”البومب والصواريخ” سلاح يهدد حياة الأطفال.. والطفلتان هنا ومريم ترويان لـ ”النهار” كواليس إصابتهما
تقف الطفلة "هنا" صاحبة الـ 10 سنوات على سلم خشبي أمام منزلها بحي إمبابة برفقة أشقائها، يشاهدون الجيران وهم يعلقون "الزينة" مبتهجين بحلول شهر رمضان المبارك، إلا أنه حلال لحظات تعالت صرخات الفتاة وهي تردد: "الحقيني يا ماما أنا مش شايفة حاجة"، لتظن الأم في البداية أن ابنتها تمازحها، لكن الدماء التي سالت على ملابسها أثارت فجيعتها.
الدماء غطت وجه الفتاة التي استمرت في صراخها المتواصل، بينما تزاحم الجميع من حولها وحدقوا لأعلى حيث وقفت سيدة ثلاثينية برفقة أطفالها يجربون الألعاب النارية ليسقط صاروخ وينفجر في عين الطفلة "هنا"، مسببًا لها عاهة مستديمة جعلت الفتاة تنهار في نوبة من البكاء على بصرها الذي فقدته في لحظة بسبب إهمال جارتها ولهوها بالألعاب النارية.
تروي الفتاة معاناتها بعدما أصيبت بعاهة مستديمة في عينها اليسرى، مؤكدة أنها كانت تزين الشارع مع أشقائها والجيران احتفالا بشهر رمضان وبينما تلهو قامت جارتها بإلقاء صاروخ ليصيب عينها، لتشعر بألم غير محتمل، مؤكدةً أنها لم ترى شيئًا وكانت تتحسس طريقها بمساعدة والدتها، ورددت: "لقيت العين طلعت لبره ومنظرها بشع.. وجارتنا معترفتش بغلطها لحد دلوقتي".
عاهة مستديمة
في شوارع قرية دار السلام التابعة لمركز إطسا بمحافظة الفيوم، يقيم الأطفال مسابقات فيما بينهم على تفجير أكبر عدد ممكن من الألعاب النارية خلال شهر رمضان وسط حالة من البهجة والمرح، إلا أن القدر كان له رأي آخر بشأن الطفلة "مريم" صاحبة الـ9 سنوات، والتي كانت تسير في الشارع وتكرر معها ما حدث للطفلة "هنا"، فأحد الأطفال ألقى عليها صاروخًا أصاب عينا الصغيرة.
تعالى بكاء الفتاة في الشارع بينما فر باقي الأطفال هاربين، ليتركوا للطفلة ذكرى مؤلمة مع شهر رمضان بعد فقدانها البصر بعينها اليمنى بسبب لهو جيرانها بالألعاب النارية التي وجدت طريقها لإصابتها بعاهة مستديمة وفقًا لتشخيص الأطباء بمستشفى طامية المركزي، لتردد والدة الطفلة: "عشان يلعبوا ضعيوا مستقبل بنتي وعينها راحت بسبب الصواريخ والبومب.. مش عاوزة غير حقها".
العقوبة القانونية
منذ بداية شهر رمضان، أصيب عدد لا يحصى من الأطفال والبالغين بإصابات وجروح وحروق بالغة بسبب الألعاب النارية، وسط مطالبات من الأهالي بمنع الصواريخ تجنبًا لإصابة أبنائهم جراء الانفجارات النارية، خاصة بعدما تسببت تلك الألعاب بعاهة مستديمة لعدد من الأطفال في مقتبل العمر، الأمر الذي دفع وزارة الداخلية للتحذير من خطورة تلك الألعاب والقبض على مروجيها بشتى المحافظات.
وفي هذا الصدد، يقول محمد حامد سالم، المحامي بالنقض، إن استخدام الألعاب النارية والمفرقعات تعد واحدة من الظواهر السلبية السيئة التي تنتشر في الشارع المصري، ويزداد الإقبال والطلب عليها واستخدامها لا سيما في المناسبات مثل الأعياد وشهر رمضان، على الرغم من خطورتها.
وأشار "سالم"، إلى أن الألعاب النارية خطرها ليس على مستخدميها فقط، بل كذلك على باقي المواطنين المتواجدين في محيط استخدامها لما تسببه من حروق وتشوهات مختلفة، تؤدي إلى عاهات مستديمة أو مؤقتة، كما تحدث أضرارا في الممتلكات جراء ما تسببه من حرائق، إضافة إلى التلوث الضوضائي.
وحذر المحامي، من شراء واستخدام الألعاب النارية كونها مؤثمة قانونا ويقع حائزها ومحرزها ومستخدمها تحت طائلة القانون وتصل عقوبتها للسجن المؤبد طبقا لنص المادة 102 فقرة (أ) من قانون العقوبات، والتي تنص على أنه: "يعاقب بالسجن المؤبد كل من أحرز مفرقعات أو حازها أو صنعها أو استوردها قبل الحصول على ترخيص بذلك".
وأوضح، أن قرار وزير الداخلية رقم 1872 لسنة 2004 تضمن جدول المواد التي تعتبر في حكم المفرقعات ومنها البارود الأسود الذي هو أساس صناعة الألعاب النارية والقطن الأسود، وثالث كلوريد النيتروجين، وغيرها من المواد التي تستخدم في صناعة الألعاب النارية، مؤكدًا أن جريمة إحراز الألعاب النارية والإتجار فيها تعد جناية تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد.
وأردف، أن لا تهاون حاليا بخصوص استخدام الألعاب النارية نظرًا لما تمثله من تهديد مباشر لأرواح وسلامة وممتلكات المواطنين، فقد يتسبب أحدهم أثناء لهوه بالألعاب النارية في إصابة عين إنسان اضطرته ظروفه وحظه العثر في التواجد بمحيط المجرم الحائز والمستخدم للألعاب النارية بمنتهى الاستهتار واللامبالاة، مؤكدًا أن الصواريخ قد تتسبب في حرق سيارة مواطن آخر متواجد في محيط المكان المستخدم فيه الألعاب.
وأكد، أنه رغم أن عقوبة العاهة المستديمة لا تقل عن السجن 3 سنوات وتصل إلى المؤبد إذا توافر ظرف الإصرار والترصد، إلا أن ذلك لم يشكل ردعًا كافيا للشباب والمواطنين الذين يشجعون على ذلك أو حتى التجار الذي يجلبونها من الخارج أو يصنعونها بالداخل، ولا زال الكثيرين يستخدمون الألعاب النارية في الأفراح والأعياد وشهر رمضان.
وأورد المحامي، أن ينبغي مواجهة هذه الظاهرة بمنتهى الحزم والحسم وتفعيل القوانين ومتابعة تنفيذها، وتغليظ العقوبة وتشديد الرقابة والحملات على أماكن بيعها، وملاحقة القائمين على تصنيعها، مطالبًا بتفعيل دور التوعية الأسرية بالنصائح المستمرة والتنبيه والتشديد على الأطفال بمنع استخدامها لما تشكله من خطورة عليهم وعلى الأرواح والممتلكات وعلى المجتمع والاقتصاد المصري.