أمام قمة الجزائر.. المنفي يطالب بدعم عربي ودولي لتقريب وجهات النظر وبناء الثقة بين الليبيين
دعا رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي اليوم الجامعة العربية ممثلة في أعضائها وأمانتها العامة، إلى مساندة المجلس الرئاسي، وممارسة دورها المأمول في تقريب وجهات النظر، وبناء جسور الثقة بين الليبيين، جنباً إلى جنب مع الدور الذي تقوم به منظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، والمنظمات الإقليمية والدولية العاملة في ليبيا.
وجاء في نص كلمة رئيس المجلس الرئاسي امام جلسة اليوم الثاني للدورة الحادية والثلاثين للقمة العربية بجمهورية الجزائر
"بدءاً بحمد الله العلي القدير والثناء عليه، على أن كُللت جهود أخي الرئيس عبد المجيد تبون بثمرة التئام البيت العربي مجدداً في بلدنا العامرة الجزائر، ولا يفوتني أن أتوجه بالشكر إلى الجمهورية التونسية الشقيقة، رئاسة وحكومة وشعباً، على ما بذلته من جهد وتحملته من صعاب خلال القمة الماضية، كما نسأله تعالى أن يمنحنا أسباب التوفيق والسداد، ضمن ما يشهده العالم من تحديات وأزمات، تستوجب النظر بعيون المستقبل واستحقاقاته.
من هذا المنبر أتوجه إلى أشقائنا وأهلنا بالجزائر، لأُهنئَكم بذكرى مجدكم، وذكرى نصركم، ذكرى الأول من نوفمبر، يوم أن استكمل شعبُكم الأبيُّ كتابةَ فصول العزة والشجاعة والنصر، في كتاب نضالكم منقطع النظير لتحرير بلدكم، وسيادة إرادة شعبكم على أرضكم الطاهرة، التي ارتوت بدماء أبطال الثورة الجزائرية، والنضال الوطني على مدى أكثر من 132 سنة، على الرغم من كل آلامها، إلا أنها تُوجت بنصر الشعب الجزائري، والذي لم يتخلَّ عنه الشعب العربي في مسيرته النضالية، وكان شعبُنا في ليبيا .. ليبيا المقاومة، ليبيا المختار ورفاقه الأحرار، الأقرب لكم، والداعم لكم بكل ما استطاع من جهد.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
مضت سبعة عقود ونيف على تأسيس هذه المظلة للعمل العربي المشترك، على أساس الانشغال بقضايا الأمة، ومن أجل السعي بكل السُبل إلى تحقيق التنمية والرخاء والازدهار لشعوبنا، وللحفاظ على سلامة ووحدة واستقرار كل قطعة من جسد هذه الأمة العظيمة، وهذه الغاية تحتمها علينا وحدة المصير والمصالح المشتركة.
ولذلك،، فبلادي تؤكد على موقفها الثابت تجاه القضايا العربية المصيرية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فلا حل دائم أو مرحلي يعد مقبولاً ما لم يعترف بحقوق الشعب الفلسطيني، في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وفقاً للمبادرة العربية ومقررات الأمم المتحدة.
وفي هذا الصدد، يرحب المجلس الرئاسي بتراجع الحكومة الأسترالية عن قرارها السابق بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
أكثر من عقـــد من الزمــــن قد مر، ولازال الشــعب الليبي يلتمس طريقه إلى إعادة بناء دولته، على أسس الحرية والديمقراطية والقـــانون، غير أن هذا الهـدف لازال محفــوفاً بالتحديات، محلياً وإقليميـاُ ودولياً.
إنـا ومن تحت هذه القبة، ندعو الأشقاء العرب إلى تبني موقف عربي موحد تجاه الأوضاع في ليبيا، وعلى رأسها رحيــل كافة المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية عن الأراضي الليبية، ووقف التدخلات السلبية وغير البناءة، ودعم المسار الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة.
يضطلع المجلس الرئاسي بمهمته في قيادة جهود المصالحة الوطنية، تمهيدا لانتقال سلمي وديمقراطي للسلطة التشريعية والتنفيذية، عبر انتخابات برلمانية ورئاسية متلازمة، كما أود أن أُثنيَ على الجهود الإقليمية المصاحبة لعملنا؛ من أجل إطلاق مشروع المصالحة الوطنية، الذي يمثل الأساس الأهم لدعم كافة المسارات، للوصول إلى الاستقرار والسلام المنشود.
إن هذه المسؤوليات تحتم علينا أن نعمل في مسار وطني متوازن وغير منحاز، بما يضمن تحقيق العدالة الانتقالية، وجبر الضرر، وبناء تدابير الثقة بين الليبيين.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
إن الاستمرار في المراحل الانتقالية لا يُعبر عن تطلعات الشعب الليبي في بناء دولته، ولا يخدم مصلحته في تحقيق الاستقرار الدائم، فلا يخفى عنكم أن المراحل الانتقالية تطيل عُمر الأزمات، وتساهم في تفاقمها، فضلاً عن أنها تقف حاجزاً أمام ممارسة الشعب الليبي لحقه الانتخابي.
وفي هذا الصدد،، يؤكد المجلس الرئاسي على ضرورة أن يوظف أي حوارٍ؛ لاستكمال تنفيذ خارطة الطريق المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي، وتحقيق هدفها في تعزيز الشرعية السياسية، عبر انتخابات برلمانية و رئاسية على أساس دستوري واضح، والابتعاد عن كل ما من شأنه زيادة الانقسامات في ليبيا؛ التزاما بقرار مجلس الأمن رقم 2656/2022، وتوافقاً مع قرارات جامعة الدول العربية، وآخرها القرار رقم 2022/8797 ، الصادر عن الدورة 158 لمجلس الجامعة، والذي حث مجلسي النواب والدولة على التوافق لوضع قاعدة دستورية، تُجرى على أساسها انتخابات حرة ونزيهة في أقرب الآجال؛ تحقيقاً لرغبة الشعب الليبي التي عبر عنها بوضوح.
كما لا يفوتني أن أوكد على ضرورة معالجة القضايا الاقتصادية، التي تعد إحدى أهم مكونات الأزمة في ليبيا، نظراً للطبيعة الريعية غير المتنوعة للاقتصاد الليبي، حيث يتوجب تحييد المال العام عن الصراع السياسي، وضمان العدالة والرشد في الإنفاق.
إن هذا الأمر أيها السادة، لا يتأتّى برهن مقدرات الشعب الليبي إلى أي آلية دولية، مهما كانت النيات الحسنة التي تقف وراءها، ولكنه يتحقق بتوافق ليبي على ضرورة حياد المال العام، ووصوله إلى مستحقيه عبر آلية شفافة، تشارك فيها كل الأطراف الليبية، وتُضبَط من خلالها ماليةُ الدولة خلال المراحل الانتقالية، بما يعزز الثقة، ويحفظ المال العام، ويهيئ الأرضيةَ الاقتصاديةَ المناسبةَ لإجراءِ الانتخابات المنشودة.