النهار
الإثنين 23 ديسمبر 2024 11:34 صـ 22 جمادى آخر 1446 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

حوادث

تحقيق| إمبراطورية الشحاذين.. ”النهار” تخترق ”العالم الخفي” وتكشف كيفية أستغلال الأطفال في الشحاتة والتسول

إمبراطورية الشاحزين
إمبراطورية الشاحزين

خلف بعض الأصوات «المُتمسكنة»، والأيادي الممدودة في إشارات المرور ومحطات المترو، بحثًا عن «حاجة لله» بين المارين ومستقلي السيارات.. قصص لا تحمل الرحمة ولا تعرف للضمير طريقًا.. فقط أشخاص أجادوا ارتداء عباءة التسول.

"التسول" ظاهرة خطيرة منتشرة فى العديد من الدول، وتعتبر مرضاً أو وباءً إذ لم نعالجه انتشر واستشرى فى المجتمع، تناولتها العديد من المقالات والبحوث والأعمال الدرامية، والمتسولون يطورون أنفسهم مع مرور الزمن.

"منديل يا بيه"،"هات جنيه أجيب أكل"، "فلوسى اتسرقت ومحتاج ثمن المواصلات"، "عايزة أكل جعانة" ، عبارات شهيرة يستخدمها الأطفال المتسولون للحصول على ما يبغون من أموال من المواطنين، حيث أن غالبيتهم يعتبرون التسول مهنة يجنون منها مئات الجنيهات يوميا دون كد أو تعب فنراهم منتشرين في الشوارع والأزقة يمدون يدهم لكل من يمر أمامهم طالبين الحسنة ولقمة العيش، بأساليبهم وطرقهم المتعددة التي غالباً ما تعتمد على استجداء الشفقة وإثارة عواطف الآخرين.

تفتح "جريدة النهار المصرية" ذلك الملف الشائك، وتسلط الضوء على إمبراطورية الشاحزين والأساليب المستخدمة لاستعطاف المواطنين، وأستخدام الأطفال في عمليات التسول، وتخوض تجربة وتناقش خبراء تخصصوا في هذا الملف من عقوبات قانونية لـ العامل النفسي وأنتشار الظاهرة.

ومن داخل محطات "المترو"، الذي يعتبر بيئة خصبة لأطفال الشوارع المتسولين ينتعشون فيه، حيث لا يكاد تخلو محطة من متسولين واثنين وثلاثة، يتسابقون فى استجداء الركاب واستعطافهم لطلب المساعدة وتجميع مبالغ مالية.

متسولة زاحفة

أولى القصص التي حازت على متابعة المئات كانت بطلتها متسولة من المعادي؛ حيث روت منال بدر في منشور لها عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» قصتها مع تلك المتسولة التي وجدتها تزحف في أحد الشوارع الموجودة بمنطقة المعادي.

علي رصيف السيدة زينب

وعلي رصيف محطة مترو "السيدة زينب"، جلست بنت صغيرة علي ذات نفس المقعد وتمسك بكيس أسود اللون وبداخلة بعض من المدليات التي كانت تتجول به داخل عربيات المترو لبيعها وعندما جلست فسألتها "النهار"، فجاوبت أنا ببيع المديليات وقربت أخلص بس خايفه الشرطة تأخدهم مني بس خلاص قربت أخلص عشان أمشي، بهذة الكلمات بدأت تتحدث لنا عن معانتها اليومية لبيعها المديليات داخل عربات المترو والشوارع للمارة ووجها يمتلي بالخوف والقل وعندما تخلصت من حديثها قامت لاستكمالها لبيع باقي الميدليات حتي تنهي بيعهم جميعا.

وبينما تعد «محطة مصر» المنبع الرئيسى للتسول إلا أن هناك منابع أخرى، ولكنها تكون أقل فى عدد المتسولين، ومنها منطقة «المنشية»، وشوارع منطقة «محطة الرمل»، التى يجلس فيها عشرات المتسولين، كما توجد مناطق أخرى موسمية، حيث تعمل فى شهور الصيف أكثر من الشتاء، بداية من «محمد نجيب»، وحتى «المندرة»، التى تعد المصيف الشعبى، نظراً لأنها أكثر المناطق التى تستقبل مصطافين من مختلف محافظات الجمهورية، أما شارع «خالد بن الوليد»، فيُعد أهم الشوارع بتلك المناطق، نظراً لتمركز أكبر عدد من شقق المصايف به.

عصابات تدير المتسولين

اللواء عبد الرحيم سيد، الخبير الأمنى، ومساعد وزير الداخلية الأسبق، أكد أن الداخلية تقوم بتحرير آلاف من محاضر التسول سنويا، على الرغم من ذلك فعملية التسول مستمرة، لأن القبض على المتسول ليس حلا جذريا للظاهرة، وأن الأطفال المتسولين يمثلون خطر على الأمن العام فتعتبر بيئة أجرامية، حيث يتم استغلالهم فى العديد من الجرائم مثل السرقات والتسول، وفى بعض الأحيان بنزع أعضاءهم، وأن التسول أصبح مهنة للبعض، وتديرها عصابات كبيرة مؤكدا على أهمية أن تتوحد جميع الجهود لمواجهتها، ووضع حد لها لأنها تسئ للشارع المصرى.

وأضاف الخبير الأمنى، أن وزارة الداخلية متمثلة فى مباحث الأحداث تبذل جهود كبيرة فى هذا الشأن، ويتم يومياً ضبط العديد من قضايا أطفال الشوارع، حيث تحولهم الجهات المعنية بعد ذلك لدور رعاية تليق بهم، ويتم تعليمهم بشكل جيد، حتى يصبحوا أشخاصا نافعين للمجتمع ونتفادى جرائمهم فمنهم من يصبح قنبلة موقوتة ومن الممكن أن ينشي طفل غير سوي ويستخدم كسلاح أرهابي للدولة.

العبودية الحديثة

الجانب النفسى يعد شيئا هاما فى حياة المتسول، وبخاصة الطفل حيث يقول الدكتور جمال فرويز استشارى الطب النفسى، إن الطفل الذى يتم خطفه فى سن صغيرة من جانب العصابات ويستخدم فى التسول، يكون لديه أيضا اضطرابات فى التواصل، حيث أن الشخصية تتشكل من ثلاث أشياء رئيسية هى الوراثة والتربية والخبرات الحياتية.

ووضح "فرويز"، أن الطفل المتسول سيعاني من عوامل اجتماعية تفقده ثقته بنفسه تبدأ من الإهانة عبر التقليل من قيمته الإنسانية بين الناس وانتقاص من صورته وحضوره الاجتماعي وحرمانه طفولته من قبل المجتمع، وسيعامله كل من حوله كشخص صاحب وصمة وبعنف، وستؤثر هذه العوامل نفسيا على الطفل، وأن الأطفال المتسولين يعتبرون التسول فن يبرعون في تمثيلة لكسب مبالغ مالية طائلة ومنهم 20 % يكون شخصية حدية.

قنابل موقوتة

وردا على سؤال حول الأسباب التي أدت الي ظهور هذة الظاهرة بشكل مبالغ، قالت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بكلية التربية بجامعة عين شمس، أن ظاهرة التسول منتشرة بشكل واسع، حيث أن هناك مافيا تدير هؤلاء المتسولين، أن المرجع الرئيسي في ظاهرة التسول وانتشارها، هو الفقر، وعدم الرغبة في البحث عن العمل، مشيرةً إلى أن البعض يتخذ من التسول عملًا له.

وأكدت أن هناك أساليب عديدة للتسول، منها التسول بطلب الإحسان مباشرة، والتسول من خلال البيع كالمناديل، لافتةً إلى أن التسول انتشر بين الأطفال بشكل واسع، وهو ما يؤثر سلبيًا على نفسية الطفل، مطالبةً الأجهزة الأمنية بتكثيف جهودها من أجل القبض على هؤلاء، للحد من الظاهرة، متمنية أن يشارك رؤساء الأحياء والمدن، الأجهزة الأمنية في الحملات الدورية للتنقيب عن المتسولين بصفة دائمة وملاحقتهم بدلًا من انتشارها.

القانون يجرم التسول

وفي هذا الصدد عن العقوبة القانونية في حالة تلبس عصابة أستخدام الأطفال فالتسول، يقول المحام والباحث والخبير الحقوقي عبد الرازق مصطفي، وضع القانون عقوبة رادعة للمتهمين فى جرائم "الاتجار بالبشر"، نظرا لخطورتها على المجتمع، وحرص المشرع على أن يحصل الجناة على عقوبات تصل للسجن المؤبد، فضلًا عن من حرض على ارتكاب تلك الجريمة، ونص القانون على أنه: "يعاقب كل من ارتكب جريمة الاتجار البشر بالسجن المشدد لمدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد عن 15 سنة وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنیه مصري ولا تعد 200 ألف جنيه أو بغرامة مساوية لما عاد علي المجرم من أرباح.

وأشار الي أن نصت المادة (291) من قانون العقوبات علي أنه يحظر كل مساس بحق الطفل فى الحماية من الاتجار به أو الاستغلال الجنسى أو التجارى أو الاقتصادى، أو استخدامه فى الأبحاث والتجارب العلمية ويكون للطفل الحق فى توعيته وتمكينه من مجابهة هذه المخاطر، ووضح يعد جريمة من جرائم الإتجار بالبشر كما هو موضح في المواد السالفة الذكر، بالأخص إذا وقع من شخص بالغ علي أطفال وليست جريمة تسول كما يعتقد البعض.

الدين منع التسول وذم المتسولين

وبالرجوع للدين نجد أن الله منع التسول وذم المتسولين إلا لحاجة محتمة كالفقر الشديد، أما إذا كان التسول للاستكثار والغنى فقد حرمه الإسلام لما فيه من أضرار على المجتمع واستغلال للناس، ويقول النبى محمد -صلى الله عليه و سلم- عن الذى يتسول ومعه ما يكفيه من المال: (إِنَّهُ مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ، قَالَ مَا يُغَدِّيهِ أَوْ يُعَشِّيهِ)، أما نهر السائل وزجره ومعاملته بتهكم وقسوة فقد منعه الإسلام حتى مع معرفة حال السائل، فقال الله تعالى: (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَر).