قانون التضخم الأمريكي.. أول تحدي للسويد بعد رئاسة الاتحاد الأوروبي
من الأول يناير، تولت السويد رئاسة الاتحاد الأوروبي وكلها رغبة في تعزيز التجارة الحرة واستبعاد أي ردّ فعل حمائي، أولوية قد تثير توترات في وقت تشدد باريس وبرلين لهجتهما لمجابهة الولايات المتحدة وقانونها الخاص بخفض التضخم، فيما تبقى الأولويات لدى ستوكهولم هي الحفاظ على وحدة الدول الأعضاء الـ27 بشأن أوكرانيا في مواجهة الهجوم الروسي وقضية المناخ وغيرها.
ستستهل السويد رئاسة الاتحاد الأوروبي في الأول من شهريناير. وهي رئاسة دورية تدوم ستة أشهر، ستحاول من خلالها الحكومة السويدية الجديدة التي تشكّلت في منتصف أكتوبر الماضي، الردّ على التساؤلات حول تأثير تحالفها غير المسبوق مع القوميين من حزب "ديموقراطيو السويد" الفائز الأكبر في الانتخابات التشريعية التي جرت في سبتمبر الماضي.
فبعد فترة بقي اليسار خلالها في السلطة لثمانية أعوام، يقود حاليا رئيس الوزراء المحافظ أولف كريسترسون ائتلافا مؤلفا من حزب المعتدلين الذي ينتمي إليه وحلفائه التقليديين الديمقراطيين المسيحيين والليبراليين.
لكن الحكومة قائمة على أغلبية برلمانية تضم أيضا حزب "ديموقراطيو السويد" المتشدد، وإن كان هذا الحزب لا يذكر في برنامجه مسألة الخروج من الاتحاد الأوروبي إلا أنه يبدو أن لا مفر من توترات في المستقبل، خصوصا بشأن ملف الهجرة الحساس جدا.
وتؤكد إيلين فرتزون النائبة السويدية في البرلمان الأوروبي من حزب الاشتراكيين الديمقراطيين وهو حاليا أول حزب في المعارضة اليسارية، أن "هناك الكثير من الكلمات الجميلة التي نقرأها في مقالة رئيس الوزراء حول أولويات الرئاسة السويدية للاتحاد الأوروبي. لكن القلق كبير لأن في الواقع ديمقراطيي السويد هم الذين يمسكون العصا".
وينصّ الاتفاق الحكومي بين أربعة أحزاب من الأغلبية على أن يتم إبلاغ حزب "ديموقراطيو السويد" بكافة القرارات التي تتخذها السلطة التنفيذية بشأن الاتحاد الأوروبي. لكن يشير مدير المعهد السويدي للدراسات الأوروبية غوران فون سيدوف إلى أنه "بشكل عام، مواضيع الاتحاد الأوروبي مستثناة من هذا الاتفاق".
وبالمقابل، يقول إن واقع "معظم الوزراء ومساعديهم المقرّبين ليس لديهم سوى خبرة قليلة في الاجتماعات الأوروبية" ما يعتبر مصدر قلق، مضيفا أن الأولويات التي تحدثت عنها ستوكهولم غير "المنافسة الاقتصادية" هي الحفاظ على وحدة الدول الأعضاء الـ27 بشأن أوكرانيا في مواجهة الهجوم الروسي فضلا عن المناخ والدفاع عن "القيم الأساسية"، وذلك ردا على التدابير المثيرة للجدل التي اتخذتها المجر وبولندا على وجه الخصوص.
علاقة بعيدة مع أوروبا
من جهته، يرى مدير معهد "جاك دولور" الأوروبي سيباستيان مايار أن السويد التي لا تنتمي إلى منطقة اليورو، "تقيم علاقة بعيدة نوعا ما مع أوروبا"، متوقعا أن تؤدي رئاستها الدورية "الواجب" لكنها "لن تفعل أكثر من ذلك" و"لن يكون لديها دور محفز".
ولذلك، إذا كان البعض يغتنمون الفرصة لوضع بلادهم تحت الأضواء في القارة، فإن البلد الإسكندنافي اختار نوعا من ضبط النفس.
وبخلاف الرئاستين السابقتين للاتحاد الأوروبي، الفرنسية والتشيكية، اللتين اتسمتا بقمتين لرؤساء الدول في فيرساي وبراغ، فليس هناك أي اجتماع كبير مرتقب في السويد، أما بالنسبة للاجتماعات الوزارية، فسيتم عقدها في مركز مؤتمرات متواضع بالقرب من مطار ستوكهولم الرئيسي.
وعلى الرغم من أن السويد ترغب في إعادة إطلاق مفاوضات بشأن اتفاقات تجارة دولية مع عدة دول ومناطق، غير أنّها قد تصطدم بجدول أعمال غير ملائم وبالثنائي الفرنسي الألماني الذي يبدو أنه يتقدم في سعيه للتوصل إلى رد مشترك على واشنطن.
ويذكر أن السويد تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي في الوقت الذي يدخل فيه قانون خفض التضخم حيز التنفيذ في الولايات المتحدة. وتتميز هذه الخطة البالغة قيمتها 420 مليار دولار والتي خُصصت بجزئها الأكبر إلى المناخ، بطابع حمائي ندد به بشدة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء زيارته الأخيرة إلى واشنطن.
وينص هذا القانون على تخصيص مساعدات استثنائية للشركات التي تقيم مقراتها على الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي. وقد اعتبر المفوض الأوروبي لشؤون السوق الداخلية تييري بروتون أن هذه الخطة "تؤدي إلى اختلالات في المنافسة على حساب شركات الاتحاد الأوروبي".
وإلى ذلك، يرى سيباستيان مايار أن "الرئاسة السويدية ستكون على الأرجح غير مستقرة مقابل الإجراءات الفرنسية الألمانية التي يتمّ تحضيرها" ردا على الخطة الأمريكية، ويضيف "سينبغي على ستوكهولم إدارة التوترات بين الدول الـ27 بشأن درجة رد وعدائية" الاتحاد الأوروبي في مواجهة الخطة الأمريكية، مشيرا إلى أن اجتماعا للحكومتين الألمانية والفرنسية مقررا في 22 ديسمبر في باريس، يمكن أن يعطي إشارة قوية حول هذا الملف.
وتعتبر هذه الرئاسة الجديدة بعد 2001 و2009 المرة الثالثة التي تتولى فيها السويد رئاسة الاتحاد الأوروبي منذ انضمامها إلى التكتل العام 1995، ورغم أن الخط السياسي للأحزاب السويدية لا يزال مواليا للاتحاد الأوروبي، إلا أن فكرة أوروبا باتت تتضاءل وتثير حماسة محدودة في البلد الإسكندنافي في السنوات الأخيرة.
فبعد عقدين على رفض السويديين الانضمام إلى منطقة اليورو العام 2003 في استفتاء شعبي، تُظهر استطلاعات الرأي حاليا أن سويديَين اثنين من أصل ثلاثة يرفضان اعتماد "اليورو".