان قبل ثورة 23 يوليو 1952 بأربعة أشهر كعمل تمهيدى عظيم لثورة الضباط الأحرار بالجيش المصرى وهى فتوى الرأى بمجلس الدولة أصدرها سليمان حافظ بك وكيل مجلس الدولة , بركيزة من أن حق حل البرلمان مقرر فى الدساتير الأجنبية وهو وسيلة لتحكيم مجموع الناخبين في الخلافات الجسيمة بين السلطة التنفيذية وبين المجلس المنتخب , وأن حق الحل ليس عدوانا على سلطة الأمة بل هو تأييد لها ، وهو أنجع ضمان لتوطيد رقابتها على البرلمان خشية أن يسئ استعمال سلطته.

يقول الدكتور محمد خفاجى أنه من الفتاوى المهمة فى تاريخ مجلس الدولة فى السنة السادسة لقسم الرأى على نحو يبين من كتاب المستشار العظيم سليمان بك حافظ وکیل مجلس الدولة الموجه لحضرة صاحب العزة مستشار الدولة بقسم الرأی للإدارة الخاصة برئاسة مجلس الوزراء وديوان المحاسبة , حسبما يبين من كتابه رقم 66/2/2- 188 المؤرخ 20 مارس سنة 1952 بشأن بيان مدى جواز حل مجلس النواب في فترة تأجيل البرلمان !

ويذكر أن قسم الرأي مجتمعاً قد بحث هذا الموضوع فى العهد الملكى وقبل قيام الثورة بأربعة أشهر بجلسته المنعقدة فى 20 من مارس سنة 1952 , فتبين أن المادة 38 من الدستور(وكان يسمى دستور مملكة مصر والسودان لسنة 1923 ) تنص على أن : " للملك حق حل مجلس النواب" . وتنص المادة ۳۹ على أن " : للملك تأجيل انعقاد البرلمان ، على أنه لا يجوز أن يزيد التأجيل على ميعاد شهر ولا أن يتكرر في دور الانعقاد الواحد بدون موافقة المجلسين".

وأوضح الدكتور محمد خفاجى أنه واضح من هذين النصين أن حق التأجيل يختلف عن حق الحل في طبيعته ومداه , وأن كل من الإجراءين مستقل عن الآخر , ومن ثم فليس هناك ما يمنع من أن يستعمل الملك كليهما كلٍ في نطاقه , بل أن الواقع أن التأجيل لا يمكن إلا أن يكون مقدمة للحل ، وفي المرة التي استعمل فيها حق التأجيل في فرنسا تلاه الحل - مايو سنة ۱۸۷۷ - )الفقيه هوريو ، الوجيزفي القانون الدستورى ص 458) , كما أن التأجيل في مصر قد تلاه الحل في المرات الثلاث السابقة التي استعمل فيها هذا الحق , وعلى ذلك فإن حل مجلس النواب في فترة التأجيل جائز دستورياً.

واضاف أما عن النص في مرسوم الحل على تعيين موعد لانتخاب المجلس الجديد وموعد اجتماعه فإن المادة 89 من الدستور تنص على أن : " الأمر الصادر بحل مجلس النواب يجب أن يشتمل على دعوة المندوبين لإجراء انتخابات جديدة في ميعاد لا يتجاوز شهرين ، وعلى تحديد ميعاد الاجتماع المجلس الجديد في العشرة الأيام التالية لتمام الانتخاب" والنص على هذا الوجه تطبيق صحيح دقيق لحق الحل المقرر في الدساتير الأجنبية فالحل ليس إلا وسيلة لتحكيم مجموع الناخبين في الخلافات الجسيمة بين السلطة التنفيذية وبين المجلس المنتخب , وهو عبارة عن دعوة للانتخاب العام (الفقيه لافريير : الوسيط في القانون الدستوری طبعة سنة 1947 ص ۸۰)

ويضيف الدكتور محمد خفاجى أن جوهر الأمر أنه ليس حق الحل عدواناً على سلطة الأمة بل هو تأييد لها ، وهو أنجع ضمان لتوطيد رقابتها على البرلمان خشية أن يسئ استعمال سلطته )يراجع في ذلك : العلامة ديجی، الجزء الثاني ص 645 ) وأن الغرض من الحل إذن هو الرجوع إلى الأمة - وهي مصدر السلطات – فإذا أيدت , ممثلة في الناخبين , الوزارة بقيت في الحكم ونفذت سياستها مستندة إلى هذا التأييد , أما إذا حفلتها الأمة وجب على الوزارة أن تستقيل ولا تملك حل مجلس النواب مرة أخرى للسبب ذاته ) المادة 88 من الدستور (

ويشير أن الدستور المصرى عام 1923 وهو يقيم حکماً نيابياً في البلاد قد تمشي مع فكرة الحل الصحيحة إلى نهايتها فاشترط أن يتضمن مرسوم الحل دعوة الناخبين إلى الانتخاب في ميعاد معين حتى لا تتعطل الحياة النيابية وحتى يتحقق الغرض من الحل وهو الاحتكام إلى الأمة . ونص المادة 89 من الدستور نص آمر لا تجوز مخالفته , فإذا لم يستوف مرسوم الحل الأوضاع التي قررها الدستور وأهمها شموله لدعوة الناخبين إلى الانتخاب في ميعاد لا يتجاوز شهرين وتحديد ميعاد انعقاد المجلس الجديد في العشرة الأيام التالية کان مخالفا للدستور .

وأوضح أنه ولا عبرة بما خالف ذلك من سوابق في سنوات 1926و ۱۹۲۹ و ۱۹۳۸ و 1942 و1944 و 1949 لأنها مخالفة لصريح نص الدستور والغرض الذي استهدفه , فليس من شأنها أن تقيم عرفاً دستورياً يعتد به . لذلك انتهى رأى القسم إلى جواز حل مجلس النواب في فترة تأجيل البرلمان ووجوب شمول مرسوم الحل على دعوة الناخبين للانتخاب في ميعاد لا يجاوز شهرين من صدور المرسوم وتعيين ميعاد اجتماع المجلس الجديد في العشرة الأيام التالية لتمام الانتخاب .

واختتم الدكتور محمد خفاجى الرأى عندى أن هذه الفتوى يبين منها عظمة الثقافة القانونية العالية للرعيل الأول لقضاة مجلس الدولة فى الاطلاع على أحدث دراسات الفقه الفرنسى فى حينه فقد استند الفذ سليمان حافظ على مؤلف الفقيه الفرنسى " لافريير " فى كتابه طبعة عام 1947 بينما كان يبحث الموضوع عام 1952 أى بعد خمس سنوات فقط على تأليف الكتاب الفرنسى دون أن يعرف الزمان فى ذلك الوقت الإنترنت أو أى وسائل للتواصل الاجتماعى أو السوشيال ميديا مما يدل على أن مجلس الدولة منذ بدايات عهده كان يضاهى المستوى العلمى والفقهى والثقافى والقانونى لعلماء فرنسا , خاصة أنه أضاف إليه من الفكر المصرى بعدم اعتبار السوابق المصرية فى سنوات 1926و ۱۹۲۹ و ۱۹۳۸ و 1942 و1944 و 1949 من قبيل العرف الدستورى , لأنه لا عرف دستورى مع صراحة القاعدة الدستورية , فهو ينشأ عند خلو وثيقة الدستور من تنظيم المسألة , ولم يعتد بجميع تلك السوابق لأنها جاءت مخالفة لصريح نص الدستور والغرض الذي ابتغاه .