عمال يناطحون الهواء.. الوجه المرعب لإعلانات الطرق
"أيمن" وقع من أعلى إعلان.. والآن ملقب بـ"القعيد"
مهنة محفوفة بالمخاطر.. "حسين" يرتجف في كل وردية عمل والمسؤوليات مسكنات استمراره
مطلع يونيو 2015 نزح "أيمن" من بلدته في دمنهور إلى القاهرة، أملا في كسب الرزق وربح قوت يومه والدخول في عجلة الحياة الزوجية لسد مسؤولياته الجديدة، استفتح في مستهل طريقه نقل الأثاث لأي شخص مقابل أجر عن كل عمل ينجزه، ومنها تعرف على "مقاول" عمال أدله على مهنة تعليق إعلانات الطرق.
تعج القاهرة والجيزة وكثيرا من محافظات مصر بالإعلانات على الطرق والمحاور والكباري منها لأفلام ومنتجات وانتخابات والأعمال الرمضانية، تصادف أمام أعين المواطنين كافة فخامة أي إعلان بإنارته المتوهجة ومنظره الأخاذ، لكن طرح سؤال في بالك عن من وراء تعليق هذا الإعلانات؟، كل ما يدور في ذهن الناظرين طبيعة الإعلان دون مُعلقه المعروفين في سوق العمل بـ"عمال الحجر المضيئة".
"أيمن" الأربعيني كغيره يسعى لزيادة دخله ليؤمن مستقبله، حينما وجد أجر أعلى في تعليق الإعلانات لم يتردد لحظة وباشر عمله صباح يوم عرضه عليه، صُدم من هول المنظر وسأل حاله "إزاي ممكن اطلع من 10 لـ20 متر واشتغل فوق عادي!"، لكن عقله يرد في ثوان "فلوسها حلوة لازم أجرب"، في حقيقة الأمر وقتما وقع الحادث كانت يوميته تصل أحيانا لـ200 جنيه فكانت تكفي حاجته وأكثر.
قضى "أيمن" 14 شهرا في تعليق الإعلانات وأنجب خلالها طفلة يحتاج ليكفي احتياجاتها العمل طوال الأسبوع دون إجازات، انهمك في روتينه اليومي حتى جاء يوم انقلبت فيه حياته رأسا على عقب، تحول فيها من أنشط العمال لقعيد لا يقوى على الحركة.
صعد والد "قمر" على سلمه الكهربائي على إعلان بطريق المحور وتعلق داخل إحدى الحجر التي توضع فيها اللمبات، وفجأة انزلقت قدمه اليمنى ومن بعدها اليسرى وسقط على ظهره، كان محظوظا الطريق فارغا من السيارات لتأخر التوقيت الذي حدده حوال الرابعة صباحا.
نقل إلى المستشفى وشُخصت حالته بتدمير جزء القطنية من العمود الفقري ويحتاج لعملية فورية، وعده رئيس العمال حينها بالتكفل بكل علاجه، لكنه تبخر من الوقت وقطع علاقته به، فبعد نحو 8 سنوات على الحادث لاتزال الصورة معلقة في ذهن "أيمن" منذ دخوله للعمل حتى سقوطه على ظهره.
ما جرى مع أيمن غير قانوني وكان يمكنه مقاضاة رئيس العمالة فقانون العمل رقم 12 لسنة 2003، نصت فيه المادة 256 على أنه يعاقب كل من يخالف أيا من أحكام الكتاب الخامس بشأن السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل والقرارات الصادرة تنفيذا له بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، ووفقا للفقرة الثانيةد تكون عقوبتا الحبس والغرامة المنصوص عليهما في الفقرة السابقة وجوبيتين إذا ترتب على الجريمة الوفاة أو الإصابة الجسيمة وتضاعف الغرامة في حالة العود.
وحسب المادة القانونية، يكون صاحب العمل أو من يمثله عن المنشأة مسئولا بالتضامن مع المحكوم عليه في الوفاء بالعقوبات المالية إذا كانت الجريمة قد وقعت نتيجة إخلاله بأي من الواجبات التي يفرضها عليه هذا القانون.
النظام المتبع لجلب عمال في تعليق الإعلانات كما قاله رئيس عمالة - رفض ذكر اسمه- أنه يتم جمع العمال مثلما يتم اختيار عمال البناء من الشوارع، ما يعني أنهم غير مدربين كفاية وإذا كان التدريب يحدث يكن بشكل غير منظم رغم أنه النقابات العمالية تنص على ضرورة تعليم أي عامل قبل الدخول في أي مهنة تحتاج مواصفات بعينها كما هو الحال في تعليق الإعلانات.
ووصف رئيس العمالة ما يحدث بأنه غير مرتب كما هو الحال في الشركات "بنجمع العمال من أي مكان ومع الوقت بيشربوا الصنعة".
ما قاله رئيس العمال يراه أحمد الأسيوطي المحامي بالاستئتاف العالي حجية قوية لرئيس العمال لعدم مقاضاته فلبس هناك أي شركة تحفظ حقوقهم أو تنمي مهاراتهم ولا أي عقد تثبت عملهم لدى شركة بسجل تجاري.
وأكد الأسيوطي، أن ما جرى سيتكرر أن لم يتم تعيين هؤلاء العمال "معلقي الإعلانات" في شركات والتأمين الصحي والاجتماعي عليهم.
المهنة محفوفة بالمخاطر كما قال "حسين. م"، يسير يوميا إلى عمله خائفا مترددا د، يجوب في ذهنه نفس السؤال "أمتى ممكن أقع"، مهما كانت وسائل السلامة متوافرة فالرعب يحوم بالمهنة "شوفنا من يومين عاصفة وقعت إعلان ضخم، تفتكر مش ممكن توقعني".
الرجل الثلاثيني أب لبنتين وبحاجة ماسة لكل دخل في حياته، لا يقوى على تجربة جديدة وعمل جديدة، شرب عمله في الإعلانات وتمرسه عن ظهر قلب لكنه متخوفا من السقوط وحينما يمر به الزمن بالكاد سيتعثر في مثل هذا العمل.