تحقيق.. ”دماء علي وسائد المرضي النفسيين”.. حكايات من دفاتر محاكم الجنايات لمتهمين داخل ”العباسية” و”الخانكة”
المرض النفسي محرك رئيسي للعديد من الجرائم التى وقعت مؤخرًا فى مصر، وضمت بين تفاصيلها قصص غريبة، لجرائم وصلت لحد القتل بأبشع الطرق، الجانى فيها قتل أقرب الناس إليه، وهو غير مدرك لأفعاله، وهو ما جعله أمام القانون غير مجرم، لتصبح جرائم المرضى النفسيين بلا عقاب.
النهار يرصد وقائع لجرائم قتل ارتكبها مرضي نفسيين.. ويسلط الضوء علي أبرز الامراض المحركة للجريمة وكيفية تعامل القانون مع تلك الجرائم
المرض النفسي يدفع ربة منزل لإنهاء حياة رضيعتها
اتهمت ربة منزل بمنطقة بولاق بإنهاء حياة رضيعتها، بوضع أقراص دواء لعلاج الصرع في الحليب الخاص بها، ما أودى بحياتها على الفور، وكشفت التحريات أن الأم المتهمة تعاني من اضطراب نفسي، وهو ما يشير إلى انعدام مسئوليتها الجنائية عن قتل الطفلة.
حاول والد الطفلة التستر على الجريمة، وأبلغ الشرطة بوفاتها مدعيا سقوطها من أعلى السرير، لكن تم كشف أمرهما، وتم عرض الأم على لجنة طبية للوقوف على سلامة قواها العقلية، ومدى مسؤوليتها عن تصرفاتها من عدمه.
مريض نفسي يخنق شقيقته بـ«إيشارب» ويلقي بجثتها من أعلى المنزل بسوهاج
قصة مؤلمة حدثت داخل مركز دار السلام جنوب شرق محافظة سوهاج، جريمة قتلت فيها سيدة تدعي «هويدا. م. ف»، تبلغ من العمر 35 عامًا، على يد شقيقها الذي يعاني من مرض نفسي، الذى خنقها بواسطة «إيشارب» كانت ترتديه، وقام بإلقائها من أعلى سطح منزلهما وسقطت جثة هامدة.
وبمناظرة جثة الضحية تبين أنها ترتدي كامل ملابسها، ووجود آثر لـ«حز دائري» حول الرقبة وآثار سحجات بالوجه، وتوصلت التحريات إلى أن وراء ارتكاب الواقعة شقيقهما «محيي» 34 عامًا، حاصل على ليسانس حقوق، ويعاني من مرض نفسي، وبمناقشته اعترف بارتكاب الجريمة.
"بضربه سكين".. القبض على مريض نفسي متهم بقتل شقيقه في بولاق الدكرور
في مشهد تقشعر له الأبدان قام متهم بقتل شقيقه في بولاق الدكرور، بعدما اعتدى عليه بسكين، وتوصلت تحريات رجال المباحث إلى أن المتهم مريض نفسي، وكان يتلقى العلاج سابقا بمستشفى لعلاج الأمراض النفسية، تم التحفظ على سلاح الجريمة، والاستماع لأقوال أفراد الأسرة.
سائق يذبح شقيقته ويمزق جسد ابنتها في الهرم.. والتحريات: "مريض نفسي"
وفي حكاية أغرب من الخيال شهدت منطقة الهرم، جريمة قتل بشعة، إذ انهال سائق بـ«بلطة» على رقبة شقيقته ربة منزل 48 سنة، لتسقط جثة هامدة وتفارق الحياة، وأصيبت نجلتها التي تدخلت في محاولة لإنقاذها.
وأفادت التحريات أن المتهم سبق التعدي على المجني عليهما أكثر من مرة، والتي لقيت مصرعها في الحال، على يد شقيقها ويدعى «ي.أ»، 32 سنة، سائق، يعاني من مرض نفسي، وإصابة نجلتها 20 سنة، بجرح أعلى القدم اليمنى والفخذ وجروح متفرقة بفروة الرأس.
"القانون لا يعاقب المرضى".. وركن من أركان الجريمة "الإرادة الحرة"
يقول "شعبان سعيد" المحامى بالنقض، أنه إذا دعى الأمر إلى فحص حالة الاضطراب العقلي للمتهم يجوز لقاضى التحقيق أو للقاضي الجزئي أن يأمر بوضع المتهم تحت الملاحظة فى إحدى منشآت الصحة النفسية الحكومية المخصصة لذلك لمدة لا يزيد مجموعها على 45 يومًا بعد سماع أقوال النيابة العامة والمدافع عن المتهم أن كان له مدافع".
ويتابع "سعيد" أن المتهم الذى يثبت أنه يعانى من مرض نفسى أو عقلى مزمن، لا تقع عليه مسئولية جنائية، لأن ركن من أركان الجريمة العلم والإرادة الحرة المنفردة، بمعنى أن يكون المتهم مدرك وواعى لما يفعله، وفي حالة ثبوت، أن المتهم يعانى من مرض نفسى، يتم إيداعه مستشفى الأمراض العقلية بمعرفة قاضى التحقيق المختص للعلاج، ولا تطبق عليه عقوبة عقب انتهاء فترة علاجه، لأنه فى نظر القانون غير مجرم.
وأكد أن المتهم الذى يتم عرضه على الطب النفسى، يخضع للكشف من قبل لجنة مختصة من أساتذة الطب النفسى، ويوضع تحت الملاحظة فترة من الزمن للتأكد من حقيقة إصابته بمرض نفسى دفعه لارتكاب الجريمة، أم أن الأمر مجرد محاولة للهروب من العقوبة المقررة قانونًا.
الطب النفسي يحدد مصير المتهم .. وخبير: "بيتم وضع المريض تحت الملاحظة"
يقول الدكتور محمد الحديدي، استشاري الطب النفسي بجامعة المنصورة، أن المرض النفسي مثله مثل أي مرض أخر، ينتج عنه العديد من الجرائم، مثل جرائم القتل، وذلك لأن المريض يفتقد القدرة علي فهم الأمور بشكلها الصحيح وبالتالي يتكون لديه الدافع للجريمة.
وتابع "الحديدي"، هناك العديد من الأمراض النفسية مثل الاوهام والهواجس تقود المتهمين لارتكاب الجرائم، وبعض المرضى لديهم اعتقادات بأن هناك أشخاص تقوم بتهدديم ويريدون التخلص منهم، ومن هنا يبدأ في أخذ الإجراءات ضده هؤلاء الأشخاص دون قصد، وهناك أيضًا نوع من الأمراض يسمي بأمراض السمع، وهي معاناة المريض من أصوات تأمره بفعل شئ ما تسمي "هلاوس سمعية".
وأوضح الحديدي أن جهة التحقيق تأمر بعرض المتهم على الطب النفسي ويوضع تحت الملاحظة لمدة لا تجاوز 45 يوما، على أن يحدد خلال تلك الفترة حالة المتهم وإدراكه، وطبيعة الاضطرابات النفسية التي يعاني منها في حالة ثبوتها، أو أن حالته النفسية سليمة ولا يعاني من أي اضطرابات، وأنه يدعي المرض ليفلت من العقاب، وبناء عليه تتخذ الإجراءات القانونية حياله.
خبير علاقات أسرية: "الأسرة وحدها لا تكفى فى علاج المرض النفسي ولابد من وجود مختص"
قال الدكتور أحمد علام استشاري العلاقات الأسرية والصحة النفسية، أنه في حال وجود شخص يعانى من مرض نفسي داخل المنزل، فلابد من عرضه على مختص لمتابعة حالته، لأن الأسرة وحدها لن تستطع معالجته، ولابد من عرضه لمتابعة حالته عن طريق مختص فى التعاملات النفسية حتى لا تسوء.
وتابع "علام"، أن بعض حالات المرض النفسي قد تظهر عليهم سمات العدوانية الشديدة والعصبية الشديدة، وهناك علامات تشير إلى وصول الحالة إلى مرحلة الخطر، كعدم إدراك المريض لقيمة الوقت، وعدم اهتمامه بالأكل ومعاناته من اضطرابات فى الشهية والنوم وفى تعاملاته مع الأخرين، وللأسرة دور كبير في توفير الرعاية والاهتمام لأفرادها، ودعم ثقتهم بنفسهم، وحمايتهم من الاكتئاب والخوف والقلق، وذلك عن طريق التواصل المستمر، والتنزه والزيارات العائلة، كل هذه التفاصيل لابد أن توفرها الاسرة لحمايتة أفرادها.
واختتم حديثه قائلًا، أن الصورة المجتمعية عن المرض النفسي ظهرت عن طريق بعض الافلام القديمة، والتى عادةً ما تستهزء منه، ومن المريض النفسي، وتصورهم كأشخاص مجانين، وغير واعين ومدركين، وهناك بعض الأعمال الدرامية التي شوهت الطبيب النفسي، وصورته بأنه ذو مشاكل نفسية، وهذا جعل البعض لا يفكر فى العلاج، أو الذهاب للمصحة النفسية، ويعتبرونه أمر مخجل.