خبراء وسياسيون عن «القمة العربية- الصينية»: الاقتصاد محور المناقشات.. وبكين تسعى لتأمين الطاقة
أكد خبراء وسياسيون أهمية توقيت القمة العربية- الصينية، التى تنطلق فى العاصمة السعودية الرياض، بحضور الرئيس الصينى شى جين بينج، وعدد من القادة العرب، خاصة فى ظل الظروف الدولية التى يمر بها العالم أجمع من جراء الأزمة الروسية الأوكرانية.
وأوضح الخبراء، خلال حديثهم إلى «الدستور»، أن القمة ستناقش عددًا من الملفات المهمة، على رأسها ملفا الطاقة والتعاون الاقتصادى العربى الصينى، فى ظل رغبة بكين فى تأمين مواردها من الطاقة من المنطقة، والتأكيد على استمرار مبادرة «الحزام والطريق»، مع الدفع نحو علاقات سياسية واقتصادية وثقافية عميقة وواسعة مع دول الإقليم لإحداث توازن دولى مع الولايات المتحدة على المستوى الاستراتيجى.
شدد الخبير السياسى اللبنانى هيثم مزاحم، رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية ببيروت، على أن زيارة الرئيس الصينى شى جين بينج إلى المملكة العربية السعودية ولقاءه عددًا من القادة العرب تأتى فى لحظة حساسة من العلاقات الأمريكية السعودية.
وأوضح أن القمة تثبت أن المملكة تعمل وفق حسابات استراتيجية، لا تقتصر على اعتماد الغرب كحليف وضامن للأمن الإقليمى، بل يمكن أن تشمل الصين وروسيا ودولًا كبرى أخرى.
وأضاف: «القمة تثبت أن الصين شريك اقتصادى للسعودية لا بديل عنه، وستشهد تأكيد الطرفين أهمية تعزيز التبادلات التجارية والتعاون فى المجالات كلها، مع استمرار واردات النفط السعودى إلى الصين، واستمرار الصادرات الصينية إلى السعودية، كما سيؤكد الطرفان تعزيز العلاقات السياسية فى وقت تتخلى فيه المملكة عن اعتمادها على الولايات المتحدة فى تأمين الأمن والاستقرار فى المنطقة، فى ظل التوتر فى العلاقة بين واشنطن والرياض. وأشار «مزاحم» إلى أن الصين تعمل على تعزيز العلاقات المشتركة مع الدول العربية، كل على حدة، خاصة بعدما وقعت مع عدد منها اتفاقيات لضمها إلى مبادرة «الحزام والطريق»، كما أنها تتمتع بعلاقات اقتصادية وسياسية جيدة مع عدد من الدول العربية، خاصة السعودية والكويت والإمارات وقطر ومصر والسودان والعراق.
أحمد الحسينى: تؤكد أهمية وحدة الكتلة العربية
قال أحمد الحسينى، المدير الإقليمى لمنظمة العمل العربى الصينى، الباحث فى الشئون الصينية بجامعة القاهرة، إن القمة العربية الصينية بالرياض تؤكد أهمية علاقات الصين بالمنطقة، كما تؤكد وحدة الكتلة العربية فى تعاملها مع الشركاء الاستراتيجيين.
وأوضح «الحسينى» أن الصين تهدف من القمة إلى تأمين مصادر الطاقة من دول الخليج، وإحداث توازن مع القوى الدولية على الساحة العالمية، خاصة بعد أن أكدت الزيارات المتعددة لقادة أوروبيين وأمريكيين إلى المنطقة أن الدول العربية عمومًا، والخليجية خصوصًا، هى من لديها مفاتيح حل الأزمة الروسية الأوكرانية، وما ترتب عنها من أزمات.
وأضاف: «ستركز القمة على الأزمة الروسية الأوكرانية وما تبعها من مشاكل فى الطاقة، وتأمل الصين فى أن تنجح فى تأمين الطاقة التى تأتيها من دول الخليج وإيران، وألا يؤثر الطلب الأوروبى على حصتها».
وتابع: تسعى الصين أيضًا إلى استخدام اليوان الصينى كبديل للدولار الأمريكى، سواء فى المعاملات التجارية أو فى مشتريات النفط، وهو أمر مهم سعت إليه بكين منذ عام ٢٠١٣، وبعد انطلاق مبادرة «الحزام والطريق»، وانضمام الدول العربية إليها، وقد وقعت عدة اتفاقيات بهذا الخصوص مع قطر والسعودية والإمارات ومصر، حتى يتم إدراج اليوان الصينى مع الدولار فى التعاملات البينية مع المنطقة».
إحسان الشمرى: نقطة تحول كبيرة وتعيد التوازن فى العلاقات
أشار السياسى العراقى، الدكتور إحسان الشمرى، رئيس مركز التفكير السياسى، إن القمة العربية الصينية تمثل نقطة تحول كبيرة فى العلاقات بين الدول العربية والصين، ويتضح ذلك بالنظر إلى توقيت انعقادها وطبيعة اختلاف وجهات النظر أو الصراع بين أمريكا والصين وروسيا.
وأضاف «الشمرى»: «القمة تأتى فى إطار عملية التوازن القطبى فى العلاقات السياسية والاقتصادية، وأتوقع أن تركز على الاقتصاد، ورغم أنها قد ينظر لها على أنها سياسية أو محاولة لظهور تجمع اقتصادى جديد، أتصور أن أبرز الملفات التى ستجرى مناقشتها اقتصادية، تتعلق بالطاقة والتكنولوجيا وقضايا الإعمار».
فردوس عبدالباقى: اتجاه صينى لتحجيم «دولرة» العلاقات التجارية
توقعت الباحثة بوحدة الدراسات الآسيوية بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، فردوس عبدالباقى، أن تركز القمة الصينية العربية على الملفات والقضايا الرئيسية فى منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب تعزيز التبادل التجارى بين الجانبين وزيادة الاستثمارات فى مجال الطاقة، وبحث مستقبل القضية الفلسطينية ومكافحة الإرهاب والتطرف.
وأضافت: «سيركز الجانب الصينى على إلغاء «دولرة» العلاقات التجارية من خلال التشجيع على اعتماد العملات المحلية فى العلاقات التجارية، لتجنب فرض عقوبات أمريكية أو أوروبية على بكين فى حال تورطت فى حرب مع تايوان.
وتابعت: «قد تسهم القمة فى ربط خطط التنمية الوطنية مع مبادرة الحزام والطريق، من خلال حوار استراتيجى يعزز التعاون الاقتصادى»، متوقعة أن تخرج القمة بتوصية رئيسية بإتمام اتفاقية التجارة الحرة الخليجية الصينية، التى سيكون لها دور فى تسهيل التجارة بين الجانبين. وأشارت إلى أن العلاقات العربية الصينية تشهد تطورًا ملحوظًا فى السنوات الأخيرة، خاصةً مع الأطروحات التى تفيد بتراجع النفوذ الأمريكى فى المنطقة والتوجه بشكل أكبر نحو آسيا. واستطردت: «الصين أكبر شريك تجارى للدول العربية، وهى تبحث عن إقامة شراكات استراتيجية مثل التى أبرمتها مع السعودية منذ عام ٢٠١٦، وتأسيس منتدى التعاون العربى الصينى».
وعن التعاون العسكرى، قالت الباحثة: «يشهد نشاطًا كبيرًا يظهر فى حجم تجارة الأسلحة ومستوى التنسيق وتبادل الخبرات، لكن لا تزال حصة تجارة الأسلحة الصينية إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا محدودة مقارنة بآسيا، التى تستحوذ على ٨٢٪ من تلك الصادرات من دولة تعد ثانى أكبر منتج للأسلحة وخامس أكبر مصدّر عالميًا». واختتمت: «هناك مجالات تعاون أخرى أبرزها الطاقة النظيفة، حيث انخرطت شركات صينية فى تنفيذ مشروعات طاقة كهروضوئية فى عدد من البلدان العربية مثل الأردن والسعودية والإمارات وقطر، كما تضخ الصين استثمارات ضخمة فى مشروعات المنطقة الصناعية بقناة السويس، وتنظر لمصر فى إطار مبادرة الحزام والطريق بأنها دولة إقليمية مهمة يمكن لها الانطلاق من خلالها لشمال إفريقيا وأيضًا باتجاه أوروبا».
سرور الكعبى: حدث تاريخى ومنعطف دبلوماسى عربى له دلالات
قال المحلل والسياسى الإماراتى، سرور الكعبى: «لا شك أن القمة تعتبر حدثًا تاريخيًا مهمًا ومنعطفًا دبلوماسيًا عربيًا له دلالات متعددة، خصوصًا أنه يأتى بعد أزمات عصيبة مر بها العالم أبرزها فيروس كورونا المستجد، وانهيار فكرة القطبية العالمية التى تقودها الولايات المتحدة، لاسيما بعد رفض العالم بشكل واسع كيل السياسة الأمريكية بمكيالين».
وأضاف: «أثبتت الحرب فى أوكرانيا للعالم أن الولايات المتحدة ليست كما تدعى بأنها قادرة على القيام بالتزاماتها السياسية التى تبرمها مع الدول، خصوصًا أنها لم تستطع الوقوف الحازم ضد روسيا، أو حتى الاشتراك الفعلى فى عمليات الدفاع ضدها، فى حين لم يكن لها تأثير واضح أو صريح فى تعويض أوروبا عن النقص الحاد فى الوقود والطاقة، فى الوقت الذى لا يزال فصل الشتاء فى بداياته».
محمد خلفان الصوافى: العرب يبحثون عن حليف دولى ذى ثقة
أوضح الكاتب والمحلل السياسى الإماراتى، محمد خلفان الصوافى، أن الحرب الروسية الأوكرانية لم تؤثر على العلاقات بين الصين والدول العربية، فموقف الدول العربية لم يتغير، فهى تحرص على تحقيق الاستقرار الإقليمى، ويجب على السعودية وشقيقاتها البحث عن حليف دولى آخر تستطيع الثقة فيه.
وأضاف «الصوافى»: «الصين تركز على الملفات التجارية والاستثمارات فى البنية التحتية، خاصة الموانئ والمطارات، وهذا الجانب سيكون محل اهتمام الصينيين، لأنه يخدم مشروع طريق الحرير، وعلى الجانب الآخر، يحاول العرب، خاصة السعودية، الانفتاح على الدول البديلة للولايات المتحدة، تحسبًا لحدوث أى مفاجآت فى النظام العالمى».
نادر رونج: تحقق استقلال سياسات الدول
أشار الإعلامى الصينى، نادر رونج، إلى أن العلاقات الصينية العربية تطورت بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وستصبح أكثر عمقًا خلال الأيام المقبلة، خاصة فى وقت تحدث فيه أزمات طاحنة فى العالم، تؤثر على الوضع الأمنى. وأوضح «رونج»: «الصين تريد التعاون مع الدول العربية للحفاظ على الاستقرار، واستقرار سلاسل الإمداد والإنتاج»، متوقعًا أن تتضمن القمة تنسيق المواقف بين الصين والدول العربية فى مختلف المحافل الدولية «تسعى بكين والدول العربية إلى تحقيق التماسك والاستقلال فى السياسات الخارجية». وتابع: «القمة سوف تتميز بمبدأ المكاسب المشتركة للجميع، لأن بكين تتمسك بسياسة عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى، وكذلك منفتحة على التعاون، ولديها الموارد البشرية والطاقة والتكنولوجيا العالية».
عماد المديفر: دلالات جيوسياسية إقليمية
أكد الكاتب والباحث السعودى، عماد المديفر، أن عقد هذه القمم يأتى محملًا بدلالات التوقيت والمكان والحجم والأطراف المشاركة ونوع الملفات المزمع التباحث والاتفاق حولها، وهى دلالات جيوسياسية مهمة على المستويين الإقليمى والعالمى. وأضاف «المديفر»: «هذه القمم العربية الصينية غير مسبوقة، لا سيما وأنها تأتى فى ظل الحرب الروسية الأوكرانية، ومع اتخاذ الولايات المتحدة سياسات متذبذبة تراجع على إثرها مستوى الثقة، وتراجع الدولار الأمريكى فى أجزاء واسعة من العالم والمنطقة». وتابع: «العلاقات الصينية العربية تطورت خلال السنوات الأخيرة ووصلت إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية الشاملة، كما أن عددًا من الدول العربية انضم إلى مبادرة الحزام والطريق».
جهاد العبيد: حجم التجارة المتبادلة يفوق 300 مليار دولار سنويًا
أكد المحلل السياسى السعودى، جهاد العبيد، أن حجم التجارة المتبادلة بين الجانبين يفوق ٣٠٠ مليار دولار سنويًا، وهذا الرقم يعتبر أقل من طموحات الجانبين، حيث تعمل المنطقة العربية على تنويع اقتصادها وتوسيع شبكة استثماراتها، فى ظروف جيوسياسية حساسة، هذه الظروف التى تجعل التفكير بتوزيع استثمار الثروات أمرًا حتميًا.
وأضاف: «تمتلك المنطقة العربية مشروعاتها الكبرى، خاصة منطقة الخليج، برؤى تتبناها الدول، وبالتالى نهضة عملاقة تنتظرها، تجعل دولًا كبرى مثل الصين تبحث عن موضع قدم فى المنطقة، إضافة إلى موقع العرب الاستراتيجى الذى يؤهلهم ليكونوا فاعلين فى مبادرة الحزام والطريق الصينية، ومركزًا لوجستيًا مهمًا، لذلك تعتبر هذه القمم هى لبنة ونقطة انطلاقة برغبة قوية مشتركة لنقل هذه العلاقة إلى مستوى آخر تمامًا».