مصر الشقيقة الكبرى.. رؤية يمنية.. بقلم السفيرة بشرى الإرياني
شغلت قضية البحث عن دور قائد فى المنطقة العربية العديد من الباحثين والمفكرين والمتخصصين فى العلوم السياسية، ذلك القائد الذى يتحمل كثيرًا من المسئوليات فى ضبط العلاقة بين الفواعل العربية بينها وبين بعضها البعض من جانب، وبينها وبين جوارها الجغرافى وعالمها الخارجى من جانب آخر.
وهذا الدور يتطلب توافر العديد من المقومات السياسية والاقتصادية والبشرية والجغرافية والتاريخية، فضلًا عن القدرات العسكرية والخبرات الأمنية ومرتكزات القوة الناعمة كالدبلوماسية والثقافة والإعلام والتعليم وغيرها. والناظر فى التاريخ الحديث والمعاصر يخلص إلى أن مصر كانت ولا تزال الشقيقة الكبرى القادرة على لعب هذا الدور القائد فى المنطقة العربية.
صحيح أنه فى فترات ما واجهت الدولة المصرية تحديات عدة وأزمات متنوعة تركت تأثيرها على مستوى الدور وقوته، بما استوجب من أشقائها سرعة تقديم يد العون والدعم لعبور تلك الأزمات وتجاوز هذه التحديات، إلا انه من الصحيح أيضا أن هذا الدعم العربى للشقيقة الكبرى مصر لم يكن لصالح الدولة المصرية فحسب، بل كان يصب فى المقام الأول فى مصالح أشقائها العرب الذين يدركون جيدًا أن غياب أو تراجع الدور المصرى يحمل مخاطر عدة على أمنهم واستقرارهم.
واليوم تقف الدولة المصرية بعد استعادة دورها الفاعل ومحوريتها الرائدة فى المنطقة العربية لتولى زمام الأمور فى إدارة العديد من ملفات المنطقة وقضايا دولها، وهو ما ينطبق على الحالة اليمنية بجلاء، إذ إن سجلات التاريخ تحفل بالعديد من الشراكات والمشاركات والتبادلات العلمية والتجارية والاقتصادية والمعرفية والدينية بين البلدين (مصر واليمن)، إذ يمكن القول إن مصر واليمن حينما كان يوما ما يطلق عليه اليمن السعيد، جمعته مع الدولة المصرية مواقف قومية عديدة هدفت إلى الذود عن حياض الأمن القومى العربى، إذ يمثل البلدان بوابتين لأمن أهم ممر مائى وهو البحر الأحمر، فكما ان اليمن يتحكم فى مدخله عند مضيق باب المندب، تسيطر مصر على مخرجه على البحر المتوسط عبر الممر المائى العالمى قناة السويس والتى شهدت منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى تطورات جمة؛ سواء تعلقت بتوسعاتها لحركة التجارة العالمية وبما يقام على جانبيها من مشروعات اقتصادية واستثمارية رائدة.
وغنى عن القول إن اليمن اليوم يقف فى مفترق طرق إما ان يستعيد وحدته الداخلية ومكانته الإقليمية وريادته الأمنية فى المنطقة، وإما ان ينجرف نحو دولة مفككة تتناحر أطرافها بما يفتح الباب لضياع مستقبلها ومستقبل شعبها الذى يحمل فى معدنه الأصيل حبًّا للدولة المصرية التى فتحت أبوابها لجميع افراد الشعب اليمنى بغض النظر عن انتماءاته المذهبية او انحيازاته السياسية أو توجهاته الفكرية، وهو ما كان قد سبق ان أكده الرئيس عبد الفتاح السيسى فى حديثه لأحد الشباب اليمنى بمؤتمر الشباب فى دورته (2022) بأن كل ما يتوافر بمصر من إمكانيات متاح لتطوير وتأهيل الشباب اليمنى، وأن مصر لن تدخر جهدًا فى سبيل رفعة شأن اليمن وحفظ أمنه وأمانة ووحدة أرضه.
ومن ثم، فكما أننا نطالب الدولة المصرية وقيادتها الحكيمة وشعبها الودود بأن يعاونوا اليمن فى استعادة استقراره وحماية وحدته وسيادته واستقلاله، وهم- بالفعل- يبذلون قصارى جهدهم فى تقديم الدعم بمختلف صوره؛ سياسيا وتنمويا وأمنيا ودبلوماسيا، بل عسكريا فى اطار التحالف الدولى لدعم الشرعية فى اليمن.
فإننا على الجانب الآخر نطالب الشعب اليمنى بمختلف تكويناته وانتماءاته أن يدرك جيدا ان الشقيقة الكبرى كما تتحمل كثيرا من اجل امن واستقرار اشقائها العرب، مطلوب منهم أن يكونوا واعين لحجم المخاطر والتهديدات التى يحاول الآخرون ممارستها على الدولة المصرية، وان يكونوا داعمين لقضاياها ومساندين لإرادتها ومواقفها التى تحمل فى كثير من مضمونها مصالح الأمة العربية وشعوبها وأمنها واستقرارها.
وهذا هو موقفنا فى اليمن جميعًا بأن مصر الشقيقة الكبرى كانت ولا تزال وستظل القوة الرائدة فى المنطقة العربية، والداعمة لقضايانا، والمدافعة عن مصالحنا وحقوق شعوبنا، والمساندة لاستقلاليتنا، والحامية لهويتنا، فتحيا مصر ويحيا اليمن وتحيا العلاقات المصرية اليمنية نموذجًا رائدًا فى مسيرة العلاقات العربية العربية بصفة عامة والعلاقات المصرية مع أشقائها العرب على وجه الخصوص.
وزير مفوض
بشرى الإريانى