د. مدحت حماد يكتب: الجامعات الحكومية وسنينها...؟
جميعنا يعرف بل يؤمن بأن إنشاء أولى الجامعات المصرية فى مطلع القرن العشرين كان بمثابة نقطة التحول "الحضارى" ليس فقط على مستوى الدولة المصرية، إنما على مستوى الوطن العربى والإفريقى بل ربما الآسيوى أيضًا، وجميعنا الآن بات يعرف- بل يؤمن أيضًا- أن الوضع الذى صارت إليه وفيه الجامعات الحكومية المصرية، إنما يصطدم، وبشكل لا ريب فيه، بـ"حُلم التحول الحضارى" الذى كان قد أخذ ينشده الآباء والأجداد منذ تأسيس أول جامعة مصرية فى ديسمبر عام 1908 التى هى "جامعة القاهرة".
جميعنا يعرف كذلك، بل يؤمن، بأن ما قامت به الدولة المصرية طوال المائة عام الماضية، من التوسع فى نشر الجامعات الحكومية، ثم الجامعات الخاصة ثم الجامعات الأهلية، فى أرجاء محافظات مصر، إنما ساهم وبقوة فى دفع الدولة المصرية خطوات وخطوات إلى الأمام، ولكن من دون تحقيق "حُلم التحول الحضارى" الذى كان ولا يزال ينشده المصريون، جيلًا بعد جيل، منذ أكثر من مائة عام والذى هو بالفعل "حُلم مشروع" للوطن وللشعب وللأمة.
لكن السؤال الوحيد المُرَكَّب "المشروع" أيضًا هو: لماذا أخفق بل فشل الشعب، ومن ثم الدولة، وبالتالى "الأمة المصرية"، فى تحقيق "الحُلم الحضارى" الذى نشده وحلم به الجميع، من وراء إنشاء، بل التوسع فى إنشاء الجامعات على اختلاف طبيعتها وكينونتها وماهيتها؟!.
السؤال البديهى أيضًا هو، إذا كنَّا قد أخفقنا فى تحقيق "الحُلم الحضارى" المنشود والمشروع، من وراء إنشاء والتوسع فى إنشاء الجامعات، فما الفوائد التى تحققت بالفعل جراء ذلك؟ فالمؤكد أنَّ هناك فوائد مهمة ومكاسب حقيقية قد تحققت من وراء إنشاء الجامعات. هذا السؤال من السهل الإجابة عنه، بل يجب الإجابة عنه قبل أن نغوص فى تحليل "الواقع الراهن" الذى عليه الجامعات الحكومية. بالتأكيد هناك أهداف منشودة من وراء كتابة هذه السلسلة من المقالات الأسبوعية حول واقع وحال "الجامعات المصرية".
أعود للإجابة عن السؤال السهل، فأقول: إن فى مقدمة الفوائد والمكاسب التى تحققت عبر مائة عام من خلال الجامعات المصرية ما يلى:
إعداد وتأهيل جيوش الموظفين البيروقراطيين الذين احتاجت إليهم جميع المؤسسات والهيئات الحكومية وغير الحكومية فى الدولة المصرية ومن بينها الجامعات.
الحد من انتشار معدلات الجهل والمرض والتخلف.
الحد من انتشار العنف والجريمة.
الحد من الآثار السلبية المزمنة المصاحبة لعملية "استيطان الأمية" فى ربوع الدولة وأرجاء المجتمع المصرى.
فتح السُبل اللازمة لاكتشاف الكوادر المتميزة فى مختلف المجالات بما ساهم فى عدم غرق الدولة المصرية فى أوحال التخلف المعرفى العلمى الإدارى الثقافى و...، الذى كان مستشريًا قبل البدء فى إنشاء الجامعات.
كما قلت هناك بالتأكيد مكاسب وفوائد قد تحققت بالفعل من وراء انشاء الجامعات، فلا جدال أو نقاش فى هذا، إنما السؤال الوحيد المُرَكَّب "المشروع" أيضًا، الذى ستدور حوله هذه المقالات، هو: هل نجحت الدولة، ومن ثم الأمة المصرية، فى تحقيق الحُلم الحضارى" المنشود، من وراء إنشاء الجامعات؟ أصلًا: هل كان لدى الدولة ولدى الأمة المصرية "حُلم حضارى" تسعى لإدراكه وتحقيقه من وراء إنشاء منظومة الجامعات القائمة الآن؟ هذا هو جوهر ومركز ومحور سلسلة هذه المقالات التى أدعو الله أن يرزقنى العمر كى أنتهى من كتابتها.
وللحديث بقية.