«سجاد الغلابة».. صناعة الحصير مهنة تُحارب الانقراض
قبل بضع سنوات كانت صناعة الحصير مهنة خاصة، بمهارة صناع يعتمدون على أيديهم فقط كان يتم صناعة الحصير بكل دقة من الخامات الطبيعية، وحجز ذلك الحصير مكانه فى منازل المصريين وخاصة "الغلابة" طوال الوقت، لكن الزمن وتراكم الصعوبات لا يترك من وجدوا الحلول الجذرية لمشكلات البطالة والتشغيل والابتعاد عن الجهاز الحكومي ليكتبوا قصص نجاحهم الخاصة التي تقاوم أحيانا وتتعثر أحيانا أخرى بسبب الظروف الإقتصادية التي تمر بها البلاد والتغير الكبير الذي تشهده البيوت المصرية وعزوفها عن إستخدام الحصير والإتجاه إلى إستخدام الحصير البلاستيك ليحتفظ بها فقط من يعشقها ولا يريد للمهنة أن تموت بإعتبارها أقدم العرف التراثية التي عرفها الشعب المصري .
" كفر الجلابطة " هى أحد القري التابعة لمركز الشهداء بمحافظة المنوفية ظلت على مدار عقود طويلة أشهر المناطق التي تنتج الحصير المصري كانت فيها المهنة الأساسية التي يعمل بها أهالي القرية حتى تفوقت لسنوات طويلة على الزراعة المهنة الأساسية لأهالي قرى محافظة المنوفية ، مئات الورش التي صنعت السمعة الواسعة على مدار عقود لم تستطيع الصمود في وجه الزمن وتغيراته السريعة بما فيها تغير تطلعات وسلوكيات المستهلكين فبعد أن كان الحصير المصري يدخل كل البيوت في مصر وخاصة منازل أهالي القرى إتجه المستهلكون إلى الحصير البلاستيك والسجاد والموكيت ، لتبدا أعداد الورش بالقرية في التقلص والتناقص ليستمر بها من لا يعرف حرفة غيرها ويبحثون معها على منافذ لإبقاء الحرفة التراثية الأقدم على قيد الحياة من خلال تصريف إنتاجهم في تجهيز الكافيهات والقرى السياحية وبعض الأماكن التي تجد المنتج يخدم التصميمات بالإضافة إلى حصير صناعة الجبنة القرية الذي ما زال حاضرا في أغلب المناطق الريفية.
" منعرفش نشتغل حاجة تانية غيرها " بهذه الكلمات بدأ محمد عبد الحميد مرعي أحد أقدم العاملين بحرفة صناعة الحصر بقرية كفر الجلابطة ، مضيفا أن القرية كانت بالكامل تعمل في هذه المهنة، مشيرا إلى أن والده الراحل كان يدير 7 مشاغل والآن وبعد سنوات طويلة من العمل أمتلك نصف مشغل مع شقيقي الأصغر وتساعدني فيه زوجتي ، وأضاف أنه رغم الصعوبات التي تمر بها الحرفة إلا أنه إستطاع تربية أولاده منها والذين يدرسون في عدد من الكليات والان بعد الغلاء بدأ الشباب في العزوف عن الصناعة والعمل بسبب أن المهنة شاقة جدا وعائدها المادي قليل بسبب الغلاء وثبات سعر المنتج على مدار السنوات السابقة حيث لا تتعدى يومية الصانع فيها 60 جنيها والعمل يستمر لنحو 12 ساعة وأضاف " المهنة دلوقتي مبقتش تأكل عيش ومش مستمر فيها غير اللي بيحبها " .
مشيرا إلى أنه لم تعد حرفة مجزية كما كانت في السابق لأسباب كثيره أولها المواد الخام التي هي عصب الصناعة ويطلق عليها "السمر" وهي نباتات أشبه بالبوص تنمو في عدد من الأراضي المالحة بمحافظات الشرقية والإسماعيلية والبحيرة بدون تدخل بشري ويتم حصاده كل عامين وفي الفترة الأخيرة رفع أصحاب هذه الأراضي أسعار " عيدان السمر " بعد أن كان في السابق " ببلاش " مشيرا إلى إن الأراضي التي ينمر فيها السمر تتناقص بشكل كبير بسبب إستصلاحها وزراعتها أو البناء عليها .
وأضاف أن تغير الزمن وأساليب حياة المصريين كانت سببا في تراجع المهنة مشيرا إلى أن المستهلكين في كافة الطبقات يقبلون على المنتجات المنافسة بداية من الحصير البلاستيك إلى الموكيت والسجاد ولم يعد للحصير المصري مكان في بيوت المصريين بإسثناء عدد قليل جدا من الفلاحين الذين يحافظون على إستخدامه في المنازل الريفية بسبب متانته وملائمته للبيئة الريفية مشيرا إلى أن الإنتاج حاليا يوجه إلى تجهيز الشاليها والقرى السياحية وتستخدمه بعض الكافيتريات في التظليل و التصميمات الريفية لبعض الأماكن .
سليمان مرعي أحد العاملين بالمهنة أكد أنه منذ فترة تم دعوتهم لمؤتمر ترعاه المحافظة تناول الصناعات الحرفية التي تشتهر بها محافظة المنوفية مضيفا أنه تناول الحديث عن الصناعات الحرفية والتراثية مثل السجاد والفخار والصدف وصناعة الحصير وتقديم الدعم للصناع ، وبعد ذلك لم يحدث أي جديد ، مضيفا أنه على الدولة بذل مزيد من الجهود لإحياء الصناعات التراثية التي تعكس ثقافة المكان الذي تخرج منه بالإضافة إلى أنها من الوسائل الفعالة للقضاء على البطالة والنهوض بالصناعات المحلية كما سمعنا في المؤتمر ، حيث أنه من الاولى تقديم قروض ميسرة للعاملين بالمهنة للتوسع في الصناعة وإحيائها مشيرا إلى أن الغالبية العظمى من العاملين بالمهنة لا يفضلون المغامرة والإتجاه إلى الإنتاج الكبيرة بسبب تقلبات السوق والكساد في أغلب الأوقات ، وأضاف أن صناعة الحصير رغم قدمها مازالت صناعة بسيطة وغير معقده فتبدأ بالحصول على المواد الخام والخيوط وإعداد أعواد السمر بالمقاسات المطلوبة لكل منتج وبعد ذلك يتم غمره بالمياة في أحواض مخصصة حتى تحصل الأعواد على الرطوبة المطلوبة ولا تنكسر أثناء صناعة الحصير وفي المرحلة الأهم يتم شد الخيوط على النول ويبدأ الصانع في تركيب الأعواد بشكل متجانس حتى الإنتهاء من صناعة الحصيرة بالمقاس المطلوب .